جومانا زغيب
نداء الوطن
لا تتورّع بعض الأصوات المرتبطة بمحور الممانعة سياسيًّا وإعلاميًّا عن محاولات التشكيك بعنوان استعادة ما للدولة للدولة، وتاليًا بقدرة الحكم والحكومة على تنفيذ مضمون خطاب القسم والبيان الوزاري في موضوع السيادة وحصريّة السلاح.
وتلجأ تلك الأصوات إلى وسائل مختلفة تَبيّن عقمها عمليًّا، ولو أثارت موجات غبار وضباب في الأفق السياسي سرعان ما تنكفئ. فرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يحرص على بناء أرضية صلبة للمسار السيادي وتاليًا الإصلاحي، باعتبار أن لا إصلاح ولا مال ولا مساعدات واستثمارات في ظلّ دولة منقوصة وسيادة مجتزأة، وهو لذلك يفضّل عدم الرد على بعض الحملات المدروسة بعناية للإيقاع بينه وبين قوى سيادية ووطنيّة تدعم العهد وخياراته، كما أنه يفضّل عدم الانغماس في الحسابات السياسية والانتخابية الضيّقة انطلاقًا من أنه يثق برصيده ويعتمد على التشاور الواسع والذي لا يقتصر على اتجاه واحد، كما يراهن على الدعم العربي والدولي الكبير والذي يوحي بدوره بثقة نوعية بأدائه وأداء الحكومة، لا سيّما في ظلّ التنسيق الدائم بين الرئيس عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وعدم السماح لأيّ تمايز بالظهور بشكل نافر، انطلاقًا من التمسّك بفرصة الإنقاذ والنهوض.
وتلفت أوساط إلى أنّ الجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة على اختلافها، لا يقصّران أبدًا في تنفيذ التعليمات والتوجيهات الرسميّة، على الرغم من تزايد المهمات ومحدودية الإمكانات أحيانًا، وما تحقّق جنوب الليطاني ليس بقليل، كما أنّ التجاوب قائم مع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل برئاسة الجنرال الأميركي مايكل ليني، في كلّ ما يرد من طلبات من اللجنة حول حالات معيّنة شمال الليطاني، علمًا أنّ لبنان لا يوفّر فرصة في المقابل للضغط على إسرائيل للانسحاب خصوصًا من النقاط الخمس ووقف اعتداءاتها على لبنان، ولو أنها تبرر تلك الاعتداءات أحيانًا بتفسيرها الخاص لاتفاق وقف النار بغطاء أميركي.
وتطمئن الأوساط إلى أن ما تحقّق على صعيد ضبط المعابر الحدودية والمطار والمرفأ ليس بالمهمة السهلة ولو أنّه لم يكتمل بعد، في انتظار تلبية بعض الدول ما التزمت به لجهة توفير معدّات وتجهيزات خاصة تعزّز عملية ضبط الحدود ومراقبتها. وتلفت إلى أنّ أبرز ما تحقّق هو ضبط نسبي لعمليات تهريب الأسلحة والذخائر، فضلًا عن ضبط كميات كبيرة من المواد المحرّمة والمخدّرة كالكبتاغون سواء بمداهمة معامل تصنيعها أو بمصادرة كميات برسم التهريب.
وتشير إلى أن الجيش اللبناني فرض هيبته في أكثر من حالة في المناطق الحدودية الشرقية، بما يتلاءم مع القانون والأصول، وما كان يحصل من محاولات لافتعال صدام أو لعرقلة مهماته توقّف عمليًا، من دون أن يعني التوقف عن التنسيق في بعض الأحيان لتجنّب إشكالات في غير محلها.
وهذا الواقع المريح نسبيًا، هو ما تعرفه القوى السياسية على اختلافها ولا سيّما السيادية منها، وإن كانت الأمور تتم من دون ضجة أو عراضات، فالنتائج العملية هي الأهم. صحيح أنّ هناك خطوات يمكن ويسهل إنجازها، لكنّ الصحيح أيضًا أنّها ستنجز في حينه من دون إشكالات كثيرة ومع تطوّر المسار تدريجًا.
ردًّا على بعض التسريبات الملغومة والسيناريوات لما تمّ خلال لقاء رئيس الجمهورية برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فإنّ اللقاء بحسب العارفين كان جيّدًا جدًّا وتميّز في الوقت عينه بالصراحة من الجانبين، لكنّه كان في خلاصته مطمئنًا إلى التوجّه السياديّ للحكم، وإلى الأمل في تحقيق المزيد من الإنجازات التي قد لا تكون نافرة ومدوّية، لكنّها مهمة جدًّا قياسًا لما كان. للمرّة الأولى بحسب العارفين، يسود شعور بأنّ الدولة بدأت تنتظم بعد خلل مستحكم على مدى عقود عدة، وللمرّة الأولى يمكن الرهان على أن الدولة اللبنانية تستعيد شيئًا فشيئًا ما فاتها من حقوق وصلاحيات ومن هيبة وفاعلية.
وينقل العارفون عن الدكتور جعجع تأكيده أنه لا يمكن للبنانيين أن ينتظروا وصول الحلول إليهم على طبق من فضة، بل ينبغي عليهم أن يجهدوا ويسعوا بكلّ ما لديهم من قوة لبلورة تطلّعاتهم إلى دولة سيدة حرّة ووطن متنوّع وإصلاح شامل ومحاسبة جدية، فلا أحد سيأتي ويعرض حلولًا جاهزة، بل على اللبنانيين الأحرار أن يعرفوا ماذا يريدون وأن يتصرّفوا على هذا الأساس، فإن لم تساعد نفسك لن يساعدك أحد، وهذه النظرة تشمل حتى الأميركيين والأوروبيين الذين يبدون اهتمامًا بالوضع اللبناني، ولكن في نهاية المطاف إذا لم يلمسوا جدية وحزمًا لدى السلطات اللبنانية في مسألة استعادة السيادة وإطلاق عملية الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي، فإنهم قد يصلون إلى مرحلة يقولون فيها تدبّروا أنفسكم بأنفسكم، لأن لدينا الكثير من القضايا والهموم الأخرى.
ومن هنا لا بدّ من مقاربات استثنائية للمرحلة المقبلة لا سيّما على صعيد تطوير النظام، بما يكفل استمرار التجربة اللبنانية بما تعنيه من شراكة وتعدّدية وفق قواعد ثابتة تحافظ على وحدة الوطن والدولة وتوفر الطمأنينة لمختلف المكوّنات.