وأخيرًا، تخرج حقيقة تاريخية عبر لسان أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، حول ما يحصل في غزة. وبما أنه لا يملك أي سلطة لمعاقبة مجرمي الحرب، فهو يدعو إلى وقف عاجل لإطلاق النار. وبذلك، يقتصر دوره على دور الحاخام المتباكي، أو الإمام العاجز، أو الكاهن العاجز، الذي يتضرع إلى الله في صلواته لوقف هذه الإبادة الجماعية. سيد غوتيريش، لقد حان الوقت لإغلاق نادي التهاون.
يقول البروفيسور عمر شعلال إن “صوت الأقوياء في نادي الأمم المتحدة، يصمت عندما تُذكر الجرائم في رواندا ويوغوسلافيا السابقة وغزة. ولكنه من ناحية أخرى، يصدح بأعلى ما يكون، ويندد عندما يتم الهمس بالكاد، حول الإبادة الجماعية في “أوشفيتز.”
“إنه العفن السياسي الذي يلوث عالمنا! لا شيء من الأخلاق! لا مزيد من التعليم والقيم ومبادئ الإنسانية!” يصرح الباحث، مضيفًا أن “المتوحشين اللاإنسانيين يسعون إلى إنشاء ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بالقنابل والصواريخ”. نظام عالمي جديد يصفه بـ”الغريب”، بحيث “تشكّله ضوضاء الأسلحة، والأفيون السياسي”.
إن الصور المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي “تصف بوضوح مستقبل هذا العالم، وتُظهر الخطوط العريضة المحتملة لمستقبل غامض للأطفال الأبرياء”. ما الذي يمكن أن يكون أكثر دلالة من ذلك؟ “في غزة، جثث تحت الأنقاض وأطفال مدفونون أحياء تحت الأنقاض الإسمنتية”، يتساءل الباحث.
في صمت الجريمة الذي يصم الآذان، يحاول من يُسمى ببطل الحرب القذرة، وهو “رفائيل جيروسالمي”، ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية لـ”إسرائيل”، أن يقنع الرأي العام العالمي بأن الحرب التي يشنها نتنياهو وأزلامه نظيفة وعادلة. وهو لا يخجل من الاعتراف بالحرب القذرة التي يشنها: “لم يحدث في التاريخ العسكري البشري أن اتخذ جيش في أي وقت من الأوقات كل هذه الاحتياطات لتجنيب المدنيين في منطقة القتال. جيش يتنقل مع الحاضنات وصناديق الإسعاف لإنقاذ الأطفال الفلسطينيين”.
يعلّق البروفيسور شعلال على مثل هذه التصريحات بالقول: “إن لكل ثقافة ولكل حضارة عبقريتها الخاصة، ولكن لا يمكن لأي منها أن تكون بلا ديون للآخرين”. ويضيف: “على قادة هذا العالم أن يتقبلوا الفرق، وأن يعلموا أن الضمير الملوث بالشهوات لا يمكن أن يسلم نفسه، والحكمة المضطربة بالجهل لا يمكن أن تتطور إلى حضارة إنسانية”.
يحيل الباحث إلى تصريحات قديمة للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، بالقول: “لو لم تكن “إسرائيل” موجودة، لوجب خلقها”. ويذكّر بوزير الثقافة الصهيوني المتطرف “عميحاي إلياهو” الذي قال إن “”إسرائيل” تريد إطلاق قنبلة ذرية لإبادة أطفال غزة”.
لا يجد البروفيسور عمر شعلال حرجًا في القول إن “تطبيق قواعد القياس المنطقي يجعل ممكنًا القول إن كل الصهاينة مجرمون، وبايدن وعميحاي صهيونيان؛ وبالتالي فإن بايدن وعميحاي مجرمان”. ومن خطابات هؤلاء المجرمين “نستنتج أن كل نظام سياسي يعكس الطبيعة البغيضة لقادته، فنتنياهو وعميحاي ليسا سوى الجزء الظاهر من نظام الدولة العميلة التي أنشأها الغرب”.
يضيف الباحث أن “هذه الدولة المسماة بالديمقراطية المزعومة، مليئة بالفساد وتديرها المافيا المالية، بحيث أن أكثر من 35% من دخل الدولة يأتي من قطاع الصناعة التكنولوجية”. ويشير إلى أن قطاع التكنولوجيا الفائقة “تأتي مصادره من صناعات غير شريفة أو احتيالية – المقامرة عبر الإنترنت، استغلال البيانات الشخصية”.
