كلمة حسام بهجت أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف
اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، اليوم، التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، التي عُقدت في يناير الماضي، وسط تحول لافت في خطاب المجلس القومي لحقوق الإنسان، شمل انتقادًا طفيفًا للسياسات، ومطالبة للسلطة بإعادة النظر وإدخال تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية المُقَرّ حديثًا، وقصرِ عقوبة الإعدام على الجرائم الأكثر خطورة، وإقرار قانونٍ لإنشاء مفوضية للتمييز.
حقوقيون تحدثوا لـ«مدى مصر» اعتبروا التغيّر في خطاب «القومي لحقوق الإنسان» محاولة لتفادي تخفيض تصنيفه، ولتدارك الأخطاء التي ارتُكبت خلال فترة رئيسته السابقة، مشيرة خطاب، التي كانت تدافع عن السلطة وسياستها، وكأنها مسؤولة في جهة تنفيذية وليست ممثلة لمجلس وطني مستقل معنيٌ بحماية حقوق الإنسان ودعمها، بحسب المصادر.
كانت 137 دولة تقدمت بأكثر من 370 توصية لمصر، خلال الجلسة التي انعقدت في 28 يناير الماضي، تناولت انتهاكات وممارسات متنوعة مثل: التعذيب، وتكرار الحبس، والاعتقال السياسي، والإخفاء القسري، مع تعليقات على قوانين: «الإجراءات الجنائية» و«الجمعيات» و«اللجوء»، بجانب توصيات حول تضييق الخناق على الصحفيين والحقوقيين، وتقليص حقوق النساء، وتراجع الإنفاق الاجتماعي، وغيرها من الانتهاكات المنهجية، بينما دمج التقرير النهائي التوصيات المتشابهة، انتهاء إلى 343 توصية مجمعة.
وشهدت جلسة اليوم إشادات بالملف المصري، من ممثلي دول عربية مثل: العراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمغرب، ودول أخرى كالهند وإندونيسيا وماليزيا، فيما قدّم ممثلو منظمات حقوقية محلية ودولية انتقادات بشأن ملف السجناء السياسيين، واستهداف نشطاء المجتمع المدني، والصحفيين، والمحامين، إضافة إلى ملف اللاجئين ودور مصر في حصار الفلسطينيين في قطاع غزة وغيرها.
افتتح الجلسة رئيس الوفد المصري، السفير علاء حجازي، مؤكّدًا قبول مصر 264 توصية بشكل كامل (77 % من إجمالي 343)، و16 توصية جزئيًا (5%)، ورفض 62 توصية فقط (18%). وتلا ذلك إتاحة الكلمة لممثلي الحكومات والمنظمات.
مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، قال في كلمة مصورة مسجلة خلال الجلسة، إن التقرير الحكومي «يعبر عن واقع موازي»، وأن زعم الحكومة بتطبيق 43 توصية، منها خلو مصر من السجناء السياسيين هو «أكثر المزاعم فجاجة»، لا سيما في ظل تشكيل لجنة العفو الرئاسي عام 2022 لفحص ملفات عشرات الآلاف من المحتجزين السياسيين.
وركّز بهجت أيضًا على أن الحكومة تدّعي وجود تشريعات لمكافحة التمييز والعنف ضد المرأة (بما في ذلك العنف المنزلي والاغتصاب الزوجي)، وتقييد عقوبة الإعدام، والتحقيق في التعذيب ومعاقبة مرتكبيه، واستقلال المجلس القومي لحقوق الإنسان، بينما الواقع يختلف، وهو ما يتماشى مع فحوى تعليق «المبادرة» على التقرير الحكومي، الذي قالت فيه إن الحكومة «تجاهلت الواقع الواضح بجلاء للجميع، لتستمر في رسم واقع مواز حققت فيه الدولة إنجازات عديدة في مجال حقوق الإنسان، مع ادعاء وجود ضمانات ليس لها وجود في الواقع».
