من فعالية “البداية” في بيت الفارحي في دمشق القديمة، 22 إبريل 2025 (العربي الجديد)
في محاولة لحفظ سردية الثورة السورية والتذكير المستمر بقيمها، نظّم ناشطون وناشطات فعالية “البداية” أمس الثلاثاء، في مقر مدنية في بيت الفارحي في دمشق القديمة، ضمت معارض فنية وأفلاماً سينمائية وعرضاً موسيقياً.
الناشطة في التجمعات المدنية الموسيقية سَفانة بقلة رأت أن “جزءاً كبيراً من العدالة الانتقالية التي يُطالب بها السوريون يكمن في حفظ السردية الثورية”. وأكدت بقلة، في حديثها لـ”العربي الجديد”، “دورَ الفن المحوري في أرشفة وتوثيق قصص الناس وعذاباتهم ونضالهم”، وأشارت إلى أن الفعالية “فرصة لتذكير السوريين، وتحديداً الشباب منهم، ببداية الثورة وخطابها وقيمها الأساسية كالكرامة والعدالة والمساواة أمام القانون”. كما شددت على أهمية استعادة فضاء الحرية الذي كان مكبوتاً لسنوات طويلة، وهو ما شكّل دافعاً أساسياً للحراك المدني. ولفتت إلى أن التشبيك بين الناشطين لم يكن ممكناً سابقاً، واستمرار النشاط العلني ضرورة لتجنب العودة إلى العتمة والعمل السري والتخفّي تحت الأسماء المستعارة.
“البداية” في قلب دمشق
أوضحت الصحافية زينة شهلة، إحدى منظمات الفعالية، أن الهدف هو استعادة شعارات الثورة في قلب دمشق عبر صور وملصقات “تُجسّد حكايات مؤلمة”. وأشارت إلى أن موعد الفعالية كان في وقت أبكر، ثم أجل احتراماً لأرواح ضحايا مجازر الساحل السوري. وشددت على أهمية التذكير بـ”سلمية الثورة في بداياتها وبأن عنف السلطة هو من ولّد العنف المضاد”.
وتحدثت شهلة لـ”العربي الجديد” عن تعرضها للاعتقال والمنع من السفر، وقالت: “أنا شخصياً، وعلى الرغم من تعرضي للاعتقال وصدور قرار بمنعي من السفر واتهامي في محكمة الإرهاب منذ عام 2014 وحتى عام 2022، فلم أتوقف يوماً عن رفع صوتي، ولاعن كتابة ما أؤمن به. أتمسك بحقي في التعبير، وأؤمن بأنه لا يمكن بناء فضاء عام صحي من دون فسحة حقيقية تتيح للجميع الحضور والتعبير والمشاركة من دون إقصاء أو تهميش”. وأضافت: “للأسف، لم يمنحنا الديكتاتور بشار الأسد أي خيارات. ترك الناس محطمين ومتعبين، والبلد موجوعة وممزقة على كل المستويات. ومع ذلك، لا تزال هناك مساحات نتمسك بها، ومبادرات نقيمها، وينضم إليها عدد متزايد من المتطوعين الذين يحملون روح الثورة ويعملون على ترسيخ قيمها. وهذا ما يمنحنا الأمل بأن الخط الذي بدأناه منذ سنوات بات اليوم يحمل ثماره من خلال مجتمع مدني سوري لم يستسلم للقمع، ولا للبشاعة، ولا لمحاولات الترهيب والتغييب، بل استمر في المطالبة بحق بسيط وأساسي: الحرية”. وأردفت: “ربما يبدو هذا الكلام مثالياً للبعض، لكن علينا أن نُدرك جميعاً أن الخراب الذي خلفه النظام على مدى أربعة عشر عاماً لا يمكن إصلاحه في غضون شهور. ومع ذلك، فإن واجبنا الآن هو ألا نصمت، وأن ننتزع حقوقنا ممن يحاول إعادة إنتاج ممارسات النظام القمعي الذي سقط، مهما لبس من أقنعة جديدة”.
لاءات الشعراني
في المعرض تتقاطع شهادات الفنانين مع تجاربهم الشخصية الطويلة في مواجهة القمع، كما هي حال الفنان منير الشعراني الذي طاردته أجهزة المخابرات السورية لأكثر من سبعةٍ وعشرين عاماً بسبب نشاطه السياسي السري. كتب الشعراني إلى جوار أعماله المعروضة في “البداية”: “منذ بداية انتفاضة شعبنا على النظام البائد، كان من البديهي أن أشارك بكل ما أستطيعه، وكان الفن وسيلتي. اللوحات والملصقات التي أنتجتها منذ بدايات الثورة وحتى اليوم تحمل موقفي الرافض لجرائم النظام، وتعبّر عن رؤيتي لسورية التي نطمح إليها بعد سقوطه”. وتُجسّد أعمال الشعراني في “البداية” هذا الموقف من خلال شعاراته المعروفة بـ”اللاءات الست” التي باتت من سماته الفنية والسياسية: “لا للطائفية، لا للقمع، لا للقتل، لا للخطف، لا للتهجير، لا للاعتقال”، وأكد في الوقت نفسه انحيازه المستمر إلى القضية الفلسطينية، معبّراً عما يتعرض له الفلسطينيون من إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل في غزة.
وتلتقي أعمال الشعراني مع تجربة الفنان جابر العظمة الذي اختار أن يحوّل نسخاً من صحيفة البعث – التي رافقت يوميات دولة الاستبداد – إلى فضاء حر يكتب عليه السوريون روايتهم، في محاولة لقلب سردية النظام السابق. التقط العظمة صوراً بالأبيض والأسود لعدد من الشخصيات العامة والناشطين، من بينهم الممثل فارس الحلو والفنان يوسف عبدلكي والشاعر أحمد فؤاد نجم، إلى جانب طلاب وأطباء وصحافيين، جميعهم شاركوا في كتابة رؤاهم على نسخ مقلوبة من الصحيفة، في لفتة رمزية تختصر العلاقة المكسورة بين الكلمة والحقيقة في إعلام السلطة.
أما الفنان عمار البيك، فاختار إعادة صياغة الذاكرة عبر مشروعه “مانيفستو الطابع السلمي” الذي جمع فيه تصاميم لطوابع بريدية صارت بمثابة وثائق ثورية. الطوابع التي تحمل صور رموز الحراك السلمي – من المخرج باسل شحادة، إلى الطفل حمزة الخطيب والفنان سميح شقير والكاتب ميشيل كيلو وغيرهم – تحوّلت إلى رسائل مفتوحة للعالم، يقول البيك عنها: “في شِباك هذه الثورة المتشابكة المعقدة كنا نحتاج إلى صور، إلى إشارات تقول للعالم: نحن هنا ولم نمت بعد، ومنذ اللحظة الأولى آمنتُ ان هذا المشروع الفني الصغير هو نافذتي الوحيدة للمشاركة في وجع شعبي من المنفى حيث لا شيء يشبه سورية سوى الحنين… ومن يومها وأنا مؤمن بأنه سيأتي يوم تُعلَّق فيه هذه الطوابع على جدران في سورية حرة محررة من القمع والتشويه والنسيان”.
شهد افتتاح فعالية “البداية” حضوراً لافتاً من ضيوف أجانب وفنانين سوريين مخضرمين مثل عبد الله مراد وإدوارد شهدا، وتستمر أنشطتها حتى 28 إبريل/نيسان الحالي، متضمنة عروضاً لأفلام قصيرة من إنتاج ناشطين شباب، إضافة إلى حفل موسيقي ختامي للفنانة نعمة عمران وكورال غاردينيا.