كتبت : أم كلثوم أحمد
قال د. ربيع عبدالوهاب، خبير التعليم التربوى، إن محو الأمية هو مفتاح النهضة الاجتماعية والاقتصادية، مؤكداً أنه يمكن القضاء على الأمية بحلول عام 2030 إذا توافرت الإرادة السياسية والمجتمعية، وتأسس نظام وطنى متكامل لتعليم الكبار، ويتطلب ذلك تكاتف الجهود بين مؤسسات الدولة، والمجتمع المدنى، ومؤسسات التعليم العالى. وأضاف «ربيع»، فى حوار لـ«الوطن»، أن هناك مجموعة من التوصيات فى هذا الملف، من بينها دمج برامج محو الأمية ضمن خطط التنمية المستدامة، لضمان ارتباطها بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة، وتدريب معلمى تعليم الكبار على أساليب تفاعلية حديثة تراعى خصائص المتعلمين الكبار وظروفهم الحياتية والنفسية، إضافة لتحفيز المتعلمين مادياً ومعنوياً.. فإلى نص الحوار:
■ ما ضرورة وأهمية محو الأمية فى المجتمع المصرى؟
– محو الأمية هو المفتاح الأول للنهضة الاجتماعية والاقتصادية، فالأميون محرومون من حقوقهم الأساسية فى المعرفة والعمل والمشاركة المجتمعية، كما أن الأمية تُضعف الإنتاجية وتزيد من التبعية وتقلل فرص التنمية.
■ برأيك، هل يمكن القضاء على الأمية بحلول عام 2030؟
– نعم، يمكن القضاء على الأمية بحلول عام 2030 إذا توافرت الإرادة السياسية والمجتمعية، وتأسس نظام وطنى متكامل لتعليم الكبار. ويتطلب ذلك تكاتف الجهود بين مؤسسات الدولة، والمجتمع المدنى، ومؤسسات التعليم العالى، مع ربط برامج محو الأمية بفرص العمل، وتقديم الحوافز المباشرة للمتعلمين.
كما أن استثمار طاقات الشباب يمثل عاملاً حاسماً فى مواجهة الأمية، من خلال تحفيزهم على المشاركة المجتمعية وتقديم أفكار جديدة وبنّاءة، تُسهم فى الوصول إلى حلول فعالة. ويمكن تعزيز هذه الجهود عبر إصدار تشريعات تُجفف منابع الأمية، وعلى رأسها الحد من التسرب من التعليم الأساسى، وتوعية الأسر بأهمية التعليم ودوره فى تحسين المستوى الاقتصادى والاجتماعى.
وتُعد المبادرات القومية أحد الأعمدة الأساسية لتحقيق هذا الهدف، مثل المبادرات التى يمكن أن تتبناها الهيئة القومية لمحو الأمية بالشراكة مع الجهات المعنية، على أن تتضمن أفكاراً مبتكرة تتماشى مع العصر، ومن النماذج الرائدة فى هذا المجال مبادرة «علّمنى»، التى اعتمدت على التكنولوجيا الحديثة، من خلال تطبيق رقمى يدعم المعلمين والطلاب بأساليب تفاعلية مبتكرة، مما يُسهم فى تسريع عملية محو الأمية بأساليب أكثر جذباً وفاعلية.
■ وكيف نواجه تحديات محو الأمية فى رأيك؟
لمواجهة هذه التحديات، يجب تصميم برامج تعليمية مرنة وعملية، ترتبط مباشرة بسوق العمل واحتياجات الفرد اليومية. إطلاق حملات توعية شاملة تبرز أهمية محو الأمية فى تحسين جودة الحياة. تحفيز المجتمع المدنى على لعب دور فاعل فى التوعية والمشاركة فى التنفيذ. دعم المعلمين مادياً وتدريبياً، وتقدير جهودهم بوصفهم المحور الأساسى فى تحقيق الأهداف. تحديث المناهج لتكون تفاعلية، رقمية، وتحاكى الواقع، وتُقدم بأساليب تعليمية حديثة.
■ ما توصياتك فى ملف محو الأمية وتعليم الكبار؟
– انطلاقاً من خبرتى فى مجال تعليم الكبار ومحو الأمية، أقدم مجموعة من التوصيات العملية، التى أرى أنها تمثل ركائز أساسية لإنجاح الجهود الوطنية فى هذا الملف الحيوى، وعلى رأسها دمج برامج محو الأمية ضمن خطط التنمية المستدامة، لضمان ارتباطها بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة. وتدريب معلمى تعليم الكبار على أساليب تفاعلية حديثة، تراعى خصائص المتعلمين الكبار وظروفهم الحياتية والنفسية. وتحفيز المتعلمين مادياً ومعنوياً، من خلال ربط التعليم بفرص عمل حقيقية، وتقديم حوافز تشجيعية عند اجتياز كل مرحلة. وتحسين أوضاع معلمى محو الأمية عبر زيادة الرواتب، وتقديم الحوافز المناسبة، وتقدير جهودهم مجتمعياً ورسمياً.