من جانبه، أوضح القائم بأعمال رئيس المجلس القومي، السفير محمود كارم، أن التوصيات تمثل فرصة لتعزيز التزام الدولة بمنظومة حقوق الإنسان، وترسيخ الشفافية والمساءلة، وشدد على تطوير التشريعات المتعلقة بالحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير، والتجمع السلمي، بما يتماشى مع الدستور المصري والمعايير الدولية، وتمكين الصحافة والإعلام من العمل بحرية ضمن مجتمع مدني آمن، بينما طالب كارم السلطة بتعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان لتعزيز استقلاليته، استجابة لتوصيات لجنة التصنيف والاعتماد الدولية.
اثنان من الحقوقيين اعتبرا أن حديث كارم هو الأمر «الجديد في جلسة المراجعة الدورية التي تتم كل أربعة سنوات ونصف»، وأشارا، بعدما طلبا عدم ذكر اسميهما، إلى أن خطاب القومي لحقوق الإنسان يخلو، لأول مرة منذ سنوات طويلة، من مدح السلطة المصرية وشكرها على حالة حقوق الإنسان، رغم أن تقرير المجلس المقدم لآلية المراجعة الدورية يشيد بالسياسات الحكومية.
كانت لجنة الاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI) أوصت، في 20 نوفمبر الماضي، بخفض تصنيف المجلس القومي إلى الفئة (ب)، مشيرة إلى مخاوف حول استقلاليته وفعاليته وشفافيته، وانتقدت طريقة تعيين الأعضاء ونقص التقارير الرسمية منذ 2020، داعية إلى إصلاحات جذرية تشمل استقلالية المجلس، وآليات تعيين شفافة، واستجابة فعالة للانتهاكات، والنشر المنتظم للتقارير.
وذكرت اللجنة أن طريقة تعيين أعضاء المجلس، التي تتم عبر السلطة التنفيذية دون شفافية أو مشاركة مجتمعية، تقوّض استقلاليته، وتحد من قدرته على العمل بمعزل عن التدخل الحكومي. كما انتقدت ضعف استجابة المجلس لقضايا حقوق الإنسان الجوهرية، مثل الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، مما يضعف من مهمته الأساسية.
اللجنة أضافت أن المجلس لم ينشر أي تقارير منذ عام 2020، ما يعوق تقييم أدائه من قبل المجتمع المدني والهيئات الدولية، داعية إلى إصلاحات جذرية لضمان التوافق مع مبادئ باريس، تشمل تعزيز استقلالية المجلس، وإصلاح آلية التعيين، وتحسين آليات الاستجابة لانتهاكات حقوق الإنسان، وضمان النشر المنتظم للتقارير العامة.
أحد المصدرين اللذين تحدثا لـ«مدى مصر» لفت إلى أن كارم وعضو المجلس محمد أنور السادات، وجهاز أمني، يبذلون جهودًا لتلافي اعتماد توصية خفض التصنيف، فيما يستهدف كارم والسادات إثبات جدارتهما لرئاسة المجلس، خلفًا لخطاب، وذلك قبيل انتخابات مجلس الشيوخ المرتقبة في أكتوبر المقبل. بينما قال مصدر حقوقي غربي، لـ«مدى مصر» إن التنافس على رئاسة المجلس يشمل السفير خالد البقلي، ممثّل وزارة الخارجية في ملف حقوق الإنسان، وسفير مصر السابق في جنيف، إيهاب عبد الأحد جمال الدين، وإن أشار إلى أن الأخير يعاني ظروفًا صحية قد تمنعه من قبول المنصب.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أعاد تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في 27 ديسمبر 2021، برئاسة خطاب، لمدّة أربع سنوات. وتنص التعديلات الأخيرة على قانون المجلس، على أن يبدأ مجلس النواب إجراءات تشكيل المجلس الجديد قبل شهرين من انتهاء ولايته، ويجري الاختيار من قوائم تقدّمها الجامعات والنقابات، ثم يعرض التشكيل على رئيس الجمهورية لتتم الموافقة عليه بقرار جمهوري.