لدي ألبومان للأطفال وأفكر في تقديم الثالث (من الفنان)
تتعدّد نشاطات حبيب شحادة حنا الإبداعية، بين عزف كلٍّ من العود والبزق، إلى جانب التلحين، إذ قدّم المئات من الألحان لعدد من المغنّين الفلسطينيين والعرب، مثل دلال أبو آمنة وفرج سليمان ورنا خوري، وأميمة خليل ومحمد عساف. وفي التأليف الموسيقي كان ملحناً لمؤلفات للعروض المسرحية والأفلام الوثائقية والسينمائية، وأسّس وأشرف على عدد من المعاهد الموسيقية بفلسطين، إلى جانب نشره العديد من المؤلفات النظرية في الموسيقى. للتعرف إلى تجربته الفنية، التقته “العربي الجديد” في هذه المقابلة.
البداية كانت مع تعلّم العود عند أحد صنّاعه، هو إلياس جبران، ثم تعلمت آلة البزق. ما الذي أضافته لك الآلة من خيارات موسيقية؟
واكب جيلنا ذيوع حالة العازف بوصفه مشروعاً مستقلاً، وهو ما لم يكن شائعاً قبل ذلك، وإن أسست لتلك الحالة قديماً أسماء مثل محمد القصبجي وفريد الأطرش وإبراهيم العريان وسامي الشوا، ومن العراق جميل ومنير بشير، هؤلاء جميعاً فتحوا الباب واسعاً أمام هذه الظاهرة، خاصة نموذج مثل منير بشير حين جاب العالم مروّجاً لمشروع مستقل للعازف الملحن، وهناك أيضاً أمير البزق الفلسطيني محمد عبد الكريم، الذي برز في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، كذلك مطر محمد اللبناني، وقد كانت له تجربة مشابهة لمنير بشير مع آلة البزق، التي استخدامها أيضاً آل الرحباني في موسيقاهم، فاعتمدوها لصبغ لغتهم الموسيقية بالبساطة، فالبزق كما سماه عاصي آلة الشعب، خلافاً للعود الذي هو آلة البلاط… كل هذا شجعني على تعلّم البزق، إذ يختص بحالة موسيقية مختلفة تماماً عن العود، فالبزق آلة عذبة استعملتها كثيراً في الموسيقى التصويرية، واستخدمتها في ما قدمته من مقطوعات للفالس والتانغو، ووجدتها ملائمة أيضاً لموسيقى ألّفتها للأطفال، لهذا فهي إلى جانب العود وسّعت كثيراً من نطاق مساحة التعبير الموسيقي لديّ.
بما أنك منشغل بمفهوم الهوية، كيف صبغت الفلسطينية موسيقاك؟ وما الذي تتصوّر أنه ربما تكون قد حسمته من تجربتك الفنية؟
منذ بداياتي ومنتجي الفنّي معني بمسألة الانتماء والتحريض على الاعتزاز بالفلسطينية، كما حرصت دوماً على خلق حالة فنية فلسطينية حداثوية، متمايزة عن الحالة المصرية واللبنانية على سبيل المثال، ولا أعني بطبيعة الحال فصل الموسيقى الفلسطينية عن محيطها، فالتراث الفلسطيني هو ذاته الفلكلور اللبناني، وإنما أقصد بصورة رئيسية التمسك باللهجة الفلسطينية في الغناء، فبصفة عامة نحن نشترك مع محيطنا في تاريخ موسيقي واحد، وهو ما عززه توزع الموسيقيين الفلسطينيين بعد النكبة على عدد من الدول العربية ليساهموا في نهضتها الموسيقية. ففي لبنان حطّت أسماء مثل: حليم الرومي ومحمد غزال، وفي العراق استقر روحي الخماش، لذلك فأنا أنتمي إلى تراث تلك البلاد أيضاً.
