د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اتفق الأعضاء الخمسة الأوائل؛ السعودية وفنزويلا وإيران والعراق والكويت على تأسيس منظمة أوبك مع الدول الأخرى ال13 في 14 سبتمبر 1960 ومقر المنظمة في فيينا في النمسا منذ عام 1965، وتمتلك أوبك أكثر من 80 في المائة من احتياطيات البترول، ونحو أكثر من 90 في المائة تمتلك أوبك بلاس، فيما حصة أوبك وأوبك بلاس من إمدادات البترول الخام بلغت حوالي 29 % و44 % على التوالي، مما أعطى أوبك تأثيرا على أسعار النفط التي حددتها الأخوات السبع، وهي مجموعة شركات متعددة الجنسيات، ووضعت هدفها وهو تنسيق وتوحيد السياسات النفطية بين الدول الأعضاء لصالح المنتجين والمستهلكين والعائد على رأس المال للمستثمرين، بهدف تحقيق أمن إمدادات النفط، علقت إندونيسيا عضويتها عام 2009، وانسحبت منها كل من قطر عام 2019 والإكوادور عام 2020، فيما انضمت البرازيل إلى أوبك بلاس في 25/2/2025.
سعت أوبك إلى اكتساب سيطرة أكبر على إنتاج نفطها من خلال تنسيق سياسات الإنتاج مع احتفاظ كل عضو بالسيطرة النهائية على سياساته الخاصة، تمكنت أوبك من منع انخفاض الأسعار في الستينيات، لكن شجع ذلك على زيادة الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض تدريجي في الأسعار الأسمية من 1.93 دولارا للبرميل في 1955 إلى 1.30 دولارا للبرميل في عام 1970، بالطبع ارتفعت الأسعار في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، كما ارتفعت الأسعار عشرة أضعاف بين عامي 1973 و 1980 نمت معها قوتها السياسية والاقتصادية، جعل الدول المستهلكة تلجأ إلى تطوير مصادر بديلة مثل الفحم الحجري والغاز الطبيعي والطاقة النووية.
استمر انخفاض الأسعار رغم تخفيض دول الأوبك وخاصة السعودية والكويت، أدى إلى تقلص عوائد النفط قرر أعضاء أوبك الحفاظ على حصص الإنتاج أدى إلى ارتفاع الأسعار في أوائل القرن الحادي والعشرين بسبب الوحدة الأكبر بين أعضاء أوبك والتعاون مع دول غير أعضاء في أوبك مثل المكسيك والنرويج وعمان وروسيا إلى أن وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية في 2008 ثم انهارت وسط الأزمة المالية العالمية والركود، واليوم استجابة لظاهرة الاحتباس الحراري استجابت أوبك ووضعت سياسة بيئية متماسكة، وقد تزايدت قوة أوبك، وستستمر طالما النفط موردا للطاقة.
أنتجت أوبك بلس معا حوالي 59 % من النفط العالمي، أي ما يقارب 48 مليون برميل يوميا للعام 2022، ومن ثم أثرت على توازنات السوق النفط العالمية، وفي أبريل 2023 اتفق أعضاء أوبك بلس على خفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام، وفي 30 نوفمبر اتفقت على خفض 2.2 مليون برميل يوميا في الربع الأول من عام 2024 بما في ذلك تمديد التخفيضات الطوعية من السعودية وروسيا بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا.
اتجهت أوبك بلس بقيادة السعودية إلى إقرار زيادات إضافية للإنتاج ما لم تلتزم الدول الأعضاء بحصص الإنتاج المتفق عليها وفقا لوكالة بلومبرغ، وبالفعل في 3/4/2025 اتفقت ثماني دول من أعضاء أوبك بلس ( السعودية، روسيا، العراق، الإمارات، الكويت، كازخستان، الجزائر، سلطنة عمان) في لندن للموافقة بشكل غير متوقع على المضي قدما في خطتها للتخلص التدريجي من تخفيضات إنتاج النفط من خلال زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا، ووفقا لوكالة رويتزر إن تحالف أوبك قد ينهي التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا بحلول نهاية أكتوبر 2025 إذا لم يحسن كامل الأعضاء التزامهم بحصص الإنتاج المتفق عليها.
زيادة الإنتاج خلال الفترة المقبلة تشير إلى تغير استراتيجي في سياسة السعودية وأوبك بلس من أجل السعي نحو ترسيخ الانضباط داخل تحالف أوبك بلس التي ساهمت في زيادة المخزونات الخام العالمية في الصهاريج البرية وعلى الناقلات في البحر بنحو 150 مليون برميل التي تقود إلى خفض الأسعار، وحتى الدول التي تنتج خارج أوبك الذي يصل إنتاجها أحيانا إلى نحو 60 في المائة من إمدادات النفط العالمية، حتى لو كان إغراق السوق النفطية بالمعروض والتضحية بالأسعار.
نظرة السعودية نظرة استشرافية قد تنجح في إقناع الدول المنتجة خارج أوبك بلس إلى التعاون معها والتنسيق، كما حدث في الماضي في بداية القرن الواحد والعشرين، خصوصا وأن السعودية قد تجاوزت الاعتماد المفرط على واردات النفط، وحققت اقتصادا متنوعا، بجانب انخفاض تكلفة إنتاج النفط السعودي يقل عن 10 دولارات لكل برميل، بينما ترتفع تكلفة الإنتاج في بقية الدول.
أي أن السعودية لديها قدرة على التكيف مع انخفاض الأسعار لفترة طويلة، ووفقا لحسابات رويتزر سترفع زيادة يونيو من المنتجين الثمانية في تحالف أوبك بلس إجمالي الزيادات المجمعة لأبريل ومايو ويونيو إلى 690 ألف برميل يوميا، وهو ما يمثل تخفيضا بمقدار 44ا% من إجمالي التخفيضات المختلفة البالغة 2.2 مليون برميل يوميا والمتفق عليها منذ عام 2022.
تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع الحرب التجارية التي يقودها الرئيس دونالد ترمب وتلقي بظلالها على أسعار النفط التي انخفضت بشكل حاد إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من أربع سنوات، حيث أثارت علامات تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مخاوف متزايدة بشأن الركود وضعف الطلب.
** **
– أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا