تضاعف إنتاجية الأرز من 2.6 طن للفدان إلى 4 أطنان بفضل التوصيات الإرشادية
استنباط أصناف تتحمل التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة لتحقيق الأمن الغذائي
نتوسع في الزراعة التعاقدية لضمان تسويق المحاصيل بأسعار عادلة
السمسم والكانولا محاصيل
زيتية واعدة لتعزيز الإنتاج المحلي وتلبية احتياجات السوقيعد معهد بحوث المحاصيل الحقلية إحدى الركائز الأساسية التي تدعم القطاع الزراعي المصري من خلال استنباط وتطوير المحاصيل الإستراتيجية التي تسهم في تلبية احتياجات السوق المحلية وتقليل فاتورة الاستيراد، وبفضل الأبحاث المستمرة استطاع المعهد تحسين إنتاجية الكثير من المحاصيل الحقلية، مثل: القمح، الأرز، والذرة، بالإضافة إلى تقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المزارعين، سواء على مستوى الإنتاج أو التسويق، وفي الوقت الذي تتزايد فيه التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الإنتاج، يواصل المعهد دوره المحوري في تحسين أداء القطاع الزراعي من خلال تقديم التوصيات الفنية وتطوير الأصناف التي تتحمل الظروف البيئية القاسية.
وللتعرف على الخطط المستقبلية وأحدث الأبحاث التي تم تنفيذها وكان لها تأثير إيجابي، أجرت مجلة “البوصلة الاقتصادية” حوارًا مع الدكتور خالد جاد مدير معهد المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية، الذي أوضح آخر مستجدات أبحاث المعهد وخططه المستقبلية لدعم المزارعين وتعزيز الإنتاج الزراعي في مصر، وإلى نص الحوار:
– بداية، ما الدور الذي يقوم به معهد بحوث المحاصيل الحقلية في خدمة القطاع الزراعي والمزارعين؟
– المعهد من أهم المؤسسات البحثية التابعة لمركز البحوث الزراعية، والمسئول عن استنباط وإنتاج المحاصيل الإستراتيجية الأساسية، بما في ذلك: الحبوب، البقوليات، الألياف، الزيوت، الأعلاف، والبصل.
ويعمل المعهد على تطوير أصناف جديدة تتميز بإنتاجية مرتفعة، وتحملها للتغيرات المناخية، ومقاومتها للأمراض والآفات، مع تحسين الجودة، وقد نجحنا بشكل ملحوظ في استنباط أصناف متميزة من القمح، الأرز، والذرة، حيث تحتل الأصناف المصرية مراكز عالمية متقدمة، فالقمح يحتل الرابع عالميًا في الإنتاجية، والأرز الأول عالميًا، بينما الذرة بين المركزين الرابع والسادس عالميًا في إنتاجية الفدان.
بالإضافة إلى أن المعهد هو المصدر الأساسي لإنتاج “التقاوي الأساس”، التي يتم توزيعها على المزارعين بعد مرورها بمراحل اعتماد تضمن جودتها ونقائها، ونتيجة لذلك، اكتسبت التقاوي المصرية ثقة المزارعين، مما أدى إلى انتشار الأصناف المعتمدة وتحقيق إنتاجية أعلى.
ويصدر المعهد نشرات إرشادية حول الري، مواعيد الزراعة، والتسميد، مع تحديثها دوريًا لمواكبة التغيرات المناخية، وبفضل هذه التوصيات المدروسة، لم تتأثر الإنتاجية سلبًا رغم التحديات المناخية.
ويقود المعهد حملات قومية لنقل التكنولوجيا الحديثة إلى المزارعين، مثل: الحملة القومية لمحصول القمح، التي يتم من خلالها تنفيذ حقول إرشادية، ندوات، وأيام حقلية في جميع القرى، وقد أسهمت هذه الحملة في تحقيق نجاحات ملموسة، مثل: توفير مياه الري بنسبة تزيد على 20%، تقليل استخدام التقاوي بنسبة 30%.
كما نجحت الحملة القومية للنهوض بمحصول الأرز في توعية المزارعين بزراعته بطريقة مباشرة دون مشتل، مع اتباع نظام ري كل 8 أيام، مما أدى إلى تحسين الإنتاجية وتقليل استهلاك المياه، كذلك، ساعدت حملة الذرة الشامية على نشر تقنية الري التبادلي، حيث يتم ري خطين وترك خط لتقليل المياه مع الحفاظ على الإنتاجية.
وفي إطار التحول الرقمي، يشارك المعهد في مبادرة “معاك في الغيط” التي أطلقتها وزارة الزراعة، لنقل التوصيات الفنية للمزارعين عبر التطبيقات الذكية، مثل: تطبيق “هدهد”، ما يضمن وصول أحدث المعلومات إلى المزارعين بسهولة.
