اكتشف العلماء أن الجهاز الهضمي، بما فيه المعدة، يحتوي على ما يسمونه “الدماغ الثاني”؛ وهو نظامٌ يشبه في تعقيده مخ الإنسان، ويؤثر في مشاعره وقراراته. ووفقًا للدكتور مايكل غيرشون، مؤلف كتاب The Second Brain (الدماغ الثاني) المنشور سنة 1999؛ فإن الدماغ الثاني، المعروف علميًا باسم الجهاز العصبي المعوي، يتألف من شبكةٍ ضخمة من الخلايا العصبية المتخصصة والمدمجة في جدران الأمعاء والقناة الهضمية، والتي يبلغ طولها حوالي 100 مليون خلية عصبية. أي أن عددها أكثر من عدد الخلايا العصبية الموجودة في النخاع الشوكي.
ويشير موقع Scientific American إلى أن تعمَق فهم العلماء لهذه الكتلة من الأنسجة العصبية، المليئة بالناقلات العصبية المهمة، جعلهم يكتشفون أن مهمتها تتعدى مجرد الهضم أو الشعور بألم الانقباضات العرضية. إذ يؤثر الدماغ الثاني – الموجود في قناة الإنسان الهضمية – على حالتنا العقلية والشعورية التي يُحددها المخ؛ وهناك تشابهٌ كبير بين مخ الإنسان والدماغ الثاني الموجود في القناة الهضمية، أهمه أن الجهاز العصبي المعوي يستخدم 30 ناقلاً عصبياً، تماماً كالدماغ.
مؤخرًا؛ اكتسب مصطلح “صحة الأمعاء” اهتمامًا كبيرًا، وغالبًا ما يظهر في المناقشات حول الصحة والتغذية. وعلى الرغم من استخدامه على نطاقٍ واسع، إلا أن مفهوم صحة الأمعاء يشمل أكثر من مجرد وظيفة الجهاز الهضمي؛ فهو ينطوي على صحة ميكروبيوم الأمعاء، وكفاءة الجهاز الهضمي، والجهاز المناعي.
تشير صحة الأمعاء إلى الأداء الأمثل للجهاز الهضمي (GI)، بما في ذلك الهضم وامتصاص العناصر الغذائية، وتوازن البكتيريا النافهة، والاستجابة المناعية الفعالة. ويلعب ميكروبيوم الأمعاء – وهو مجتمعٌ معقد من البكتيريا والفيروسات والفطريات والكائنات الحية الدقيقة الأخرى – دورًا مهمًا في الحفاظ على هذا التوازن. كما تدعم الأمعاء الصحية عملية الهضم الفعالة، وتحمي من مُسبَبات الأمراض الضارة، وتساعد على تنظيم وظائف المناعة.
لتعزيز صحة الأمعاء وميكربيوم الأمعاء، ينصح خبراء الصحة والتغذية بالتركيز على الأطعمة المخمرة Fermented Foods.
لماذا؟ بحسب موقع Healthline؛ فإن التخمير يُحسّن حفظ الطعام، وأن تناول الأطعمة المخمرة يُعزز أيضًا عدد البكتيريا النافعة، أو البروبيوتيك، في الأمعاء. وهذا هو بيت القصيد.
إذن؛ التخمير عمليةٌ تقوم فيها البكتيريا والخميرة بتكسير السكريات. وقد تُقدم البروبيوتيك الموجودة في الأطعمة المخمرة فوائد صحية عديدة، بما في ذلك تحسين الهضم، وتعزيز المناعة، وفقدان الوزن فضلًا عن تعديل الحالة المزاجية وزيادة الشعور بالسعادة.
إليك 8 أطعمة ومشروبات مُخمرة أثبتت فعاليتها في تحسين الصحة والهضم، وفقًا لما أورده موقع Healthline المختص بالأمور الطبية والصحية.
للتمتع بصحة أفضل وسعادة أكثر.. تناولي الأطعمة المخمرة

من الجدير التذكير دومًا، بوجوب مراجعة طبيبكِ الخاص وعمل الفحوصات الطبية اللازمة لتقييم حالتكِ الصحية، قبيل اعتماد هذه الأطعمة ضمن نظامكِ الغذائي اليومي.
