مع تصاعد وتيرة المعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، برزت “ملاحظات المجتمع” كإحدى الأدوات التي تعتمد على التعهيد الجماعي لتصحيح الأخطاء وتوفير سياق إضافي للمنشورات المشكوك فيها. هذه الأداة، التي بدأت على منصة إكس ضمن رؤية إيلون ماسك لحرية التعبير “المطلقة”، يجري توسيعها اليوم في منصات أخرى مثل فيسبوك، إنستغرام، ويوتيوب.
لكن في ظل بيئة رقمية محفوفة بالحوافز المالية والسياسية، يواجه هذا النهج تحديات كبيرة. فهل يمكن أن تكون “ملاحظات المجتمع” وسيلة فعالة لمواجهة التضليل، أم أنها مجرد محاولة أخرى لإعفاء شركات التكنولوجيا من مسؤوليتها عن تنظيم المحتوى؟
يعتمد نظام ملاحظات المجتمع على مشاركة المستخدمين لإضافة توضيحات وتوفير مصادر موثوقة للمنشورات التي قد تكون مضللة أو غير دقيقة. تبدأ العملية باقتراح الملاحظات، حيث يمكن لأي مستخدم مؤهل تقديم ملاحظة على منشور معين، موضحًا سبب اعتباره مضللًا ومرفقًا بروابط تدعمه. بعد ذلك، يصوت مستخدمون آخرون على مدى فائدة الملاحظة، وفقًا لخوارزمية تربط بين وجهات النظر المختلفة لضمان حد أدنى من التوافق. إذا حصلت الملاحظة على تأييد كافٍ من مستخدمين ذوي آراء متباينة، تُنشر مع المنشور الأصلي ليتمكن الجميع من رؤيتها. يُنظر إلى هذه الطريقة على أنها أسرع وأكثر شفافية مقارنة بأساليب التحقق التقليدية التي تعتمد على فرق مهنية، لكن فعاليتها لا تزال موضع نقاش.
فاعلية ملاحظات المجتمع : النجاح في بعض المجالات
*سرعة الاستجابة مقارنة بمدققي الحقائق
يُظهر تحليل نشرته مؤسسة بلومبيرغ أن متوسط الوقت اللازم لنشر ملاحظة تصحيحية على إكس، انخفض من 30 ساعة في 2023 إلى أقل من 14 ساعة في 2025، بينما قد يستغرق مدققو الحقائق المحترفون أيامًا أو حتى أسابيع للتحقق من بعض الادعاءات.
*الحد من انتشار المحتوى المضلل
تُظهر البيانات أن المنشورات التي يتم ربطها بملاحظات المجتمع تصبح أقل انتشارًا، خلال أزمة حرائق كاليفورنيا ساعدت الملاحظات في كبح انتشار صور مزيفة تُظهر لافتة هوليوود وهي تحترق، مما حدّ من الذعر العام.
*تطبيق الأداة حتى على الشخصيات المؤثرة
لم يسلم إيلون ماسك من التدقيق، إذ تلقى 167 ملاحظة تصحيحية منذ إطلاق النظام. في إحدى الحالات، نشر ماسك استطلاعًا زعم فيه أن شعبية الرئيس الأوكراني زيلينسكي تراجعت إلى مستويات متدنية، لتُصحح الملاحظة الادعاء بالاستناد إلى بيانات رسمية أظهرت أنه لا يزال يتمتع بتأييد يتجاوز 50%.
الاعتماد على ملاحظات المجتمع: المخاطر والقيود
*غياب الخبرة والتخصص
تعتمد “ملاحظات المجتمع” على مستخدمين عاديين وليس على خبراء مدربين في تدقيق المعلومات، مما يجعلها عرضة للأخطاء في القضايا المعقدة التي تتطلب تحليلًا متعمقًا.
*التلاعب السياسي والمنظم
يمكن لجماعات منظمة استغلال هذه الآلية لنشر أجنداتها أو التصويت ضد الملاحظات التي تتعارض مع مصالحها. في القضايا السياسية، يمكن أن تؤدي الملاحظات المتضاربة إلى تشويش المستخدمين بدلًا من تصحيح المعلومات.