وتمكن المعهد من رفع إنتاجية المحاصيل بشكل كبير: على سبيل المثال في محصول القمح أسهم المعهد في رفع الإنتاجية من 8 أرادب للفدان إلى أكثر من 19 إردبًا، بزيادة تجاوزت 100%، والأرز من 2.6 طن للفدان إلى 4 أطنان للفدان، بالإضافة إلى تقصير مدة نمو المحاصيل، مما أتاح للمزارعين زراعة أكثر من عروة سنويًا، وتحقيق أقصى استفادة من وحدة المساحة الزراعية.
– ماهي الإستراتيجيات التي يتبعها المعهد وتسهم في زيادة العائد على المزارعين؟
– يتبنى المعهد إستراتيجيات لتعظيم الإنتاج، مثل التكثيف المحصولي الذي يتيح زراعة أكثر من محصول في نفس المساحة خلال العام الواحد، والزراعة التحميلية التي تحمي المحاصيل من التأثيرات المناخية والآفات، مع تحسين العائد الاقتصادي للفدان.
وبفضل نجاح منظومة إنتاج التقاوي، أصبحت أصناف القمح المصرية مطلوبة في الدول العربية والإفريقية، ما يعزز فرص التصدير ويدعم الاقتصاد الزراعي المصري.
–هناك توجه من الدولة لزيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الإستراتيجية، كيف يواكب المعهد هذه التوجهات؟
– تعمل الدولة على التوسع في زراعة المحاصيل الإستراتيجية ضمن مشروعات قومية كبرى، مثل: الدلتا الجديدة، مستقبل مصر، توشكى، والعوينات، وهو ما يتطلب أصنافًا زراعية تتكيف مع الظروف البيئية لهذه المناطق، ويقوم معهد بحوث المحاصيل الحقلية بتوفير أصناف جديدة تتميز بقدرتها على تحمل التغيرات المناخية وملاءمتها للزراعة في هذه المشروعات، مما يضمن تحقيق إنتاجية عالية في الأراضي المستصلحة حديثًا، إلى جانب ذلك، يصدر المعهد توصيات فنية متخصصة لكل مشروع، تشمل أساليب الري، التسميد، ومواعيد الزراعة، لضمان الاستخدام الأمثل للموارد وتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة، ما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد الزراعي المصري.
– إلى أي مدى نجحت مصر في تقليل فجوة الاستيراد في محاصيل الذرة الصفراء، فول الصويا، وعباد الشمس؟
– فيما يخص القمح، نجحنا في رفع إنتاجية الفدان بأكثر من 100%، إلا أن الزيادة السكانية ومحدودية المساحات المزروعة تجعلنا في مرحلة الحفاظ على معدلات الاكتفاء الذاتي الجزئي، ومع خطط التوسع المستقبلي، سيتم التركيز على تقليل الفاقد من المحصول من خلال الزراعة بالميكنة الحديثة، حيث انخفض الفقد من 30% إلى أقل من 8%، بفضل تطوير منظومة الصوامع والخبز.
أما الأرز، فلدينا اكتفاء ذاتي مع فوائض للتصدير، بينما في الذرة الصفراء، تم تنفيذ نظام الزراعة التعاقدية، مما أسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد.
كما توسعت الدولة في التعاقد على زراعة المحاصيل الزيتية، مثل: فول الصويا، دوار الشمس، والسمسم، ضمن خطة لتقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز الإنتاج المحلي، ومع استمرار هذه السياسات، نتجه نحو تقليص الفجوة الاستيرادية تدريجيًا، ما يعزز الأمن الغذائي ويدعم الاقتصاد الزراعي.
– ما مدى جاهزية الأصناف المحلية من الذرة الصفراء لتقليل فاتورة الاستيراد؟
– تمتلك مصر أكثر من 30 هجينًا من الذرة الشامية، تشمل الذرة الصفراء والبيضاء، وتضم هجنًا فردية وثلاثية ذات إنتاجية عالية، تتناسب مع الزراعة في المشروعات القومية والأراضي المستصلحة حديثًا، وحاليًا، تغطي الشركات المصرية نحو 70% من إنتاج تقاوي الذرة الشامية، مما يعزز القدرة على تقليل الاعتماد على الاستيراد، ورغم عزوف المزارعين سابقًا عن زراعة الذرة الصفراء، إلا أن نظام الزراعة التعاقدية أسهم في زيادة الطلب على تقاوي الذرة الشامية، مما دفعنا للتوسع في إنتاجها، وفي إطار دعم هذا التوجه، يوفر مركز البحوث الزراعية أكثر من 10 هجن محسنة، جاهزة للزراعة في المشروعات الجديدة، ويوجه المعهد المزارعين نحو تبني هذه الأصناف والاستفادة من برامج الزراعة التعاقدية لضمان تحقيق عائد اقتصادي مرتفع، بما يسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز الأمن الغذائي.