إنما وبصورة عامة؛ فإن الأطعمة والمشروبات المخمرة التالية لها تأثيراتٌ إيجابية كبيرة على تحسين صحتكِ ومزاجكِ. وهي كما يلي:
1. الكفير Kefir: أحد أنواع منتجات الألبان المُخمّرة؛ يُعدَ الكفير مُغذيًا، وغنيًا بالبروبيوتيك، وسهل الهضم. يُصنع بإضافة حبوب الكفير – وهي مزيجٌ من الخميرة والبكتيريا – إلى الحليب؛ لينتج عن ذلك مشروبٌ كثيف وحامض يُشبه الزبادي في مذاقه.
تشير الدراسات إلى أن الكفير يُوفر فوائد صحية عديدة؛ إذ يُعتقد أنه يُساعد على تعزيز صحة الجهاز الهضمي وتقليل الالتهابات. فيما تشير بعض الأبحاث إلى أن الكفير يُحسّن وظيفة المناعة، من خلال تحفيز الجسم على إنتاج مواد مضادة للالتهابات. كذلك أظهرت الحيوانات التي تغذت على الكفير، نجاحًا أكبر في كبح الالتهابات المعوية.
يحتوي الكفير على نسبة لاكتوز أقل من الحليب. وعند خلط حبوب الكفير مع الحليب، تساعد البكتيريا الموجودة في الحبوب على تخمير اللاكتوز الموجود في الحليب وتكسيره. إلا أنه ولاحتوائه على بعض اللاكتوز، قد لا يكون مناسبًا لجميع الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز. لذا من الأفضل استشارة الطبيب قبل تناوله.
2. التمبيه Tempeh: يُصنع التمبيه من فول الصويا المُخمّر الذي يُضغط ليصبح كعكةً مُتماسكة. ويتميز هذا البديل الغني بالبروتين بقوامه المتماسك والمطاطي، ويمكن خبزه أو طهيه على البخار أو قليه، قبل إضافته إلى الأطباق.

بالإضافة إلى محتواه الغني بالبروبيوتيك، يُعد التمبيه غنيًا بالعديد من العناصر الغذائية التي قد تُحسّن صحتك. على سبيل المثال، ثبت أن بروتين الصويا يُساعد في تقليل بعض عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب. وأشارت مراجعة بحثية لأكثر من 40 دراسة سابقة، إلى أن تناول 25 جرامًا من بروتين الصويا يوميًا لمدة 6 أسابيع، أدى إلى انخفاضٍ بنسبة 3.2% في كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (الضار)، وانخفاضٍ بنسبة 2.8٪ في الكوليسترول الكلي.
يُعدَ التمبيه خيارًا رائعًا للنباتيين ومن يتناولون اللحوم على حد سواء، وقد يكون مثاليًا للسندويشات ووصفات القلي السريع.
3. ناتو Natto: يُعد ناتو غذاءً أساسياً غنياً بالبروبيوتيك في المطبخ الياباني التقليدي؛ ومثل التمبيه، يُصنع من فول الصويا المُخمّر، وهو ذو نكهةٍ قوية وقوامٍ لزج.
يحتوي ناتو على كمية جيدة من الألياف، التي تدعم صحة الجهاز الهضمي، من خلال مرورها عبر الجسم دون هضم، مما يُضيف حجماً للبراز. وهو ما يُساعد على انتظام حركة الأمعاء وتخفيف الإمساك. يحتوي ناتو أيضاً على نسبة عالية من فيتامين ك، وهو عنصر غذائي مهم يُساهم في استقلاب الكالسيوم وصحة العظام.
تشير بعض الأبحاث إلى أن تناول ناتو يرتبط بتقليل فقدان العظام لدى النساء تحديدًا، بعد انقطاع الطمث وغالباً ما يُقدم ناتو مع الأرز كجزءٍ من وجبة إفطار مُعززة للهضم.
4. الكومبوتشا: هو شاي مُخمّر، فوّار، لاذع، ولذيذ؛ يُصنع من الشاي الأخضر أو الأسود، ويُضفي خصائصَ مُعزّزة للصحة. تشير بعض الأبحاث إلى أن شرب الكومبوتشا قد يُساعد في حماية الكبد من التلف الناتج عن التعرّض للمواد الكيميائية الضارة. فيما تتحدث أبحاثٌ أخرى عن أن الكومبوتشا قد يُساعد في تحفيز موت الخلايا السرطانية ومنع انتشارها. إلا أنه ثمة حاجة إلى مزيد من الأبحاث على البشر لتأكيد فوائده الصحية.
العديد من مشروبات الكومبوتشا غنية بالسكر المُضاف، وقد يحتوي بعضها الآخر على بدائل للسكر مثل كحول السكر، والتي قد يُفضّل البعض تجنّبها.
