في ظل تعافٍ اقتصادي غير متكافئ، يواصل قطاع التصنيع العالمي مواجهة تحديات معقدة، من ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى تباطؤ الطلب في بعض الأسواق، ورغم تسجيل تحسن طفيف في الإنتاج الصناعي، فإن وتيرة النمو لا تزال أقل من مستويات ما قبل الجائحة، ما يثير تساؤلات حول قدرة القطاع على استعادة زخمه وسط بيئة اقتصادية متغيرة.
تطور أداء الإنتاج الصناعي العالمي في الربع الرابع 2024
تشير بيانات الربع الرابع من عام 2024 إلى أن الإنتاج الصناعي العالمي سجل ارتفاعاً بنسبة 2.4 في المئة مقارنة بالعام السابق، لكنه لا يزال بعيداً عن وتيرة الانتعاش القوي التي شهدها بعد الجائحة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1738926244764-0’); });
في الاقتصادات الصناعية الكبرى، ارتفع المؤشر إلى 127.4 نقطة، إلا أن الاقتصادات الصناعية المتوسطة الدخل لا تزال تعاني من تباطؤ في وتيرة نموها، باستثناء الصين، التي عززت إنتاجها بنسبة 3.5 في المئة مدفوعة بالطلب المحلي القوي والاستثمارات في التكنولوجيا المتقدمة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1739447063276-0’); });
لم تحقق الاقتصادات عالية الدخل تقدماً يذكر، إذ استقر مؤشرها عند 106.3 نقطة، ما يعكس ضعف النمو في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تضررت الصناعات الثقيلة جراء تراجع الطلب الاستثماري وارتفاع أسعار الفائدة.
في المقابل، واصلت الأسواق الناشئة تسجيل تحسن طفيف، مدفوعة بانتعاش بعض القطاعات الصناعية في أميركا اللاتينية وآسيا.
في حين استمر الأداء الإيجابي للصناعات الدوائية والكيميائية، إذ سجلت نمواً بمعدلات تجاوزت 4 في المئة، إلا أن قطاعات أخرى مثل المنسوجات والمعدات الكهربائية شهدت ركوداً ملحوظاً، ما يعكس تراجع الطلب الاستهلاكي عالمياً، أما قطاع المشروبات، فقد سجل تراجعاً طفيفاً، متأثراً بارتفاع تكاليف المواد الخام وتقلبات سلاسل التوريد.
الشرق الأوسط في قلب معادلة التصنيع العالمي
شهد قطاع التصنيع في الشرق الأوسط تحولات لافتة خلال السنوات الأخيرة، مدفوعاً باضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة، والاتجاه نحو تنويع الاقتصادات بعيداً عن النفط، رغم التحديات، تمكنت بعض الدول من تعزيز إنتاجها الصناعي، بينما لا تزال دول أخرى تكافح لاستعادة زخم النمو.
فمع نهاية عام 2024، تعكس بيانات التصنيع في الشرق الأوسط صورة متباينة، فإن بعض الدول تحقق قفزات نوعية في الإنتاج الصناعي، بينما تواجه أخرى تراجعاً تحت وطأة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية.
في السعودية، واصلت الرياض دفع عجلة التصنيع ضمن «رؤية 2030»، حيث سجلت الصناعات التحويلية نمواً ملحوظاً بدعم من استثمارات حكومية ضخمة، القطاع غير النفطي، الذي يشمل التصنيع، أصبح المحرك الرئيسي للاقتصاد مع توسع مشاريع البتروكيماويات، والتكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الدفاعية.
الإمارات، بدورها، عززت موقعها كمركز تصنيع إقليمي، خاصة في مجالات الصناعات الثقيلة والطيران، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة، والمناطق الصناعية الحرة التي اجتذبت استثمارات أجنبية كبرى، ورغم تباطؤ بعض القطاعات، إلا أن الصناعة الإماراتية تواصل صمودها مدفوعة بالابتكار والتحول الرقمي.
أما في مصر، فإن قطاع التصنيع يواجه معركة صعبة في ظل تحديات التمويل، وتذبذب سعر الصرف، وتكاليف الاستيراد المرتفعة، ورغم ذلك، تشهد البلاد نمواً في بعض القطاعات، مثل الصناعات الغذائية والنسيجية، وسط مساعٍ حكومية لتعزيز التصدير وزيادة الإنتاج المحلي.
في المقابل، تعاني دول مثل لبنان من انكماش صناعي حاد، نتيجة للأزمة الاقتصادية المستمرة، وشح السيولة، وهجرة الاستثمارات، أما في العراق، ورغم الإمكانات الكبيرة، لا تزال الصناعة متأثرة بالاضطرابات السياسية، وتأخر الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.
رغم التحسن الطفيف في بعض الأسواق، لا يزال قطاع التصنيع العالمي يواجه تحديات كبيرة، مع تفاوت في الأداء بين الاقتصادات الكبرى والناشئة، في حين تواصل الصين قيادة النمو الصناعي، تعاني الاقتصادات المتقدمة من ركود واضح، بينما لا يزال الشرق الأوسط في مرحلة اختبار لتعافي قطاعاته الصناعية، فهل نشهد انتعاشاً أقوى في 2025، أم تستمر حالة عدم اليقين؟