«رسائل إلى كالدر»… معرض مصري يحتفي برائد الفن التفاعلي في أميركا
الفنان ليس المبدع الوحيد. من هنا ينطلق مفهوم «الفن التشاركي» الذي يضع المشاهد في قلب العمل، وهو ما يتحقق في بعض الأعمال الفنية التجريبية الجريئة، منها لوحات التشكيلي المصري هشام عبد المعطي التي ضمها أحدث معارضه «رسائل إلى كالدر» بـ«غاليري بيكاسو» بالقاهرة.
يُعد المعرض بمثابة تحية وتقدير من عبد المعطي إلى النحات الأمريكي ألكسندر كالدر، الذي نال شهرةً عالميةً ومكانةً كبيرةً خلال القرن العشرين؛ بسبب منحوتاته التجريدية المتحركة بفعل تيارات الهواء أو التفاعل البشري.
لكن عند تأمل أعمال التشكيلي المصري هشام عبد المعطي تكتشف أن تأثره، وإعجابه بكالدر، لا يتوقفان عند «تحرك» المنحوتات، أو الطبيعة غير النمطية لخامات اللوحات، إنما في الأساس هو الفكر الكامن وراء فنه.
إذ تنبع رحلة كالدر كفنان معاصر من فكرة إبداع الفن وسيلةً لدعوة الجمهور لاستكشاف الإمكانات المتعددة المحيطة به، كما تسعى الأعمال الفنية التي أبدعها إلى الشمولية من حيث التفاعل مع الجمهور بدلاً من الحصرية التي تنضح بها الفنون النخبوية.
فقد كان كالدر من أوائل الفنانين الذين أشركوا الجمهور بنشاط في أعماله؛ وهذا ما يجعلها لا تزال حية، وقادرة على إثارة البهجة والدهشة معاً لدى المشاهد.
وهذه هي أيضاً الأرضية المشتركة التي تجمع بين فن كالدر وأعمال عبد المعطي؛ إذ تشعر عند مشاهدتها أنها تهدف إلى تمكين المتلقي من التفاعل معها بطريقة مماثلة، في محاولة لتغيير منظورها المدروس حول الطبيعة والحياة.

ومن الواضح أنه عند إعداد المعرض، كان هناك حرص على أن تتكشف القطع الفنية البالغ عددها نحو 30 عملاً بحرّية في مساحة العرض؛ حتى تتمكن من الدخول في حوار فعال مع المساحة المحيطة والزوار، يقول عبد المعطي لـ«الشرق الأوسط»: «الفن التفاعلي يجعل المتلقي جزءاً من العمل الفني نفسه، يضيف إليه، يحركه، يتواصل معه».
من هنا يشارك التشكيلي المصري الجمهور في تفعيل المعنى داخل الفن التشاركي، ويعتبر كيفية تعامل هذا الفن مع الجمهور عنصراً أساسياً في أطروحاته، سواء من خلال رسوماته أو «لوحاته النحتية» أو تماثيله بالقاعة.

وبالرغم من أن عنوان المعرض يحمل تحية خاصة و«حصرية» لكالدر، فإن التشكيلي المصري وجّه في كلمته المصاحبة للمعرض، والمكتوبة على جدران الغاليري، تحية إلى 18 فناناً ومفكراً عالمياً منهم هنري مور، وفاسيلي كاندنسكي، وجاك ليبشتيز، ولين شادويك، وكازيمير ماليفيتش، وبيت موندريان، وفرانسيس بيكون بوصفهم منبع إلهام لحرية التفكير والتجريب والخيال اللامحدود.
يوضح عبد المعطي: «أعتز بكالدر لأنه من الرواد الأساسيين الذين قاموا بتغيير مفهوم فن النحت الثابت معتمداً على فكرة الرياح، وتحريكها لأوراق الشجر، لكن كان هناك آخرون تأثرت بهم»، ويتابع: «بل أرى أن كل المنتمين للحركة التشكيلية، سواء داخل مصر أو حول العالم تأثروا بهم بشكل أو بآخر».
ويضيف: «كما أرى أنه من المهم للغاية أن يشير الفنان دوماً إلى المصادر الرئيسية التي تأثر بها في أعماله؛ حتى يترك للجمهور فرصة تأمل الأعمال بعمق، واستكشاف طبيعة وتطور هذا التأثر، كما أنه يؤكد فكرة أن الفن حلقات متصلة تتكون من مجموعات ضخمة جداً من المبدعين الذين عرفهم تاريخ الفن التشكيلي».
لكن في الوقت الذي تعكس أعمال عبد المعطي تأثره البالغ بكالدر، وغيره من الأسماء العالمية التي حددها في معرضه من حيث الرؤى الفلسفية والتحرر من قيود الفكر؛ فهي أيضاً تؤكد تمسكه بهويته الوطنية ومفردات بيئته.

فالمتلقي يتفاعل مع شخوص تبدو بعضها قد جاءت من الريف المصري، أو الشوارع المزدحمة وقت الظهيرة، مجسداً الصراع الداخلي والخارجي للإنسان، ومحاصرته بالضغوط اليومية.
كما تعكس الأعمال دفء العلاقات التي يعرف بها مجتمعه، لا سيما بين الرجل والمرأة اللذين يمثلان أساس الأسرة، وربما يأتي ذلك أيضاً في إطار ما يطلق عليه الفنان «ثنائية الكون (آدم وحواء)، حيث اعتبر العنصر الآدمي أحد أهم العناصر التشكيلية فى الطبيعة»، على حد قوله.

وفي خلفية بعض اللوحات تستقر نقوش وموتيفات وزخارف مستلهمة من حضارات بلاده، خصوصاً الحضارة الإسلامية، فضلاً عن أشكال تستحضر في الذهن عناصر وأدوات مألوفة مثل استدعاء الأدوات التقليدية للفلاح المصري في الزراعة، وغير ذلك من أشياء وضعها في إطار حداثي، من دون أن يعرضها في بيئتها بشكل مباشر: «قمت بإعادة صياغتها وتقديمها بشكل معاصر ممتزجاً برؤيتي الخاصة».
وأثناء ذلك كله يسمح للجمهور بالتقاط ما يحلو له من مجسمات، واستخدامها بالشكل الذي يرونه، كجعلها في أوضاع أفقية أو رأسية، أو ارتدائها على الرأس، وغير ذلك مما يدخل في إطار الفن التشاركي.

وبالرغم من أن هشام عبد المعطي يمزج بين عدة اتجاهات، فإنه يهتم في المقام الأول بروح العمل وليس الأسلوب، لكن عموماً يمكن اعتبار أعماله تنتمي إلى التجريدية التعبيرية، وبشكل عام يحتفي الفنان بالتجريب الذي يعتبره «عقيدة الفنان» على حد قوله.
وفي هذا الإطار تبرز الخامات التي يستخدمها باعتبارها سمةً لافتةً لأعماله؛ حيث يستخدم «الميكس ميديا» أو الخامات المختلطة، وبعضها غير مألوف في اللوحات الفنية، وهو ما يبرره بقوله: «استخدام الخامات كمثيرات بصرية تمنحني بدائل ومساحة أكثر اتساعاً، لا تحبسني في دائرة ما، بل على العكس تتيح لي قدراً أكبر من الحرية، والتنوع والمرونة في التخيل والعمل».