مع إشراقة شمس يوم العيد، يجتمع المسلمون حول العالم، متزينون بملابس العيد الجديدة حاملون أطفالهم لمشاركتهم فرحة صلاة العيد، يتوافدون على المساجد الكبرى التي تتحول إلى ساحات احتفالية تجمع بين الروحانية والتقاليد العريقة.
وكذلك الحال في أوروبا ، حيث يجتمع أبناء الجاليات المسلمة، وبين أروقة مسجد باريس الكبير، وساحة مسجد كولونيا الحديث، وأجواء مسجد الشهداء في سراييفو، يعيش المصلون لحظات إيمانية فريدة تمتزج فيها مشاعر الفرح والتآخي.
و في هذا التقرير، نستعرض أبرز المساجد الأوروبية التي تستقبل المصلين في هذه المناسبة المباركة، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر في أجواء من البهجة والتآلف.
1- مسجد باريس.. تحفة معمارية من الفن الأندلسى المغربى
مسجد باريس الكبير
في قلب الحي اللاتيني الصاخب بالنشاط الطلابي، يمكن رؤية مئذنة مسجد باريس الكبير الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب مسلمي فرنسا فهو أول وأقدم مسجد في باريس، حيث بدأت أعمال بنائه بعد الحرب العالمية الأولى، في امتنان وتكريم للجنود المسلمين الذين ماتوا من أجل فرنسا.
ويتميز طراز المسجد المعماري بالتنوع تماما مثل الجالية المسلمة في فرنسا؛ فمئذنته، التي يصل ارتفاعها إلى 33 مترًا، تكاد تكون نسخة طبق الأصل من مئذنة مسجد الزيتونة في تونس.
أما زخرفة المبنى، فقد تم تصميمها وتنفيذها على يد حرفيين مغاربة استوحوا كل تفصيل فيها من مسجد القرويين الواقع في فاس بالمغرب، خاصة في الفسيفساء التي تغطى جدران المسجد، فضلا عن القبة الكبيرة المنحوتة يدويا والثريا الفخمة والسجاد الأحمر والأحرف الكوفية المستنسخة من القرآن الكريم.
وتتشابه باقي أركان هذا الصرح الديني مع الآثار الأندلسية العريقة التي يتميز بها قصر الحمراء في غرناطة، خاصة فيما يتعلق بالأعمدة المنحوتة والبلاط الزمردي الجميل.
وبالإضافة إلى الهندسة المعمارية، التي تعبر عن مهارة الأجداد وتجمع بين الطابع التقليدي والمعاصر للفن الإسلامي، يحتوي المسجد على ساحة فناء مظللة ساحرة ومزينة بالأشجار، تبلغ مساحتها 3500 متر مربع، تتوسطها نوافير المياه.
وقد تم إدراج المسجد والمركز الإسلامي في قائمة الجرد التكميلية للآثار التاريخية بموجب المرسوم الصادر في التاسع من ديسمبر 1983، وتم حفظ الصرح تحت عنوان “تراث القرن العشرين”.
ومنذ افتتاحه عام 1926، وتحت إشراف قدور بن غبريت، أصبح الجامع الكبير في باريس منارة مهمة تعكس الحياة الدينية للمسلمين في البلاد.
وخلال الاحتلال الألماني للعاصمة الفرنسية بين عامي 1940 و1944، تحول الجامع الكبير إلى منفذ تحت الأرض لإيواء مقاتلي المقاومة من شمال أفريقيا الذين تمكنوا من الفرار من معسكرات الاعتقال الألمانية.
واليوم، لا يزال مسجد باريس الكبير يحافظ على مكانته الدينية بوصفه صرحا تاريخيا يرتفع بفكره الإسلامي وانفتاحه على الأديان الأخرى داخل المجتمع الفرنسي رغم كل الظروف والتحديات.
2- مسجد كولونيا في ألمانيا تتاح فيه الترجمة الفورية لخطبة العيد بكل اللغات
كولونيا
يعتبر مسجد كولونيا المركزي من أحدث وأكبر المساجد في ألمانيا، حيث افتتح عام 2017 في مدينة كولونيا الشهيرة، و يتميز بتصميمه المعماري الحديث الذي يجمع بين المعمار الإسلامي والمعاصر.
وفي صباح العيد، يتوافد عشرات من المسلمين من مختلف الجنسيات إلى مسجد الصلاة، حيث تتاح الترجمة الفورية لخطب العيد بلغات متعددة، مما يعكس التنوع الثقافي للجالية المسلمة في ألمانيا.
وقبل حوالي 50 عامًا، وتحديدًا عام 1965، لم يجد المُسلمين في مدينة كولونيا مسجدًا ليقيموا فيه شعائر صلاة العيد، فما كان من إدارة كاتدرائية كولونيا الشهيرة إلا بأن استقبلتهم ليقيموا صلاتهم فيها، جُن جنون البعض ممن راح يعجب من كنيسة سُيّرت منها الحملة الصليبية الثانية قبل ألف عام ثم ها هي تستقبل المسلمين للصلاة برحابة صدر
ومع الوقت، لم يعد المسلمون هناك مجرد عمال أجانب، وبدأو يجتهدون في الحفاظ على هويتهم والتأسيس لبناء مسجدٍ جامعٍ يليق بحضورهم في كولونيا، ورغم كثرتهم لم ينجحوا في بناء مسجد جامع لهم منذ تسعينيات القرن الماضي، بل إن الفكرة لم تتحول إلى حقيقة ملموسة إلا عام 2008 حين بدأ البناء الذي لم يكتمل إلا في شهر رمضان 2017 وذلك بعد عناء طويل.
3- مسجد الشهداء في سراييفو.. ذكرى التاريخ وروحانية العيد

مسجد الشهداء
في قلب العاصمة البوسنية سراييفو، يقف مسجد الشهداء شاهدًا على تاريخ المدينة العريق، حيث يُعد واحدًا من أهم المساجد في البوسنة والهرسك، و يتميز المسجد بتصميمه العثماني الجميل، ويعتبر رمزًا للصمود بعد أن تعرض لأضرار خلال الحرب البوسنية وأُعيد ترميمه ليعود إلى رونقه.
وفي يوم العيد، يستقبل المسجد أعدادًا كبيرة من المصلين الذين يحرصون على أداء الصلاة وسط أجواء روحانية فريدة، ويحرص البوسنيون على ارتداء الملابس التقليدية وتبادل التهاني بعد الصلاة، كما يقصد الكثير منهم المقابر المجاورة للدعاء لذويهم، في عادة متوارثة تعكس ارتباط العيد بالذكرى والوفاء.