حسب الباحث، فإن “جميع شركات تكنولوجيا الدفع والتسويق والإعلان، تعمل لصالح صناعات مشبوهة أو احتيالية”، و”تُستخدم أموال هذه الصناعات في زعزعة الاستقرار السياسي لبعض الدول”، مذكّرًا في هذا السياق بأن “تاريخ الربيع العربي لم يعد سرًّا”، فقد جرى، حسب تعبيره، “تمويل العديد من الاضطرابات في المنطقة من قبل الدوائر “الإسرائيلية”.” ويشير ساخرًا إلى أن “تبرير الإرهاب والخراب يتكفله الإعلام الغربي المتملق و”الفيلسوف” برنار هنري ليفي، كشرطي خبير يدير بأخلاقه الاستثنائية تدفّق الأموال غير النزيهة التي تغطي كل تكاليف الجرائم “الإسرائيلية”.”
في عالم بلا ضمير، تُدار تكنولوجيا الأسلحة عبر أدوات الذكاء الاصطناعي (مثل برنامج لافندر)، وتُزهق الأرواح، وتُقتل الحياة والعقل والضمير الإنساني. وفي عالم تُدرج فيه أوامر تقليص مساحات التعبير وإغلاق الأفواه ضمن جدول أعمال صندوق النقد الدولي، تصبح الحياة كابوسًا انتحاريًّا.
يرى البروفيسور شعلال أن “سياسة الأمر الواقع تُجبرنا اليوم على القبول بالهيمنة، وعلى الاستعداد لعبادة الشياطين، وتقبل دماء الفلسطينيين على معبد الصهيونية وهيكلها المزعوم”. وفي هذا الواقع، “يخشى أطفالنا على مستقبلهم حين يرون إخوتهم في الإنسانية يُقصفون ويُدفنون أحياءً على يد من تغنّوا بحقوق الإنسان والديمقراطية”.
وبعبارة أشد، يضيف شعلال: “تلوّن الحرب الأحداث السياسية وتعكس فعل الإرهاب في عالم ملوّث بالفساد والانحلال الأخلاقي.” ويشير إلى مفهوم “الإرهاب الأبيض”، في إشارة إلى مذابح الجيوش البيضاء خلال الحرب الأهلية الروسية، و”الإرهاب الأحمر” الذي ارتكبته ميليشيات الشيكا والجيش الأحمر (الشيكا كانت المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية في بداية الثورة الروسية)، و”الإرهاب الأسود” الذي يشير إلى مجازر 8 مايو 1945 في شرق الجزائر حين ذُبح أكثر من 45 ألفًا على يد الجيش الفرنسي.
اليوم، يصرح الباحث: “تعطي نجمة داود بين الخطين لونًا جديدًا للإرهاب: إنه الإرهاب الأزرق.” ويضيف: “هذا هو الإرهاب الذي يذبح الأبرياء ويدفن الأطفال أحياءً في غزة.”
يصف شعلال عصابات الجيش الصهيوني بأنهم “شياطين السبت”، ممن “يدمرون المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، ويقصفون الأطفال الرضّع”، في ظل رأسمالية متوحشة وصهيونية عالمية تفرض علينا الصمت واللامبالاة.
يتأسف البروفيسور شعلال لأن “الصمت واللامبالاة أصبحا من علامات الحضارة الحديثة”، مضيفًا أن “بعض السذج يظنون أن الولايات المتحدة لم تكن يومًا متواطئة في الإبادة الجماعية.” واليوم، “يشهد أغلب الناس أن الولايات المتحدة تشجع “إسرائيل” على ارتكاب الإبادة الجماعية.”
ويتابع: “من المؤسف أن بعض المثقفين الزائفين لا يزالون يتغنون بحوار الحضارات، في حين تصدح أصوات من كيان الأكاذيب بعكس ذلك.” فالمسألة، بحسبه، “ليست إلا حرب حضارات”، حيث “لن ترى أي دولة فلسطينية النور، وستظل “إسرائيل” تحتفظ بالسيطرة الأمنية من الأردن إلى البحر”، كما صرح نتنياهو.
في هذه اللحظات الكئيبة، “يتحول العالم إلى مكان حقير”، والدماء تسيل في غزة منذ أشهر، وربما لوقت أطول. “دماء الشهداء وصرخات الأطفال شاهدة على الجريمة ضد الإنسانية التي تُرتكب في غزة، أمام أعين من يسمون أنفسهم متحضّرين.”
وفي هذه الدراما اللا إنسانية، يقول الباحث: “تتأكد “إسرائيل” من أن من لم يُقتل في الهجمات سيموت لاحقًا، لأن المستشفيات دُمرت والجوع المفروض ينهش الأجساد.” ويختم البروفيسور شعلال مؤكدًا أن “الجوع والخوف والمعاناة لم تعد مصدر خجل، لأن ابتسامة نتنياهو الإجرامية، التي تغذي الحقد والعدوان، تعبّر عن شيطانية روحه”، و”هكذا هم قادة القتل في ذلك الكيان”.