إن أحداث الساحل السوري هي الأعنف منذ سقوط نظام بشّار الأسد، وإن كانت الانتهاكات التي حصلت سابقاً قد وضعت في إطار الممارسات الموضعية والثأرية نتيجة الفوضى العارمة بعد تركة الحرب وحكم الأسد، فإن اشتباكات الساحل الأوسع والأولى من نوعها، ووجب إعطاؤها المعيار الحقيقي، وشهدت مجازر اعترفت بها الإدارة السورية التي قالت إن عناصر “غير منضبطين” من الأمن العام ارتكبوا انتهاكات، ووعدت بالتحقيق بالحوادث.
المشهدية طرحت السؤال الأبرز: هل سيتكرر المشهد في مناطق أخرى في سوريا حيث تعيش مكونات مذهبية مختلفة؟ ولأن السويداء كانت في صدارة المشهد في الأسابيع الأخيرة، فهل تشهد المحافظة والانتشار الدرزي عموماً أحداثاً مشابهة؟
تتحدّث مصادر متابعة لـ”النهار” عن المشهدية في الساحل، وتشير إلى بعدين مؤثرين في الأحداث، وهما “تحركات مشبوهة أطلقتها فلول نظام الأسد بإيعاز من إيران وماهر الأسد، والمنحى الثأري لكون العلويين كانوا السلطة الحاكمة في سوريا التي ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق السوريين”، وبرأي المصادر، فإن هذين العاملين غير متوافرين عند مكونات أخرى، والمقارنة “غير موضوعية”.
من جهته، يتحدّث مدير تحرير موقع “السويداء 24” ريان معروف لـ”النهار”، ويؤكّد أن الواقع في الجنوب السوري مختلف عن الساحل، ويشير إلى أن “التوترات المجتمعية بين الدروز وجيرانهم كانت محصورة جداً”، وفي هذا السياق، لا بد من الاستذكار أن الدروز غير متورّطين بجرائم ضد الشعب السوري واشتباكاتهم كانت مع “داعش” وبعض العشائر وتجّار المخدرات.
وتتابع المصادر حديثها عن الواقع الدرزي في سوريا والتنسيق مع الإدارة، فتشير إلى أن “الاتفاق كان في جرمانا على التعاون مع الإدارة السورية، والإشكال الفتنوي الذي حصل تم تطويقه، واستكمل الاتجاه نفسه وكانت أبرز نتائجه تعيين ضابط مدير ناحية الشرطة في المنطقة من الضباط الذين اقترحوهم أهالي جرمانا، في إشارة إلى العلاقة الإيجابية بين الطرفين”.
وتكشف المصادر عن معطيات إضافية فتقول إن “اتفاقاً عقد بين الإدارة الجديدة وأهالي جرمانا على تطويع مجموعة من شبّان المنطقة بالأمن العام والضابطة العدلية في جرمانا، وهذه أيضاً إشارة إضافية”، وتتحدّث عن السويداء لتقول إن “العلاقة إيجابية ولم يسجّل أي إشكال أو توتر بين الإدارة السورية والأهالي أو الفصائل، وبالتالي لا مبرّرات أو إشارات توحي باحتمال تكرار مشهدية الساحل”.
وفي حديث لـ”النهار”، يعدّد معروف عوامل محورية تحول دون وقوع اشتباكات مذهبية بين الدروز والإدارة السورية الجديدة، على رأسها “اعتماد الحوار”، وخطوط التواصل مفتوحة على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية، وفق المصادر التي تقول إن الدروز أمام فرصة “تاريخية” للمشاركة في صناعة مستقبل سوريا في ظل انفتاح الإدارة الجديدة عليهم.
لكن سؤالاً يطرح عن العامل الإسرائيلي في حماية الدروز، بعد زعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حمايتهم. المصادر ترد وتكشف عن تسريبات للمجلس العسكري في السويداء المقرّب من إسرائيل، قيل فيها إن “المسيّرات الإسرائيلية ستحمي أهالي جرمانا خلال الإشكال الذي حصل، لكن تبيّن أن لا حماية ولا مسيّرات، والاتفاق بين جرمانا والإدارة منع الفتنة وليس إسرائيل”.
لكن معروف يشير أيضاً إلى أن “الإدارة الجديدة قد تكون حذرة أيضاً بالتحرّك في جنوب سوريا إثر هذه التهديدات الإسرائيلية”، في حين يقول مراقبون إن “إسرائيل قد تستفيد من أي إشكال يحصل في الجنوب السوري بين الإدارة وأي من المكونات للتدخّل واحتلال المساحات”.
وفي الإطار، فإن المصادر تتخوّف من دور كردي في السويداء وسوريا عامةً لخلق نوع من الفوضى و”الفتنة المذهبية” بين المكوّنات السورية للاتجاه نحو التقسيم أو الفيديرالية، وتشير المصادر إلى أن “دعم الأكراد للمجلس العسكري في السويداء المدعوم إسرائيلياً أمر مشبوه وقد يكون هدفه إحداث فتنة”، وتكشف المصادر عن تواصل تم مع “قسد” وتمنٍّ “لعدم التدخّل بشؤون السويداء”.
في المحصّلة، فإن نموذج أحداث الساحل السوري لا يمكن تعميمه على كافة المناطق والمكونات السورية، لأن لها سرديتها الخاصة، ولا إشارات توحي بأن المشهدية قد تتكرّر بين الدروز والإدارة السورية الجديدة وفق المعطيات الحالية التي تشير إلى علاقة إيجابية بين الطرفين.