الصويرة تتفوق… ولكن إلى أين؟
مرة أخرى، تألقت الصويرة في امتحانات البكالوريا، حيث تصدرت نتائج جهة مراكش آسفي بنسبة نجاح بلغت 86,75% في صفوف الممدرسين، لتؤكد دينامية تعليمية متواصلة منذ سنوات.
لكن خلف هذه الأرقام اللامعة، يختبئ تحدٍ هيكلي عميق: غياب نواة جامعية عمومية بالإقليم. هذا الفراغ يضطر مئات التلاميذ إلى الهجرة نحو مدن أخرى لمتابعة دراستهم، ما يثقل كاهل الأسر بتكاليف إضافية ويعرض الطلبة لصدمات اجتماعية ونفسية.
بعضهم يضطر للتوقف عن الدراسة نهائيًا، رغم معدلات النجاح المرتفعة. المدينة، بثقلها الديموغرافي الموزع على 57 جماعة، ما تزال محرومة من الحد الأدنى من التعليم العالي، في مفارقة صارخة بين أداء التعليم الثانوي وفقر العرض الجامعي.
الآباء والأمهات يطالبون بتدخل عاجل لإحداث نواة جامعية تحفظ هذا الزخم التربوي وتتيح لشباب المدينة فرصة بناء مستقبلهم دون مغادرة إقليمهم. الصويرة اليوم ليست فقط نموذجًا في نتائج الباكالوريا، بل أيضًا في أزمة هيكلية تستوجب حلاً تنموياً عاجلاً.
أمينة روشدو.. من بلدة “تراست” المتواضعة إلى قمة المجد من بلدة تراست المتواضعة إلى قمة المجد الدراسي، تربعت أمينة روشدو على عرش البكالوريا بجهة سوس ماسة بحصولها على أعلى معدل: 19.48/20 في شعبة العلوم الفيزيائية خيار فرنسية.
أمينة، ابنة مؤسسة “قلب الحكمة” بأكادير، تحدّت التوقعات وأثبتت أن الطموح لا تحدّه الجغرافيا. بدعم أسرتها ومواكبة الأطر التربوية، صنعت هذا الإنجاز في صمت وإصرار.
في تصريحها، عبّرت عن رغبتها في متابعة دراستها في كليّة الطب أو الهندسة، مؤكدة أن هذا التفوق ليس نهاية، بل بداية طريق أطول. ورغم أن نسبة النجاح الجهوية بلغت 61.21% فقط، فقد تميزت الجهة بتحقيق أزيد من 57% من الناجحين بميزة، ما يعكس جودة التحصيل لدى نخبة من التلاميذ. النجاح لم يكن حكرًا على الممدرسين فقط، إذ سجلت الجهة نجاح 87 مترشحًا في وضعية إعاقة و18 نزيلاً من المؤسسات السجنية، في صورة ملهمة عن قوة الإرادة. أمينة روشدو، اليوم، لا تمثل فقط نفسها، بل ترمز لجيل يصرّ على أن يصنع الفرق، مهما كانت ظروفه الاجتماعية أو الجغرافية.
إفران: نسب متباينة… ورسائل من الهامش
كشفت نتائج البكالوريا بإقليم إفران عن تفاوت صارخ في الأداء بين المؤسسات التعليمية. من ثانويات حققت نسب نجاح تفوق 95%، مثل تيمحضيت وسيدي المخفي، إلى أخرى عانت من نتائج هزيلة، مثل ثانوية محمد الخامس بأزرو. هذا التفاوت يعكس هشاشة البنية التعليمية وتباين الدعم التربوي بين الحواضر والقرى، ويطرح تساؤلات عن العدالة المجالية في توزيع الفرص التعليمية. بعض المدارس الخاصة مثل “أجيال الأطلس” و”الشيماء” سجلت نتائج مشجعة، ما يدل على تأثير الموارد والبنية التحتية في تحسين الأداء.
لكن الإشكال الأعمق يظل في استمرار مظاهر الهدر المدرسي، والغياب عن الامتحانات، والانقطاع المتكرر عن الدراسة بسبب الفقر، أو ضعف الدعم التربوي. التقرير يوصي بتدخلات مركّزة، منها تحسين البنية التحتية، وتوفير الدعم التربوي والنفسي، وتقديم مساعدات مالية للمتعلمين من الأسر الفقيرة.
نجاح البعض لا يجب أن يغطي إخفاق الأغلبية. فالأرقام تقول إن 524 تلميذًا سيخوضون الدورة الاستدراكية، و56 لم يتمكنوا حتى من اجتياز العتبة.
إفران، بهذا التباين، تمثل صورة مصغرة من المدرسة العمومية: وعود ومجهودات، ولكن أيضًا اختلالات تحتاج لقرارات جريئة وإرادة سياسية. عمر الحريري.. ابن الجديدة يعتلي قمة الوطن من مدينة الجديدة، كتب التلميذ عمر الحريري اسمه في سجل المجد بحصوله على أعلى معدل في البكالوريا 2025 على الصعيد الوطني: 19.61 في شعبة العلوم الرياضية – خيار فرنسية.
تلميذ مؤسسة “الملاك الأزرق”، البالغ 17 سنة، أكد أن النتيجة لم تكن صدفة، بل حصيلة عام من الاجتهاد والدعم الأسري والمؤسساتي. نجاحه خلق حالة فخر داخل مؤسسته، واعتبره الجميع تتويجًا لجهود جماعية شارك فيها المدرسون والإداريون، إلى جانب تفاني الأسرة. في المقابل، أظهرت النتائج الجهوية للجديدة أن النجاح لم يكن عامًا، بنسبة 59.32% فقط، أي أقل من المعدل الوطني الذي بلغ 67.86%. الفوارق بين الذكور والإناث بدت واضحة أيضًا: 71.3% من الإناث نجحن مقابل 61.8% من الذكور، مما يعيد طرح أسئلة حول الدعم النفسي والبيداغوجي الموجه للذكور تحديدًا. نتائج عمر، مثلها مثل قصص النجاح الأخرى، تمثل أملًا للمغرب في مستقبل علمي واعد، لكنها تُخفي خلفها حاجة ملحة لإصلاح عميق يضمن تكافؤ الفرص لجميع التلاميذ، لا سيما في التعليم العمومي.