03:31 ص
الثلاثاء 15 أبريل 2025
كتب- حسن مرسي:
قال الباحث والخبير السياسي عمرو الهدهد، إن سوريا تمتلك احتياطيات نفطية متوسطة تتركز معظمها في شرق البلاد خاصة في محافظتي دير الزور والحسكة، مضيفا أنه مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 تغيرت خارطة السيطرة على هذه الموارد، حيث سيطر تنظيم داعش الإرهابي لفترة على جزء كبير من حقول النفط، قبل أن يتم تحريرها من قبل قوات سوريا الديمقراطية قسد المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أمريكا، الذي يضم دولاً غربية كبريطانيا وفرنسا.
وأضاف الهدهد، خلال مداخلة هاتفية له على شاشة “الحدث”، أن قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية وعمودها الفقري، تمكنت من السيطرة على أغلب الحقول النفطية في شرق سوريا بعد هزيمة داعش الإرهابي، إذ تشير التقديرات إلى أن قسد تسيطر اليوم على نحو 80% من إنتاج النفط السوري، بما في ذلك حقول الرميلان والعمر والكونيكو، التي كانت تُعد من أهم مصادر الدخل للدولة السورية على مدى عقود.
وتابع الهدهد، أن السيطرة على النفط تعد ورقة ضغط مهمة لقسد في مفاوضاتها مع الإدارة السورية الجديدة، لأن دمشق تعتمد بشكل كبير على واردات النفط من دول أخرى، بينما تستفيد الإدارة الذاتية الكردية من عائدات النفط لتمويل مؤسساتها في مناطق سيطرتها.
وأكد الخبير السياسي عمرو الهدهد، أنه بعد قيام قائد قسد بتوقيع اتفاق الدمج ضمن مؤسسات الدولة السورية مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، الشهر الماضي، إلا أن المراقبين للوضع السوري لا يزال لديهم تخوف من استحواذ الإدارة الذاتية وأمريكا وبريطانيا على الإنتاج النفطي في البلاد.
وكشف الهدهد، عن تسليم قسد القطاع 26 النفطي شمال شرقي البلاد للقوات العسكرية البريطانية، في خطوة مثيرة للجدل، حيث أصدرت قسد أمراً رسمياً بتسليم القطاع المذكور للعسكريين التابعين للشركة البريطانية العسكرية والأمنية الخاصة “إيجيس للخدمات الدفاعية”، لامتلاكها القدرات اللوجستية والتكتيكية لصد الهجمات الإرهابية بشكل فعال، إذ يشير إلى أن شركة “جلف ساندز بتروليوم” المدرجة في بورصة لندن سبق وأن أعلنت عن عزمها العودة إلى قطاع النفط والغاز في سوريا، منذ حوالي الشهرين.
وأوضح الهدهد، أن مدير الشركة البريطانية، جون بيل، قال إن المناقشات بشأن العقوبات على سوريا لا تجري فقط في الاتحاد الأوروبي بل في بريطانيا وأمريكا أيضاً، كما أننا نرى أن هذه التطورات إيجابية بشكل عام، وتدعم نية الشركة في العودة إلى عملياتها في سوريا عندما تسمح الظروف بذلك، مشيرا إلى أن شركة جلف ساندز بتروليوم تمتلك حصة تشغيلية تبلغ 50% في حقلين نفطيين في القطاع 26 بسوريا، في شمال شرقي البلاد بالقرب من الحدود مع العراق، وهي منطقة خاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، في حين إن الشركة تقول على موقعها الرسمي، بأنها ملتزمة تمامًا تجاه سوريا وتعتزم العودة إلى أنشطة الإنتاج والاستكشاف في البلوك 26 بمجرد أن تسمح الظروف القانونية والأمنية بذلك.