وفيما ما إذا كانت فلسطينيتي قد حسمت من تجربتي الفنية، سأذكر لك بهذا الخصوص عدة مواقف حدثت معي، منها أنني فوجئت منذ عدة سنوات بمن يتصل بي من هوليوود من أجل المشاركة في مشروع فني، لكن عندما اكتشف المتصل أنني لست يهودياً اعتذر لي، وفي مرة ثانية تواصل معي أحدهم من برودواي من أجل عمل مسرح غنائي، وبمجرد أن علم أيضاً أنني فلسطيني ولست يهودياً سحب العرض، وبلغ الأمر حداً من الوقاحة أنه في إحدى المرات سألني أحد المنتجين الأميركيين: هل تعرف يهودياً يقدم موسيقى مثل موسيقاك لعمل أوبرالي؟
مع ذلك، فالأصعب على نفسي أن أتعرض لحوادث مشابهة بالدول العربية، فاستبعدت من إحياء فعالية فنية في مصر السنة الماضية، بعدما وقع عليّ الاختيار لتقديم حفل موسيقي في مؤتمر لوزارات المياه والري العربية، وكنت قبل ذلك، في 2022، قد ساهمت في فعاليته الفنية بالتلحين، لكن تعذّر حضوري وأسماء مثل ناي البرغوثي ودلال أبو آمنة وفرج سليمان، بسبب قرار يحظر التعاون مع فلسطينيي الداخل، وربما أكثر ما أزعجني، ما جرى لي حين شرعت في التعاون مع قناة MBC لتقديم مشروع كارتون إلى الأطفال، لكني فوجئت برفض كل من المؤلف الكويتي والمخرج الأردني إشراكي في العمل، لكوني من فلسطينيي 1948، وذلك تخوّفاً من الاتهام بالتطبيع، وحالياً يتعذّر انتقالي إلى بيروت لتسجيل ألبوم لأميمة خليل من شعر مروان مخول، وهو مشروع غنائي عن فلسطين، بسبب الظروف السياسية، وهذا ما علينا كفلسطينيين مواجهته طوال الوقت.
لديك ألبومان للأطفال. ما الذي حرضك على اتخاذ هذه الخطوة؟
نعم، لدي ألبومان للأطفال، وأفكر في تقديم الثالث. الطفل الفلسطيني يعاني، وهو ما يجب أن يحرّضنا طوال الوقت على التفكير في فتح طاقة صغيرة لمتعته، تهوّن عليه التجربة المخيفة للاحتلال. إضافةً إلى ذلك، أعتبر الإبداع للأطفال رسالة تستهدف زرع الأمل في المستقبل. وإلى جانب الألبومين، نشرت المعجم الموسيقي الصغير للطالب الفلسطيني، ومنهاجاً لتعليم النظريات يدرس في معاهد الموسيقى. أشعر بأن كل ما أقدمه للأطفال مبارك، كما أن أطفالي هم محرض أساسي لمثل هذه المشاريع.
في لقاء قديم، عبرت عن رغبتك في تطوير مشروع فلسطيني للموسيقى الآلية، عملت عليه مع عدد من الفرق الفلسطينية، إلى أين وصل هذا المشروع؟
استطعنا أخيراً تأسيس أوركسترا فلسطينية للموسيقى الشرقية، وأنا واحد من ملحنيها، إلى جانب أسماء مثل أحمد الخطيب وعيسى بولص وسيمون شاهين، وقد افتتحناها العام الماضي، ولولا الحرب كنا سنقدم من خلالها أعمالاً لعدد من شباب الملحنين، اضطلعت بمهمة توزيع ألحانهم. مع ذلك، نحن حريصون على تقدم كونسيرت كل عام أو عامين من ألحان عدد من الشباب الفلسطيني. وإلى جانب ذلك، فأنا مستمر مع فرقتي في تقديم عروض للموسيقي الآلية، آخرها عرض قدمناه بمناسبة شهر رمضان في مدينة حيفا، كما لدي حفل في ألمانيا يوم 11 مايو/ أيار المقبل.
لك عرض مميز بعنوان “قصتنا” جمعت به العود والغيتار معاً والموسيقى الآلية إلى جانب المغناة والفالس والتانغو. هلّا حدثتنا عن هذا العرض؟
هي قصتنا، تجمع الموسيقى الكلاسيكية من خلال العزف التقليدي بما يشمله من تقاسيم مستوحاة مما قدمته أسماء مثل: القصبجي وسيد درويش وعبد الوهاب، إلى جانب الموسيقى الحديثة عبر المزاوجة بين العود والجيتار، وكذلك الأغنية القديمة إلى جوار الحديثة، كما عكس الكونسيرت أيضاً نزوعي الدائم لدمج الموسيقى الآلية إلى جانب الموسيقى المغناة، ومن خلال الكلمات قدم العرض القصة الفلسطينية من منظوري الشخصي، عبر قصة حب تكبر مع الوقت في حين تصغر المدينة وتزدحم بأناس غرباء، وهذه هي قصتنا، قصة فلسطين.