*ترسيخ المغالطات الشائعة
نظرًا لاعتمادها على “الإجماع المجتمعي” بدلًا من “الحقيقة الموضوعية”، قد تسهم ملاحظات المجتمع في نشر معلومات خاطئة إذا حظيت بدعم شعبي واسع.
*بطء تصحيح المعلومات
في بعض الحالات، قد تستغرق التصحيحات وقتًا طويلًا حتى تصبح مرئية، مما يحدّ من فعاليتها. وتشير الدراسات إلى أن الملاحظات المدعومة بمصادر موثوقة تظهر بسرعة أكبر، لكن العديد من الملاحظات التي تستشهد بمدققي الحقائق لا يتم تفعيلها بسبب قلة التفاعل أو التحيز المجتمعي.
*ضعف الحماية ضد الضغوط الخارجية
يقلل بعض قادة التكنولوجيا من مصداقية وسائل الإعلام التقليدية، مما يؤثر سلبًا على ثقة المستخدمين بالمصادر الإخبارية المعروفة. على سبيل المثال، وصف ماسك وكالة رويترز بأنها “أكثر مؤسسة إخبارية مضللة”، مما يعكس اتجاهًا متزايدًا نحو تقويض الصحافة المهنية.
هل يمكن أن تنجح ملاحظات المجتمع على فيسبوك وإنستغرام؟
مع إعلان ميتا عن توسيع تجربة ملاحظات المجتمع إلى منصاتها الرئيسية—فيسبوك، إنستغرام، وثريدز— تثار تساؤلات حول مدى نجاح هذه المبادرة في بيئة مختلفة عن إكس. التحديات هنا متعددة، تبدأ بحجم المستخدمين الهائل، حيث تضم تطبيقات ميتا نحو 3.3 مليار مستخدم شهريًا، مما يجعل إدارة التعليقات والتحقق من صحتها أكثر تعقيدًا.
إضافةً إلى ذلك، يختلف سياق النشر على منصات ميتا عن إكس، إذ إن الكثير من المحتوى يُنشر في مجموعات مغلقة أو عبر الرسائل المباشرة، مما يحد من قدرة النظام على رصد التضليل بشكل فعال. هذا يجعل تطبيق ملاحظات المجتمع أكثر صعوبة مقارنةً ببيئة مفتوحة مثل إكس.
أخيرًا، يظل عامل الشفافية نقطة خلافية. على عكس إكس، لم تعلن ميتا بعد عن أي التزام بنشر بيانات علنية حول أداء ملاحظات المجتمع، مما يجعل من الصعب قياس مدى فعاليتها أو معرفة ما إذا كانت تحقق الهدف المرجو منها.
إلى جانب التعهيد الجماعي، تلعب الحوافز المالية دورًا أساسيًا في استمرار مشكلة المعلومات المضللة، حيث تعتمد شركات مثل إكس وميتا ويوتيوب، على المحتوى المثير للجدل لزيادة التفاعل وتحقيق المزيد من الإيرادات الإعلانية. وتزيد منصات مثل إكس الأمر تعقيدًا من خلال تقديم مكافآت مالية لأصحاب المحتوى الرائج، مما يجعل نشر المعلومات المضللة استراتيجية مربحة للبعض. ومع تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح إنشاء مقاطع فيديو وصور مزيفة أسهل من أي وقت مضى، ما يجعل كشف زيفها تحديًا متزايدًا.
هل ملاحظات المجتمع هي الحل؟
بينما أظهرت ملاحظات المجتمع بعض الفعالية في تصحيح المعلومات، فإنها ليست بديلاً كافيًا لأنظمة التحقق الاحترافية. تحتاج منصات التواصل الاجتماعي إلى:
* إزالة الحوافز المالية لنشر المعلومات المضللة، مثل إيقاف مكافآت المحتوى الفيروسي غير الموثوق.
* دعم الصحافة المهنية بدلًا من تقويضها، لأن مصادر الأخبار التقليدية لا تزال توفر الأساس لمعظم عمليات التحقق.
*زيادة الشفافية في كيفية عمل الخوارزميات التي تقرر أي الملاحظات يتم قبولها أو رفضها.
اقرأ/ي أيضًا
مخاطر المعلومات المضللة عن التغذية في وسائل التواصل الاجتماعي
هل اخترق طالب مصري منصة إكس؟