وسط تصاعد التهديدات المناخية وتفاقم ندرة المياه، شهدت مدينة أكادير يومي 28 و29 ماي 2025 انطلاق أشغال المؤتمر الدولي “التحلية 2.0: الانتقال الطاقي في صلب مستقبل الماء بالمغرب وغرب إفريقيا”، بحضور أكثر من 750 مشاركا، من وزراء وخبراء وممثلين عن دول إفريقية، ومهندسين، ومستثمرين، وصناعيين.
المؤتمر، المنظم من طرف الفيدرالية الوطنية للكهرباء والإلكترونيات والطاقات المتجددة (فينيليك)، بشراكة مع الشركة الجهوية المتعددة الخدمات سوس ماسة (SRM-SM) ووزارتي التجهيز والماء، والانتقال الطاقي، وبدعم من وزارة الصناعة والتجارة والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE)، جاء في إطار خارطة الطريق الثلاثية لترويج صادرات قطاعات “فينيليك” للفترة 2025-2027.
هذا الحدث الدولي لم يكن مجرد مؤتمر تقني، بل كان منصة لإعادة رسم خريطة السيادة المائية للمغرب والدول الإفريقية جنوب الصحراء، عبر رهانات طموحة لتحلية مياه البحر بالطاقات المتجددة وتطوير تقنيات متقدمة تجعل من الماء ثروة مدارة بكفاءة واستشراف.
SRM-SM .. دينامية جهوية في قلب السيادة الوطنية على الماء
من بين أبرز الفاعلين الذين برزوا خلال هذا المؤتمر، الشركة الجهوية المتعددة الخدمات سوس ماسة (SRM-SM)، التي لم تكتفِ بدور الشريك المؤسسي، بل أكدت حضورها كفاعل عملي واستراتيجي في تنزيل مشاريع التحلية على أرض الواقع.
فهي تضطلع بمهمة القيادة التقنية والإدارية لمشروع “المونوبلوكات” الوطني لتحلية المياه، وهي مبادرة استراتيجية تسعى إلى تجميع وتوحيد جهود تزويد عدد من المناطق المغربية بالماء الصالح للشرب، في إطار مقاربة تجمع بين الحكامة الجهوية، والفعالية الطاقية، والعدالة المائية.
هذا الدور يكرّس موقع SRM-SM كمؤسسة قاعدية في تنفيذ خارطة الطريق الوطنية المائية، خاصة في جهة سوس ماسة التي تعاني من ضغط مائي حاد. وهي تعمل حاليا على تطوير مشاريع ذات بعد مستقبلي، تعتمد على الطاقات المتجددة وتقنيات حديثة، مما يجعلها نموذجًا لمؤسسة عمومية جهوية فاعلة ومتجذرة في المجال الترابي.
تحلية 2.0: التكنولوجيا في خدمة الأمن المائي
المؤتمر استعرض مفهوم “تحلية 2.0″، الذي لا يقتصر على بناء محطات، بل يرتكز على إدماج أحدث الابتكارات العالمية: من الأسموز العكسي المطور، إلى الذكاء الاصطناعي والأنترنت الصناعي للأشياء (IIoT)، لتأمين مراقبة لحظية لمنظومات الإنتاج والتوزيع، وتقليل الهدر، ورفع المردودية.
محطات مثل الداخلة، التي تشتغل بالكامل بطاقة الرياح، أو مشروع الدار البيضاء المنتظر أن يصبح الأكبر على مستوى إفريقيا بطاقة إنتاجية تبلغ 300 مليون متر مكعب سنويًا، تمثل ترجمة عملية لطموحات المغرب في هذا المجال.
الاستثمار في الشباب والتدوير: من الماء إلى التنمية الشاملة
الورشة سلطت الضوء أيضًا على البعد الاجتماعي والاقتصادي لتحلية المياه، عبر نماذج تمويل مبتكرة، وتعزيز تكوين الكفاءات المغربية في مهن الماء، وتقنيات تدوير النفايات الناتجة عن التحلية، وعلى رأسها الاستغلال الصناعي للـ”السُّمور”(brine)، بما يحول هذه العملية من مجرد معالجة للمياه إلى رافعة للتنمية الصناعية.
منصة للحوار الإقليمي وشراكات جنوب–جنوب واعدة
أكدت SRM-SM من خلال حضورها ومداخلاتها، أن تحلية المياه لم تعد مجرد استجابة لحاجة ظرفية، بل أضحت أفقًا استراتيجيًا للتنمية الجهوية والتموقع الإقليمي.
ومن خلال استقطابها لشراكات إفريقية جديدة في المؤتمر، وفتحها لقنوات التعاون مع بلدان مثل السنغال، وموريتانيا، وساحل العاج، وغينيا، أعادت الشركة التأكيد على أن سوس ماسة ليست فقط جهة متعطشة للماء، بل أيضًا جهة مصدّرة للحلول.
وبالمجمل، أظهر مؤتمر “تحلية 2.0” أن المغرب لا يكتفي برصد أزمة الماء، بل يعمل بذكاء لتحويلها إلى فرصة وطنية للتحديث، وجسراً للتعاون مع الجوار الإفريقي.
سعيد أهمان