نايف عازار
نداء الوطن
فنتنياهو لا يشعر حتى الآن بضغط أميركي كبير يرقى إلى حد إرغامه على كبح جماح الحرب، فقاطن البيت الأبيض، وإن كان يدعو حليفه اليميني في تل أبيب إلى وضع حد للحرب، والركون إلى حل تفاوضي ينتهي باتفاق لتبادل الأسرى، إلا أنه لم يحدد بعد مهلة زمنية للحرب الإسرائيلية على غزة، بمعنى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يطلق العنان ليد نتنياهو إلى أجل غير مسمّى، بينما كان الرؤساء الأميركيون السابقون يقيّدون صناع القرار في تل أبيب بمهلة زمنية محددة في حروبهم مع الدول العربية، وبذلك لم تكن حروب الدولة العبرية في الماضي تتخطى الأسابيع القليلة، بينما الآن تقترب الحرب على غزة من بلوغ شهرها العشرين وهي مرشحة أن تطول، لأن “الستاتيكو” القائم راهناً، لا يَشي بأنه قابل للتبدّل في المدى المنظور.
وقف حمام الدم
في خطوة ترمي إلى لجم الغضب العارم لبعض قادة “القارة العجوز”، أذن نتنياهو بدخول عدد شحيح من شاحنات الإغاثة إلى القطاع الجائع والمقطّع الأوصال، إلا أنها ليست كافية على الإطلاق. فالقطاع الذي كانت تدخله حوالى 500 شاحنة يومياً قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، لن تكفيه اليوم بضع شاحنات، في وقت تعتبر فيه تل أبيب أن إدخال المساعدات من شأنه السماح لحركة “حماس” بالتقاط أنفاسها، والتشدّد أكثر في مفاوضات الدوحة، التي يبدو أنها تدور في حلقة مفرغة حتى الآن، رغم الجهود القطرية والمصرية والأميركية المضنية، الساعية إلى دفعها قدماً، وإلى وقف حمام الدم في القطاع المنكوب والذي يفرغ تدريجياً من سكانه الأصليين.
حرب سياسية – شخصية
بعض الأقلام العبرية انتقد مواصلة نتنياهو الحرب ووضعها في خانة الحسابات السياسية الشخصية، فيما جزم بعضها الآخر أن أحد أسباب استمرارها يبقى الضوء الأخضر الأميركي الممنوح حتى الآن للحكومة الإسرائيلية.
صحيفة “هآرتس” كتبت في إحدى افتتاحياتها أن قرار نتنياهو في شأن تجديد المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، أرغمه على شنّ حملة “توضيحية” تهدف إلى تهدئة جمهور ناخبيه، أولئك الذين وُعِدوا بعقاب جماعي على شكل تجويع. أضافت الصحيفة أن “بيبي” ليس من طينة مَن يخيّب آمال ناخبيه من دون أن يعِدهم بمقابل هجومي. فعلى الفور، وبعد إعلانه إدخال المساعدات، أوضح أن “خطة الحرب والنصر” هي في الواقع “السيطرة على غزة بالكامل”.
رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت كتب في الصحيفة عينها أن “الحكومة الحالية تخوض راهناً حرباً عديمة الجدوى، بلا هدف، أو تخطيط واضح، ومن دون أيّ احتمال للنجاح”. وأضاف أنه “منذ تأسيسها، لم تبادر إسرائيل قط إلى شن حرب من هذا النوع، وبهذا سجّلت زمرة المجرمين التي يتزعمها نتنياهو سابقة لا مثيل لها في تاريخ الدولة”. واعتبر أن ما يجري في غزة لا علاقة له بأيّ هدف مشروع من أهداف الحرب، إذ تُرسل قيادة الدولة قيادة الجيش، التي يطيعها مقاتلونا، للتخبط في أحياء مدينة غزة وجباليا وخان يونس، في تحرُّك عسكري غير مشروع. وختم أولمرت: “إنها الآن حرب سياسية – شخصية، ونتيجتها المباشرة تحويل القطاع إلى منطقة كارثة إنسانية”.
الصحافي رون بن يشاي رأى في “يديعوت أحرونوت” أن المحادثات في الدوحة لم تصل فقط إلى طريق مسدود، بل إن الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش في القطاع، فقد كثيراً من فعاليته، فالعائد النسبي من كل “جهد عملياتي” إضافي يتناقص باستمرار. وأضاف أن “حماس”، التي باتت يائسة ومتطرفة، تستعدّ لمواصلة حرب عصابات، وهي تُبدي حساسية متناقصة تدريجياً حيال معاناة السكان. واعتبر بن يشاي أن هناك احتمالاً جيداً لأن يُفضي الضغط العسكري إلى نتائج، إذا استمرّ بقوة متصاعدة بضعة أشهر إضافية، لكن في تلك الفترة، هناك احتمال لمقتل بعض الأسرى والجنود، والساعة العسكرية باتت تعمل ضد إسرائيل.
الكاتب في “يسرائيل هيوم” يوفال بلومبرغ اعتبر أن أهم اعتبار بالنسبة إلى بلاده يبقى دعم الولايات المتحدة لجهود الحرب التي تخوضها إسرائيل، وأنه من دون هذا الدعم، أي إذا قرّرت واشنطن معارضة استمرار الحرب، فإنها ستتوقف في صباح اليوم التالي، حتى لو لم تحسم إسرائيل المعركة ضد “حماس”.