في ظل التحولات التكنولوجية والاجتماعية والثقافية الكبرى التي يشهدها العالم، أصبحت المتاحف اليوم حارسة للتراث وحريصة على تثمين ونقل المعارف والقصص والروايات التي تشكل الهويات والثقافات.
فبين التقاليد والابتكار، تبرز المتاحف كفاعل رئيسي في النهوض بالحقل الثقافي، من خلال الانفتاح على مختلف الرؤى الثقافية وتشجيع ظهور أخرى جديدة، والمساهمة في بناء ثقافات مشتركة تتسم بالتنوع والانفتاح على العالم.
وفي هذا السياق، يشكل اليوم العالمي للمتاحف، الذي ي حتفى به اليوم الأحد، 18 ماي، تحت شعار: “مستقبل المتاحف في مجتمعات سريعة التغيير”، مناسبة لتسليط الضوء على الأدوار المتعددة التي تضطلع بها هذه المؤسسات الثقافية داخل مجتمعات تعيش على وقع تغيرات متسارعة.
كما تمثل هذه المناسبة دعوة للمجتمع الدولي لإعادة التفكير في وظيفة المتاحف في ظل التحديات الراهنة، لا سيما المرتبطة بالإدماج الاجتماعي، والولوج المنصف إلى الثقافة، وتثمين التعددية التراثية، وكذا إدماج التكنولوجيا الحديثة.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بهذه المناسبة، أكد رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، مهدي قطبي، أن المتاحف أضحت فاعلا أساسيا في نقل التراث الثقافي في عالم متغير، بالنظر إلى دورها البارز في التوعية والتربية، خاصة في صفوف الأجيال الناشئة.
وقال إن “المتاحف اليوم مدعوة للتكيف مع التطورات الاجتماعية والتكنولوجية، مع الاستمرار في الاضطلاع بدور أساسي كمساحة للتفكير والتبادل والحوار حول الرهانات المعاصرة”.
وأبرز السيد قطبي أنه “منذ إحداثها في 2011، ساهمت المؤسسة الوطنية للمتاحف بشكل مستمر، من خلال هذه المساحات، في خلق منظومة ثقافية نابضة بالحياة وجذابة، من أجل بناء الجسور بين الأجيال وضمان بقاء التراث المشترك للمملكة مصدر إلهام للمستقبل”.
وفي ما يتعلق بالمكانة الهامة للمتاحف في الثقافة بالمغرب، أشار رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف إلى أن المملكة حققت تقدما كبيرا في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الذي وضع الثقافة في قلب المشاريع الاستراتيجية التي أطلقها في البلاد.
وأكد أن المؤسسة تضع الحفاظ على التراث وتثمينه في صميم أولوياتها، لاسيما من خلال تجديد وافتتاح العديد من الفضاءات المتحفية في مختلف مدن المملكة، بالإضافة إلى فضاءات دينامية يتجدد فيها التاريخ والتراث والثقافة وتعيد ابتكارها باستمرار.
من جهة أخرى، أكد السيد قطبي أن المؤسسة ملتزمة بجعل تجربة المتحف أكثر سهولة وتفاعلية بالنسبة للشباب، موضحا أن هذا الجيل الجديد يمثل هدفا ذا أولوية توليه المؤسسة اهتماما خاصا، بهدف تعزيز نموه الثقافي.
وأكد أنه بالموازاة مع ذلك، فإن المؤسسة الوطنية للمتاحف تشجع المشاركة النشطة للشباب من خلال إقامة ورشات بيداغوجية وجولات إرشادية عبر تقديم أدوات الوساطة المناسبة.
وأضاف أن هذه المبادرات تحفز الاهتمام بالثقافة وتعزز الشعور بالفخر والانتماء، وتشجعهم على لعب دور فعال في الحفاظ على المتاحف.
وبخصوص الاستراتيجيات التي يتم تنفيذها لتعزيز إدماج التكنولوجيا الحديثة في المتاحف، أوضح السيد قطبي أن المؤسسة تدمج التقدم التكنولوجي لإثراء التجربة المتحفية للزائرين، مع الحفاظ على الأصالة والقيمة العاطفية للأعمال المعروضة.
وبحسب رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، فإن التكنولوجيا الواعدة تمكن من الاستكشاف المعمق دون المساس بالوجود المادي للأشياء المعروضة.
وقال إنه “بفضل جهود المؤسسة، أصبحت التكنولوجيا أيضا رافعة هامة لفهم التراث بشكل أفضل، مع الحفاظ على أصالته وتعزيز نقل المعرفة”.
ومهما يكن من أمر، فإن المؤسسة الوطنية للمتاحف عازمة، في خضم عالم يتطور باستمرار، على التجديد والبقاء في طليعة الممارسات المتحفية.
يذكر أن اليوم العالمي للمتاحف، الذي تم إطلاقه بمبادرة من المجلس الدولي للمتاحف في 1977، يهدف إلى تحسيس الجمهور بدور المتاحف في التبادل الثقافي وتسليط الضوء على أهميتها كمؤسسات في خدمة المجتمع وتطوره.