عبر أمسيات تشرق بإيقاعات الطرب الأصيل، ومهرجانات تحتفي بأنغام الموسيقى العربية، صنعت دبي جسور تواصل متينة بين الماضي والحاضر، وعززت ارتباط الأجيال الجديدة بميراث أسلافهم الإبداعي، وغرست في النفوس قيمة الاعتزاز بروائع الفن الخالدة، محققةً التوازن بين عراقة المحتوى والمضمون وحداثة الطرح والتقديم.
وأكد الفنان الإماراتي حبيب الياسي، لـ«البيان»، أهمية الدور الذي ينهض به القائمون على الفعاليات والحفلات الثقافية على مستوى الدولة، منوهاً بأن الإمارات تُعَدُّ مركزاً مهماً جداً للثقافة والفنون، وأن دبي دائماً سبَّاقة في إقامة المهرجانات الثقافية التي تخاطب جميع فئات المجتمع، وتولي اهتماماً كبيراً بالموسيقى العربية الأصيلة، ما يسهم بشكل مباشر في التنمية الفكرية والثقافية والموسيقية بين الأجيال.
وأوضح الياسي أن الموسيقى هي اللغة الفكرية والوجدانية والثقافية الجميلة للعالم، وبالأخص الموسيقى العربية، وأن المحافظة عليها تتطلب مسؤولية مشتركة من جميع الجهات المعنية بالأمر، مشيراً إلى أن هناك تحديات كبيرة جداً أمام الجيل الجديد والأجيال القادمة مع الانتشار الكبير لظاهرة الموسيقى الهابطة، الأمر الذي يوجب تكاتفاً جماعياً للحد من بعض السلبيات.
مقترح
وقال: «أقترح إنشاء أكاديمية متخصصة في الفنون الجميلة، ومن ضمنها الموسيقى العربية الأصيلة، وإعادة حصص الموسيقى ضمن النشاط المدرسي التي تسهم بكل تأكيد في رفع الذائقة الموسيقية لدى الأجيال القادمة»، لافتاً إلى أن إقامة المهرجانات التنافسية للموسيقى العربية الأصيلة بين البلدان العربية تؤدي دوراً مهماً في تعزيز الثقافة الموسيقية الأصيلة لدى الأجيال».
وذكر أن الموسيقى العربية شهدت تطوراً عبر الأجيال منذ نشأتها، وتأثرت بالثقافات الموسيقية المجاورة لها، وأن الموسيقيين العرب طوَّعوا الآلات الغربية ومزجوها بالنغمة العربية الأصيلة، مثل الساكسفون والجيتار والكلارنيت وغيرها، وأدخلوا إيقاعات الجاز والتانغو واللاتيني لموسيقاهم، كما فعل الموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب، مؤكداً إمكانية تقديم الموسيقى العربية في قالب جديد، مع المحافظة على الهوية والطابع الطربي الأصيل لها.
تطور
من جانبه، أكد الفنان الإماراتي جاسم محمد أن المشهد الثقافي في دولة الإمارات شهد خلال السنوات الأخيرة تطوراً نوعياً، حيث أصبحت الفعاليات والأمسيات الموسيقية لا تقتصر على الترفيه، بل تُوظَّف كأدوات تعليمية وتوعوية لتعزيز الهوية الثقافية، مشيداً بالفعاليات الموسيقية العديدة التي تشهدها دبي.
وقال: «في دبي، تحديداً، نرى جهوداً واضحة من مؤسسات ثقافية وفنية في إعادة تقديم الموسيقى العربية الأصيلة عبر مهرجانات كـ«أمسيات دبي»، و«موسيقى من الشرق»، وغيرهما»، منوهاً بأن هذه الفعاليات أسهمت في إعادة تشكيل ذائقة الجيل الجديد، خاصةً حين تتقاطع الأصالة مع تقنيات عرض حديثة تجذب اهتمام الشباب.
تحديات
وكشف عن أبرز التحديات التي تعوق تذوق الشباب للأعمال الطربية القديمة التي رأى أنها تتمثل في فجوة التلقي بين الجيل الجديد والإرث الموسيقي الكلاسيكي، مضيفاً: «الزمن تغيَّر، ومفردات الحياة اليومية اختلفت، ما جعل شباب اليوم أكثر ميلاً للإيقاع السريع والتجربة البصرية المكثفة».
ولفت إلى أن ندرة المساحات الإعلامية التي تحتفي بالطرب الأصيل، وغياب مناهج تعليمية فنية تُعرِّف بالنماذج الكبرى من أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز، من العوامل أيضاً التي قلّصت فرص الاحتكاك بالموسيقى الكلاسيكية، موضحاً أن التحدي ليس في الرفض، بل في طريقة التقديم، وأن المعادلة الناجحة تكمن في التوازن بين الحفاظ على الروح الأصلية للعمل الموسيقي، وتقديمه بلغة العصر.
وتحدَّث عن إمكانية الاستفادة من التقنيات الحديثة في التوزيع الصوتي، وتصميم العروض، وإدماج الآلات الشرقية مع مؤثرات رقمية دون الإخلال بجوهر العمل، مؤكداً أن التعاون بين الأصوات الشابة والفنانين المخضرمين، وتقديم أعمال الطرب الكلاسيكي بأسلوب مبسط على المنصات الرقمية، كل ذلك قادر على بناء جسر تواصل حقيقي بين الأجيال، بحيث تُخاطب الموسيقى الجديدة الإحساس دون أن تفقد مرجعيتها الثقافية.