5. ميسو: أو ميزو Miso، هي توابل شائعة في المطبخ الياباني؛ تُحضّر عن طريق تخمير فول الصويا مع الملح وفطر الكوجي، وهو نوع من الفطريات. يُستخدم الميسو بكثرة في حساء الميسو، وهو طبقٌ شهيّ مصنوع من معجون الميسو ومرق اللحم، وغالبًا ما يُقدّم على الإفطار.
أظهرت العديد من الدراسات فوائد صحية مرتبطة بالميسو، بما في ذلك بحثٌ أُجري عام 2020، والذي يُشير إلى أن الميسو قد يُساعد على خفض ضغط الدم وتحسين معدل ضربات القلب. لكن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النتائج المحدودة السابقة.

6. الكيمتشي: طبق جانبي كوري شهير، يُحضّر عادةً من الملفوف المُخمّر أو غيره من الخضراوات المُخمّرة، مثل الفجل. وتُظهر الأبحاث أن الكيمتشي له فوائد صحية عديدة، بما في ذلك خفض مستوى الكوليسترول، تقليل مقاومة الأنسولين، والمساعدة في تحسين صحة الأمعاء وأعراض متلازمة القولون العصبي.
الكيمتشي سهل التحضير، ويمكن إضافته إلى كل شيء، من أطباق النودلز إلى الشطائر. هذا الطبق الكوري الكلاسيكي غني بالبروتين والألياف، وقليل السكر والدهون المشبعة. وعلى الرغم من أنه يُقدم تقليديًا مع الأرز الأبيض، إلا أن هذه الوصفة غنية بالبروتين ومنخفضة بالكربوهيدرات.
7. مخلل الملفوف: من الأطعمة المخمرة التي تُحسَن الهضم والصحة، وهو عبارة عن ملفوف مبشور يتمَ تخميره بواسطة بكتيريا حمض اللاكتيك. يُعدَ مخلل الملفوف منخفض السعرات الحرارية، ولكنه غني بالألياف وفيتاميني ج و ك.
ومثل غيره من الأطعمة المصنوعة من الخضراوات الورقية الخضراء، يحتوي على كميات جيدة من اللوتين والزياكسانثين، وهما مضادان للأكسدة مفيدان للعينين ويقللان من خطر الإصابة بأمراض العيون. قد يدعم مخلل الملفوف أيضًا صحة الجهاز الهضمي؛ ويمكنكِ استخدام في أطباقٍ لا حصر لها، بما في ذلك اليخنات والشوربات والسندويشات؛ للحصول على أقصى فوائد صحية، يُنصح باختيار مخلل الملفوف غير المبستر؛ فالبسترة تقضي على البكتيريا النافعة.
8. الزبادي بروبيوتيك: يُصنع الزبادي من حليب مُخمّر، وغالبًا ما يكون مُخمّرًا ببكتيريا حمض اللاكتيك. يحتوي الزبادي على العديد من العناصر الغذائية المهمة، بما في ذلك الكالسيوم والبوتاسيوم والفوسفور والريبوفلافين وفيتامين ب12.
يُعزى الزبادي أيضًا إلى فوائد صحية متنوعة، منها تحسين صحة الجهاز الهضمي وتخفيف أعراض الجهاز الهضمي؛ المساعدة في خفض ضغط الدم، خاصةً لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم؛ تحسين كثافة العظام؛ تعزيز الوظائف الجسدية لدى كبار السن؛ انخفاض وزن الجسم، ونتائج الحمل وصحة الأم.
لا تحتوي جميع أنواع الزبادي على البروبيوتيك، لأن هذه البكتيريا المفيدة غالبًا ما تُقتل أثناء المعالجة. لذا ابحثي عن الزبادي الذي يحتوي على بكتيريا حية، لضمان حصولكِ على جرعتكِ من البروبيوتيك. كما يمكنكِ أيضًا اختيار منتجاتٍ تحتوي على نسبة أقل من السكر.
خلاصة القول؛ قد يساعد التخمير على زيادة مدة صلاحية العديد من الأطعمة وفوائدها الصحية. وقد ارتبطت البروبيوتيك الموجودة في الأطعمة المُخمرة بتحسين الهضم والمناعة وفقدان الوزن، وغيرها. إذا قمتِ بدمجها ضمن عاداتك الغذائية اليومية، فقد تساعدكِ الأطعمة المخمرة أيضًا على تحسين صحتكِ العامة ورفاهكِ طوال حياتك.