لا يوجد فنان عربى حقق التأثير والانتشار الذى حققه صلاح جاهين على المستوى الشعبى، وما زال يحققه حتى الآن بعد فترة طويلة من وفاته، وربما يستمر فى تحقيقه لأجيال قادمة، فهو ليس فناناً أو أديباً فحسب ولكنه يمثل ظاهرة فنية. ومع هذا كله لم يأخذ «جاهين» حظه من التوثيق العلمى الدقيق كما حدث مع فنانين آخرين، من جمع مفردات أعماله وتأريخها إلى عمل متحف كامل لمفردات حياته والأدوات التى كان يستخدمها، كما يوثق الأوروبيون تاريخ فنانيهم.
تحدث الدكتور حسن الفداوى، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، عن العناصر المهمة فى تكوين جاهين التشكيلى، قائلاً: «يجب فى البداية أن نوضح أن هناك الفنان وهناك المؤثرات الخارجية والعضوية والنفسية، والمنتج الفنى الذى يأتى ليتوج رحلة الفنان»، مضيفاً: «من الناحية التشكيلية رسم جاهين الكاريكاتير والرسوم المرافقة للمقالات الصحفية والإخراج الفنى للمجلات وغيرها، وحقق نجاحاً بل وعلامات فارقة فى تاريخه الإبداعى، بينها ريادته للكاريكاتير السياسى الاجتماعى، فقد ولدت على يديه مدرسة الكاريكاتير السياسى الاجتماعى المصرى والعربى الحديث، ولا يزال الكاريكاتير السياسى ابناً لصلاح جاهين، وبخاصة فى الظروف التاريخية المليئة بالشحن القومى والمد الوطنى».
يرى «الفداوى» أن وطنيته الشديدة وعشقه للطبقة الكادحة ورغبته فى الدفاع والتعبير عنها سر نجاحه فى أكثر من فرع من فروع الفن والأدب فى العموم، وفى رسم الكاريكاتير بالخصوص، لافتاً إلى أن «جاهين» ضحى بالفنان التشكيلى لصالح رسام الكاريكاتير: «صلاح جاهين رسم أول لوحاته التشكيلية فى سن صغيرة، لكنه لم يستمر فى التصوير لصالح رسم الكاريكاتير الذى يشاهده الجمهور فى الصحف التى عمل بها، يومية وأسبوعية، بخلاف الفن التشكيلى الذى يتطلب زيارة المعارض فى قاعات الفنون أو اقتناء اللوحات».
وأكد أن مواهبه الفنية ظهرت مبكراً، وتبلورت شخصيته الفنية بعد عودته إلى أسيوط وهو يقترب من الرابعة عشرة مع أسرته فى بداية مرحلة البلوغ، فقد حرص على أن يشارك فى أنشطة مدرسية عدة، فانضم إلى جماعة الرسم وجماعة الخطابة وجماعة الصحافة المدرسية، إضافة إلى جماعة الموسيقى وفرقة التمثيل، وتميز فى هذه المرحلة بسرعة التحول من فن إلى فن، وكانت لديه رغبة ملحة للتعلم والتجريب، مع الحرص على أن يرسم كل ما تقع عليه عيناه، فاستعان والده بمدرس التربية الفنية ليلقن الصغير دروساً فى الرسم.
استطاع «جاهين»، بحسب «الفداوى»، أن يبهر مدرسه برسوم يضع أفكارها من خياله، وتمكن من الفوز بجوائز فى هذه المرحلة. وعن سمات رسومات الكاريكاتير قال: «كل كاريكاتير عنده هو مشهد سينمائى وأبطاله تم اختيارهم بعناية، وفى الأغلب لا يكررهم باستثناء الرسوم المتكررة، مثل قيس ولبنى ونادى العراة.
كما توجد فى رسومه عنصر الحركة والزمن»، لافتاً إلى أن فلسفة جاهين اختصرها هو فى كلماته: «أكبر قدر من المصرية والبراءة والبساطة»، موضحاً أن مصر تأتى فى مقدمة ثالوث جاهين، وتتمثل فى البيئة والشعب، أما عامل البراءة فيأخذ الاعتبارات الإنسانية بعيداً عن الابتذال، وعامل البساطة يعبر عن رغبته فى أن يقدم العمل بأكبر قدر من البساطة الممكنة، كما كان كاريكاتير جاهين يعتمد على التلخيص، سواء فى رسم الشخصيات وإعداد الإطار المكانى والحركة الموحية.
وقال إبراهيم عبلة، مدير متحف ومركز الكاريكاتير بالفيوم، إنه يوجد لدينا فى المتحف نحو 40 عملاً أصلياً من رسوم كاريكاتير صلاح جاهين، بينها أعمال مهداة من أسرته، وهى أعمال نشر أغلبها فى الأهرام يومياً، مشيراً إلى التكنيك الذى استخدمه «جاهين»، ومن بينها الرسم على ورق رسومات المهندسين، والرسم بطريقة أقرب إلى الكولاج، مؤكداً أن اللوحات الموجودة فى المتحف عليها ملاحظات كتبها «جاهين» بخط يده، سواء فيما يخص المقاسات أو موعد النشر فى الأهرام.
وتابع «عبلة»: لأنه شاعر كبير وسيناريست، فقد كان يكتب التعليق بنفسه ولم يكن بحاجة إلى من يكتب التعليق على رسوماته وذلك لتميزه، كما تميزت أعماله بخفة ظل عالية وبساطة وجاذبية، إلى جانب الزخم والاستمرارية، فقد استمر ينشر عمل كاريكاتير للأهرام نحو 30 سنة يومياً.