أبهرت كتيبة ميشيل سانشيز الجميع في إسبانيا، ودوّت صرخات جمهوره في كل ملاعب الليغا، لكن مسيرة جيرونا المذهلة بين عامي 2023 و2024 لم يكتب لها الاستمرار، وتحول النادي من “إعصار كتالوني” إلى فريق ينافس على البقاء فقط.
جيرونا، المفاجأة السارة لليغا، نافس على الصدارة، وحرّك مشاعر المتابعين، وكانت المعركة أمام ريال مدريد ومنافسته خلال الدور الأول من موسم 2024/2023 فوق التوقعات، لكن بمرور الوقت تراجع الطموح، وتقهقر الفريق وعجز عن تكرار معجزات ديبورتيفو لاكرونيا أو فالنسيا أو فياريال، مكتفياً بالمركز الثالث المؤهل لدوري أبطال أوروبا، ليكون أفضل إنجاز يحقق هو التقدم في جدول الترتيب على أتلتيكو مدريد المُدجج بالنجوم، والذي يُشرف عليه دييغو سيميوني صاحب أعلى راتب بين مدربي الليغا.
تجربة جيرونا خلال 3 أعوام فقط، كانت تجسيد مثالي للفريق الصغير الذي يخطو نحو المجد قبل أن تتصدع الأرض من تحت أقدامه بمجرد التعرض للضغط الإعلامي والجماهيري، والمنافسة على عدة جبهات.
هل دفع جيرونا ثمن تعدد مشاريع سيتي غروب؟
يُعد نادي جيرونا أحد المشاريع الثانوية لـ”مجموعة سيتي لكرة القدم” وهذه النقطة الرئيسية التي أدت لتراجع الفريق على كافة الأصعدة في الموسم التالي لثورته.
يحصل فريق مانشستر سيتي الإنجليزي على الدعم الكامل من المجموعة، سواء من حيث الصفقات أو الدعم الفني والإداري، فضلاً عن تخصيص حصة الأسد من الرواتب والمكافآت للاعبي للفريق السماوي.
وما يُبرهن على تفضيل مانشستر سيتي على جميع المشاريع الأخرى للمجموعة، كان نقل نجم جيرونا في موسمه التاريخي سافينيو إلى كتيبة بيب غوارديولا خلال الميركاتو الصيفي 2024، قبل حتى أن يكمل عامه الثاني رفقة جيرونا الذي لعب معه معاراً من ناد آخر تابع للمجموعة هو تروا الفرنسي.
تستحوذ مجموعة سيتي على أندية عديدة مثل مانشستر سيتي الإنجليزي وجيرونا الإسباني وباليرمو الإيطالي ولوميل يونايتد البلجيكي ونيويورك سيتي الأميركي وتروا الفرنسي، ونادي ملبورن سيتي الأسترالي ويوكوهاما إف مارينوس الياباني ومونتفيديو سيتي تورك الأوروغوياني، بالإضافة إلى مومباي سيتي الهندي وسيشوان جيونوي الصيني.
وبخلاف محاولة المجموعة تحقيق استفادة فنية سريعة من جيرونا بنقل سافينيو إلى مانشستر سيتي، عملت كذلك على تحقيق الربح المادي بالموافقة على بيع هداف الليغا الأوكراني أرتيم دوفبيك لنادي روما الإيطالي بحوالي 30.5 مليون يورو.

ولحق بسافينيو ودوفبيك خارج أسوار الفريق الكتالوني الأحمر، نجم خط الوسط المتميز أليكس غارسيا الذي انتقل إلى باير ليفركوزن الألماني بحوالي 20 مليون يورو.
صفقة أليكس غارسيا تحديداً كانت أشبه بنزع القلب من الجسد. كانت إدارة جيرونا تنتظر المساعدة من مجموعة سيتي للإبقاء على الأعمدة الرئيسية التي ساعدت ميشيل على تصدر الليغا خلال النصف الأول من الموسم الماضي، إلا أن المدرب الواعد تُرك وحيدًا في ساحة حرب من دون ذخيرة.
من باريس إلى قاع الجدول
نفس الفريق الذي وقف نداً للعملاق الفرنسي باريس سان جيرمان في ليلة أوروبية تاريخية، تراه اليوم في المركز 16 من أصل 20، منتزعاً فوزًا وحيداً من آخر 13 مباراة بموسم 2025/2024. ولا يفصله عن الهبوط سوى 3 نقاط فقط.