في سيرتك هناك مشروع آخر لافت للنظر، وهو المعجم الموسيقي، إلى جانب مؤلف من خمسة مجلدات عن النظريات الموسيقية، لو تحدثنا عن هذا الجانب النظري؟
ما دفعني إلى إنجاز هذا المشروع توزُّع بلادنا العربية بين معاجم موسيقية مختلفة، فاللبناني يستعمل المصطلحات والمفاهيم الفرنسية، والمصري مثله مثل الفلسطيني تتوزع لغته الموسيقية بين العربية والإنكليزية، في حين يقتصر السوري على العربية، ولا أتصور أنه نهج سليم، من هنا جاءت رغبتي في وضع معجم يوازن بين المصطلحات التي تصح ترجمتها إلى اللغة العربية وما لا تصح، فنحافظ على المصطلح كما هو، وذلك بغرض إيجاد لغة عربية موسيقية موحدة.
هناك مؤسسة المشغل للثقافة التي تشتغل بالتعليم والتدريب والإنتاج، ومعاهد أخرى للموسيقى تشرف عليها، ما المنتج الفني الذي قدمته حتى اليوم؟
بالنسبة إلى “المشغل”، أسسته للتواصل مع معهد إدوارد سعيد، ليكون مماثلاً ويخدم فلسطينيي الداخل، لكني استقلت في 2018 وبالنهاية توقف المشروع. ساهمت في تأسيس ثلاثة معاهد أخرى في حيفا، وفي قرية مثل بيت دجن أسست معهداً، كما في الرملة، وكذلك في الناصرة، لكني حالياً أعتذر عن الإدارة بسبب تعدد المشاغل وضيق الوقت، واليوم كثير من خريجي هذه المعاهد يدرسون ويعرضون في مختلف البلاد الأوروبية، مثل ياسمين سعيد ورباعي الجليل ويامن عودة. هذه المواهب، بما حصلته من خبرات هناك، تعود لتنخرط في المشهد الموسيقي الفلسطيني. وهذا يؤدي بدوره، علاوة على ارتفاع المستوى، إلى إثراء المشروعات الفنية التي تزخز بها البلد اليوم.
في لقاء سابق، ذكرت أنه حين صدرت أغنية “كل شي حلو” (2008) تواصلت معك باحثة أميركية للحديث عن العمل الفني، وعندها أدركت أن الأغنية حملت شيئاً مميزاً عليك تتبعه. ما هو وكيف عملت على تطويره؟
هذه الأغنية تحمل حكاية شخصية، فقد أوحت لي بها إحدى قريباتي حين توفي زوجها. استقبلتني في العزاء وهي تقول بتأثر “كل شي حلو يا حبيب يذكرني فيك”. أسرتني عفوية التعبير لأكتب كلمات الأغنية، أما اللحن فجاء تأثراً بموسيقى الجاز لزياد الرحباني، وقد حرصت خلال العمل على ألا تطغى الهارمونية فيه على اللحن الرئيسي، الذي هو أساس التفكير الموسيقي العربي، وحتى اليوم أكون حذراً عند استخدام الهارمونية كي لا تهجّن اللحن. هذا التوازن هو ما أعجب الباحثة الأميركية لتخصص دراسةً للعمل.
ما المشروع الذي تعمل حالياً؟
أنا حالياً في ألمانيا للمشاركة في عمل مسرحي عن فلسطين، يحكي عن ألمنا الممتد إلى اليوم، فتعقد المسرحية مقاربة بين ما يحدث في فلسطين وما عايشته أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، وهذا إلى جانب ألبوم أميمة خليل، الذي سبق أن أشرت إليه، إذ نأمل أن يصدر خلال شهر يونيو/ حزيران المقبل.