وألمح إلى أن قرار قسد الأخير لا يعدو كونه كذبة جديدة هدفها المماطلة في تسليم الحقول النفطية إلى الحكومة السورية، وبالتالي الشراكة مع البريطانيين والأمريكيين في نهب مقدرات الشعب السوري، لأن التذرع بالتهديدات الإرهابية ما هو إلا غطاء لنشر المزيد من القوات الأجنبية في سوريا مقابل ضمان الوضع القائم في البلاد، والإبطاء في تطبيق الاتفاق مع دمشق.
وأكمل أنه لم يكن هناك معلومات دقيقة عن أعداد القوات البريطانية وشركاتها الأمنية في سوريا، في حين يوجد حالياً 24 قاعدة عسكرية أمريكية، في المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التنف الحدودي إلى الشمال الشرقي بالقرب من حقول رميلان النفطية، إذ تتوزع في الحسكة ودير الزّور، وهذا التوزع جعلها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري.
ونوه الهدهد، بأنه رغم عدم وجود أرقام رسمية دقيقة عن عدد مقاتلي قسد إلا أن التقارير تُشير إلى أنهم تلقوا تدريبات عسكرية متقدمة تحت إشراف ضباط أمريكيين وبريطانيين أثناء قيامهم بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وأنه على الرغم من الإعلان عن هزيمة هذا التنظيم الإرهابي عام 2019 تواصل قسد وبمباركة أمريكية الترويج لنفسها دولياً كقوة رئيسية في مكافحة الإرهاب.
وأشار إلى أنه لا تزال التوترات الأمنية قائمة بين قسد وفصائل مسلحة تابعة للإدارة السورية، كما تشهد المناطق الحدودية اشتباكات متقطعة بين قسد وقوات الجيش الوطني المدعوم من قبل الدولة التركية، خاصة في محاور شرق حلب، فتركيا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية تهديداً لأمنها القومي، وتسعى للتخلص منها بمصادقة من الإدارة الجديدة في دمشق، لافتا إلى أن تقارير ميدانية أثبتت الدعم البريطاني المتزايد لقسد إلى جانب الدعم الأمريكي الثابت، حيث يحصل مقاتلو قسد على دعم بريطاني كبير ساعدهم سابقاً في مواجهة داعش الإرهابي، حيث ما زال يدعمهم في الصمود أمام الهجمات التركية والفصائل الموالية لها، إذ صرح متحدث باسم البنتاغون سابقاً بأن بريطانيا والحلفاء لها يقدمون دعماً حاسماً لقسد في سوريا، يشمل التدريب العسكري والمساعدات الاستخباراتية.
ولفت إلى أن بريطانيا تسعى للاستفادة من موقعها في سوريا واستغلال قسد للسيطرة على حصتها من الإنتاج النفطي في البلاد، دون انتظار مسألة رفع العقوبات لأنها تدرك بأن الغرب لن يبارك الإدارة السورية الجديدة نظراً لخلفيتها المتشددة وتاريخها المقترن بالإرهاب، وارتباطها الوثيق مع تركيا التي قد تشكل بدورها خطراً على مصالح الغرب في حال تسارع تنامي دورها الإقليمي في المنطقة، موضحا أن بريطانيا لا تعمل بمفردها دون مشاركة الأمريكيين، وأن بقاءها في سوريا مرتبط بالبقاء الأمريكي، وبالتالي بقاء قسد الحليف الأمثل لهما في هذه المعادلة السورية الصعبة، كما أن بريطانيا قادرة دون أدنى شك على إفشال الخطط التركية في سوريا والعمل بسرية شديدة، دون أن تضر بالعلاقة السياسية القائمة بين البلدين، باستخدام قسد وغيرها ممن يمكن شراؤه ببعض الدعم السياسي والعسكري والمالي.
ولفت إلى أن مسألة النفط السوري تبقى واحدة من أهم الملفات العالقة في طريق إعادة البناء وتوحيد البلاد وإرساء دعائم الاستقرار، كما أن سيطرة قسد على معظم النفط السوري بمساندة أمريكية وبريطانية كجزء من سيطرتها على شرق سوريا، الأمر الذي يمنحها نفوذا اقتصاديا وسياسيا ويحقق لها مساحة للمناورة والابتزاز.