قد يكون مقبولا خسارة لاعب مثل أليكس غارسيا، الذي أصبح لاعباً لا غنى عنه في باير ليفركوزن، وتلقى استدعاءً دوليًا من لويس دي لا فوينتي مدرب إسبانيا، إذا كانت هناك خطة واضحة لتعويض رحيله بلاعبٍ مميز، وهو ما لم يحدث.
تعاقد النادي مع يانغيل هيريرا وأوريول روميو، لكنهما لم يعوّضا “العقل المفكر”. مجرد محاولة لسد الفجوة مؤقتاً كمن يضع لاصقاً طبياً على جرحٍ مفتوح.
دوفبيك لم يكن مجرد هدافاً يزور شباك المنافسين كثيراً، بل كان مرعباً للدفاعات بقوته البدنية الهائلة. وكان أيضاً يساعد زملاءه بالتحركات التي تخلق لهم فرصاً للتسجيل.
قررت الإدارة تعويض دوفبيك بأبيل رويز، القادم من براغا البرتغالي، وهو لاعبٌ موهوب، لكنه لا يُجيد اللعب في مربع العمليات كما كان يفعل دوفبيك الشرس.

لم يثبت رويز نفسه بعد، ليُجبر الأسطورة ستواني، رغم اقترابه من الـ40، على خوض دقائق أكثر مما تحتملها ساقاه.
وحين تفقد جناحاً خارقاً مثل سافينيو، ثم تُعجز عن إيجاد بديل بمستواه، فأنت تُعلن انهيار جبهة كاملة.
من أجل تعويض سافينيو، تعاقد جيرونا مع أرنوت دانغوما من فياريال، وجلب ياسر أسبريلا بـ18 مليون يورو، وهو رقم قياسي في تاريخ للنادي، لكن النتائج كانت باهتة، فلا تمريرات قاتلة ولا اختراقات ولا شهقات في المدرجات.
فقد الفريق مميزاته الرئيسة مثل البناء من الخلف، وممارسة الضغط العالي على الخصم من منتصف الملعب، واللعب الهجومي المتوحش. أصبح مجرد ظل لما كان عليه.
الدفاع ينقذ جيرونا
المفارقة أن أفضل لاعب في الفريق هذا الموسم المخيب للآمال كان المدافع التشيكي لاديسلاف كريسي، وعندما يصبح قلب الدفاع هو أهم مكسب في منظومة ميشيل التي اعتاد ت الهجوم، فاعلم أن الثورة قد هدأت، وأن البركان قد خمد.

جيرونا لم يكن جاهزًا للمشاركة في أكثر من بطولة، والكفّة اختلت مع الإصابات، والدكة لم تصمد، والمعنويات سقطت، وبدلًا من الضغط للأمام كما اعتاد الفريق، أصبح يخشى المرتدات، يخشى الخطأ، يخشى التقدُّم.
في لقائه الأخير أمام ريال بيتيس خسر الفريق (3-0) والأهداف جميعها جاءت في الشوط الأول فقط، وبدا واضحاً أن جيرونا نسي كيف يهاجم وكيف يدافع.
ازدادت حسرة الجمهور الذي بات يتساءل أين ذهب الجنون الجميل؟ أين ميشيل الذي هاجم برشلونة وريال مدريد دون خوف؟
احتفت بصمته، وبات الفريق الآن يعيش على أطلال الماضي القريب.