ومن بين التوصيات، تطوير المناهج التعليمية لتكون أكثر ارتباطاً بالواقع، وتشمل مهارات الحياة، وتُستخدم فيها الوسائط التكنولوجية والتطبيقات الرقمية. وزيادة عدد المراكز التعليمية فى المناطق الريفية والعشوائية، وتيسير الوصول إليها. وإصدار تشريعات صارمة تُجرّم التسرب من التعليم، وتُلزم الأسر بضمان التحاق الأبناء بالتعليم الأساسى. وتنظيم حملات قومية ومبادرات مجتمعية بشكل دورى، على أن تتبناها جهات رسمية بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدنى والجامعات. ووضع إجراءات نظامية تنظم سوق العمل، من خلال منع غير المتعلمين من الالتحاق بالوظائف الرسمية إلا بعد اجتياز اختبارات حقيقية لقياس القدرة القرائية والكتابية. ودعم الأسر الفقيرة من خلال برامج مثل «تكافل وكرامة»، وتحفيزها على تعليم أبنائها ومشاركتهم فى برامج محو الأمية. والاستفادة من الأبحاث العلمية المُقدمة فى كليات التربية ومراكز البحوث، والعمل على تحويل نتائجها وتوصياتها إلى خطط تطبيقية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
■ هل نحتاج إلى توسيع مفهوم محو الأمية ليشمل الأمية التكنولوجية؟
– بلا شك، أصبح من الضرورى توسيع مفهوم محو الأمية ليشمل الأمية التكنولوجية، إذ لم يعد كافياً أن يقتصر المفهوم على مجرد القراءة والكتابة، بل بات يشمل أيضاً القدرة على استخدام التكنولوجيا ومهارات العصر الرقمى، فى ظل التحول العالمى نحو الذكاء الاصطناعى والرقمنة، يُعد من لا يمتلك الحد الأدنى من المهارات الرقمية معزولاً عن فرص التعليم والعمل والتفاعل المجتمعى، مما يجعله فى وضعٍ شبيه بالأمى تماماً. وقد أصبحت الأمية الرقمية أولوية قصوى فى مجتمعاتنا، مما يستلزم إدخال تعليم البرمجة والتقنيات الرقمية فى مراحل التعليم الأساسى والجامعى، ونشر الوعى بأهمية المهارات الرقمية بين كافة فئات المجتمع، وتوفير التدريب على أدوات الذكاء الاصطناعى والحوسبة فى مراكز محو الأمية، ودمج التكنولوجيا فى مناهج تعليم الكبار، وتوظيفها كوسيلة تعليمية لا كغاية فقط، إن اللحاق بركب التطور الرقمى السريع والهائل يتطلب تحولاً حقيقياً فى نظرتنا لمفهوم الأمية، بحيث يصبح المواطن المتعلم هو من يجيد التعامل مع المعارف الورقية والرقمية على حد سواء.
تتمثل أبرز التحديات التى تواجه جهود محو الأمية فى ضعف الحوافز المقدمة للمتعلمين والمعلمين، وغياب الربط بين التعليم واحتياجات الحياة اليومية، مما يجعل التعلم غير جذّاب أو غير ذى جدوى مباشرة فى نظر كثيرين. كما يُعد ضعف الوعى المجتمعى بخطورة الأمية تحدياً محورياً، فاستمرار وجود الأمية يُعد وصمة فى جبين مجتمع أنشأ حضارة تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام.
ومن التحديات المهمة أيضاً قلة الدعم الرسمى والمجتمعى للبرامج الحالية، وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدنى فى هذا المجال، رغم أن نجاح هذه القضية مرهون بتكامل الجهود بين الدولة والمجتمع. كما أن قلة الدعم المادى والمعنوى للمعلمين العاملين فى مجال محو الأمية تحدّ من كفاءتهم واستمراريتهم، فضلاً عن غياب الحوافز الكافية للمتعلمين الكبار ممن يخطون خطواتهم الأولى نحو المعرفة. ولا يمكن التغافل عن قصور المناهج التعليمية المقدمة، التى غالباً ما تفتقر إلى التحديث ومواكبة متغيرات العصر، مما يضعف من فاعليتها ويجعلها غير جاذبة للدارسين.

