في مشهد بات يتكرر على نحو مقلق، شهدت المتاحف الأوروبية خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الاعتداءات المتعمدة على لوحات فنية شهيرة، من قبل نشطاء بيئيين أو محتجين سياسيين، أو حتى سائحين مهملين يرغبون فى التقاط سيلفى، ما أثار جدلًا واسعًا حول حدود التعبير، وحماية التراث، وأمن المؤسسات الثقافية في أوروبا.
من باريس إلى لندن وبرلين، لم تسلم أيقونات الفن الكلاسيكي من هجمات متعمدة، بعضها باستخدام الطلاء أو المواد الغذائية، في محاولات لافتة للأنظار نحو قضايا المناخ أو العدالة الاجتماعية، دفعت إدارات المتاحف إلى تشديد إجراءات الأمن بشكل غير مسبوق.
و دعا متحف “بالازو مافي” في مدينة فيرونا الإيطالية زواره إلى احترام الأعمال الفنية بعد أن حطم زوجان أحد المعروضات النادرة خلال محاولة لالتقاط صور تذكارية، في واقعة وُصفت بأنها “كابوس لكل متحف”.
وأظهر مقطع فيديو نشره المتحف حديثا حادثة وقعت في أبريل الماضي، حين اقترب رجل وامرأة من عمل فني بعنوان “كرسي فان غوخ”، وهو منحوتة هشة أبدعها الفنان الإيطالي نيكولا بولا، مغطاة بمئات من بلورات سواروفسكي اللامعة، وتعرض على قاعدة خاصة داخل قاعة المتحف.
ويشكل زوار المتاحف الذين يبحثون عن الصورة المثالية ويلحقون الضرر عن غير قصد بالمعروضات مشكلة متزايدة، حيث تأتي تلك الحادثة في أعقاب حادثة أخرى وقعت مؤخرا، قام بها سائح في قصر “مافي” في “فيرونا”، حيث ألحق ضررا بعمل فني مرصع بالكريستال بعنوان “كرسي فان جوخ” للفنان نيكولا بولا.
وفي شهر أبريل الماضي، تعرضت لوحة لـ”مارك روثكو” للتخريب على يد طفل في متحف “بويمانز فان بونينجن” الهولندي خلال “لحظة غفلة”، وكانت اللوحة التجريدية “رمادي، برتقالي على أحمر غامق، رقم 8” المرسومة عام 1960، قد خدشها الطفل الذي كان يزور معرض “روتردام، حيث كانت معروضة، وقدرت قيمة اللوحة بما يصل إلى 50 مليون يورو.
كما قام نشطاء من حركة “Just Stop Oil” البريطانية بإلقاء حساء الطماطم على لوحة “عباد الشمس” الشهيرة لفينسنت فان جوخ داخل المتحف الوطني في لندن، في محاولة لتسليط الضوء على التغير المناخي.
ورغم أن اللوحة كانت محمية بزجاج، أثار الحادث صدمة كبرى في الأوساط الفنية، وتسبب في إغلاق مؤقت للقاعة وفتح تحقيق موسع من قبل الشرطة البريطانية.
وفي تصريحات لاحقة، أكدت إدارة المتحف أنها “لن تتسامح مع أي شكل من أشكال التخريب”، مشددة على أن “الفن ليس وسيلة ضغط، بل لغة حضارية”.
وفى وقت لاحق، واليوم، حُكم على المتهمين أحدهما بالسجن لمدة عامين ، والآخر بالسجن لمدة 20 شهرًا.
في حادث مماثل في هولندا، استهدفت مجموعة من النشطاء لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” الشهيرة لـ فيرمير داخل متحف ماورتشهاوس في لاهاي، حيث تم لصق أحد المحتجين رأسه بزجاج اللوحة بينما سكب الآخر سائلاً أحمر اللون على الحائط المحيط بها.
ورغم نجاة اللوحة من التلف، اضطر المتحف إلى تغيير سياسة الدخول وفرض إجراءات تفتيش أكثر صرامة للزوار.
وفي باريس، ألقت ناشطة بيئية كعكة على لوحة “الموناليزا” في متحف اللوفر في واقعة أثارت اهتماماً عالمياً واسعاً، حيث ادعت الناشطة أن “الفن لا يساوي شيئًا على كوكب يحتضر”.
اللوحة لم تتضرر بفضل طبقة الحماية الزجاجية، لكن السلطات الفرنسية شددت الحراسة حول الأعمال الشهيرة، وأعادت تقييم بروتوكولات السلامة.
وردًا على تصاعد هذه الحوادث، أعلنت عدة متاحف كبرى – من بينها متحف برادو في مدريد وأوفيسي في فلورنسا – عن خطة أوروبية موحدة لتعزيز أمن الأعمال الفنية، تشمل: زيادة عدد كاميرات المراقبة داخل القاعات، وتشديد التفتيش الأمني على الحقائب والملابس، وتقليص المسافة بين الزوار واللوحات الشهيرة، واستخدام زجاج مضاد للتخريب في بعض القاعات الحساسة.
كما طالبت جمعيات حماية التراث الثقافي الأوروبية بسن تشريعات تجرم استهداف الممتلكات الثقافية حتى في سياقات الاحتجاج السلمي، حفاظًا على الإرث الإنساني المشترك.
وقال سيمون فيردي مدير متحف “أوفيزي” في فلورنسا بإيطاليا “إن مشكلة زوار المتاحف لاتخاذ صور ساخرة أو التقاط صور سيلفي لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت متفشية، وسيتم وضع حدود دقيقة للغاية لمنع السلوكيات التي تتعارض مع روح مؤسساتنا واحترام التراث الثقافي”.
وذكرت شبكة “يورونيوز” الإخبارية، اليوم الثلاثاء، أن سائحا تعثر عندما كان يحاول التقاط صورة سيلفي فوق المنصة المصممة لإبعاد الزوار عن لوحة فرديناندو دي ميديشي (دوق توسكانا الأكبر – 1695-1700) للفنان الإيطالي الباروكي أنطون دومينيكو غابياني، وهي لوحة من القرن الـ18 في معرض “أوفيزي” بفلورنسا، مخلفا ثقبا في العمل الفني.
وأضافت الشبكة أن صور الحادثة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وجميع القنوات التلفزيونية الإيطالية، مشيرة إلى أنه تم إزالة اللوحة، التي تعد جزءا من معرض “فلورنسا وأوروبا: فنون القرن الثامن عشر” في “أوفيزي”، منذ ذلك الحين للإصلاح.
وقالت إدارة المتحف “إن الضرر كان طفيفا نسبيا.. ومع ذلك، أغلق المعرض الآن حتى 2 يوليو المقبل عقب هذه الحادثة، وسيتم إصلاح اللوحة في هذه الأثناء لتكون جاهزة للعرض مجددا”.. وأكد مدير المتحف أنه تم تحديد هوية السائح المتسبب في الواقعة وسيلاحق.