– ما أبرز التحديات التي تواجه المحاصيل الحقلية حاليًا على مستوى الإنتاج والتسويق؟
– تواجه المحاصيل الحقلية تحديات رئيسية عدَّة، يأتي في مقدمتها التغيرات المناخية السريعة، والتي نجحنا حتى الآن في التكيف معها من خلال استنباط أصناف جديدة أكثر تحملًا للظروف البيئية المتغيرة، وشح الموارد المائية يمثل تحديًا آخر، وهو ما يدفعنا إلى تطوير محاصيل تستهلك كميات أقل من المياه، إلى جانب ارتفاع منسوب مياه البحر، الذي يهدد أراضي الدلتا بزيادة الملوحة، مما يستوجب إنتاج أصناف تتحمل هذه الظروف لضمان استمرار الإنتاج الزراعي في تلك المناطق.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة، خصوصًا في صعيد مصر، يتطلب تطوير محاصيل قادرة على تحمل الإجهاد الحراري، بما يضمن استقرار الإنتاجية.
وعلى مستوى التسويق، تعد الزراعة التعاقدية الحل الأمثل لضمان تسويق المحاصيل بأسعار عادلة، مما يستوجب التوسع في تطبيقها على نطاق أوسع لتشمل جميع المحاصيل الإستراتيجية، بما يعزز استقرار دخل المزارعين ويدعم الاقتصاد الزراعي.
– هل يمثل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج تهديدًا للمزارع الصغير؟ وما هو دور المعهد في تقديم حلول؟
– بالفعل يشكل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، بما في ذلك العمالة، السولار، والميكنة، تهديدًا حقيقيًا للمزارع الصغير، حيث يضغط على هامش ربحه ويزيد من التحديات التي يواجهها، ويسهم معهد بحوث المحاصيل الحقلية في تقديم حلول ملموسة للمزارعين عبر توفير التقاوي بأسعار مدعومة تضمن تغطية تكلفة الإنتاج دون مغالاة.
ويشمل الدعم الفني الذي يقدمه المعهد توجيهات إرشادية مجانية، سواء من خلال الحملات القومية أو عبر الارشاد الرقمي، مما يمكن المزارع من الوصول إلى أحدث الأصناف الزراعية بأسعار مدعومة.
إضافة إلى ذلك، توفر وزارة الزراعة الآلات الزراعية الحديثة بأسعار مخفضة للمزارعين، مما يسهم في تقليل تكاليف الزراعة والحصاد، ويعزز قدرة المزارعين على مواكبة التحديات الاقتصادية الراهنة.
– هل هناك خطة أو رؤية لتصدير الفائض من بعض المحاصيل الحقلية خلال الفترة المقبلة؟
– حاليًا، لا يوجد فائض من أي محصول حقلي يسمح بتصديره بشكل كبير، ومع ذلك، يعد البصل من أبرز المحاصيل الحقلية الإستراتيجية التي يتم تصديرها، حيث يعتبر محصولًا تصديريًا من الدرجة الأولى، ويشهد طلبًا عالميًا مستمرًا.
– ما أبرز ملامح خطة المعهد خلال الفترة المقبلة مع بداية الموسم الصيفي؟
– مع بداية الموسم الصيفي، يستعد معهد بحوث المحاصيل الحقلية بإطلاق 5 هجن جديدة من الذرة الشامية، منها هجن تتميز بإنتاجية عالية وقدرتها على تحمل الحرارة والتغيرات المناخية، كما تم تطوير أصناف جديدة من الأرز، مثل صنف جيزة 183، التي تتميز بمقاومتها لاحتياجات المياه المنخفضة، وفي المحاصيل الزيتية، تزداد المساحات المزروعة بالسمسم مقارنة بالموسم الماضي، ولدينا أصناف محلية جديدة تتميز بتفوقها على الأصناف المستوردة من حيث الجودة، بالإضافة إلى عباد الشمس والكانولا، والتي تعد محاصيل واعدة لإنتاج الزيت بفضل احتوائها على أكثر من 40% من الزيت، وتناسبها مع الأراضي المتأثرة بالملوحة.
– كم تبلغ المساحات المستهدفة في زراعتها بالمحاصيل الصيفية هذا العام؟ وأي من المحاصيل يستحوذ على النصيب الأكبر من هذه المساحات؟
– لم يتم تحديد المساحات المستهدفة بعد، حيث لا تزال المحاصيل الشتوية في مرحلة الحصاد، ويبدأ تحديد الخريطة الزراعية للموسم الصيفي مع نهاية شهر إبريل، لكن الذرة الشامية يعد المحصول الرئيسي في الموسم الصيفي هذا العام، نظرًا لأهميته في تقليل فاتورة الاستيراد.
– ما هي آخر أبحاث المعهد التي تم تطبيقها؟ وما الذي أسهمت فيه؟
– تتمحور جميع أبحاث معهد المحاصيل الحقلية حول التطبيقات العملية التي تسهم بشكل مباشر في تحسين الإنتاج الزراعي، وتمثلت أحدث نتائج الأبحاث في تسجيل 5 أصناف جديدة من القمح، وهي مصر 5، 6، 7، سخا 97، وسوهاج 6، بالإضافة إلى تسجيل 10 هجن جديدة من الذرة الشامية، هذه الأبحاث أسهمت في تحسين جودة الإنتاج وتقديم أصناف ذات إنتاجية عالية، بما يساعد المزارعين في زيادة العائد الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.