الكشف عن مصنع شينيانغ الجديد بمساحة 270 ألف متر مربع: صناعة المقاتلات على طريقة الهواتف الذكية.
موقع الدفاع العربي – 12 يوليو 2025: لا تزال أسطورة شركة شينيانغ الصينية في التوسع والتطور. ففي الثامن من يوليو، بثت القناة الإخبارية المركزية الصينية (CCTV) تقريرًا خاصًا من داخل حظيرة الطائرات التابعة لشركة شينيانغ، إحدى أبرز شركات مجموعة الصناعات الجوية الصينية (AVIC)، حيث سلطت الضوء على الطراز الجديد من مقاتلات J-15T. كما أجرت مقابلة مع الأكاديمي سون تسونغ، عضو الأكاديمية الصينية للهندسة، ونائب كبير مهندسي AVIC والمصمم الرئيسي للطائرة البحرية الجديدة.
خلال المقابلة، أطلق سون تسونغ تصريحًا لافتًا أكد فيه أن الصين تطمح في المستقبل إلى تصنيع المقاتلات كما تُصنّع الهواتف الذكية، من حيث سرعة الإنتاج وسرعة التحديث. وأشار إلى أن عملية تحديث جيل المقاتلات التي كانت تستغرق سابقًا أكثر من عشرين عامًا، قد تُختزل في المستقبل إلى خمس سنوات فقط.
تزامنًا مع هذا التصريح، بثت قناة “أخبار لياونينغ” تقريرًا مصورًا حول زيارة قادة حكومة مقاطعة لياونينغ إلى “مدينة شنيانغ للطيران والفضاء” في منطقة شينبيه، حيث تم الكشف عن مصنع جديد ضخم لشركة شينيانغ تم الانتهاء من أعمال التشييد الخارجية فيه عام 2024، وتبلغ مساحته 270 ألف متر مربع. ويُعد هذا المصنع، بطوله الذي يتجاوز 750 مترًا، أحد أضخم المنشآت الصناعية في الصين، ما يشير بوضوح إلى أنه سيكون المحور الأساسي لمشروع “تصنيع المقاتلات كما تُصنّع الهواتف”.
تصريح سون تسونغ يحمل بُعدين أساسيين. البُعد الأول يتمثل في التحديث التقني السريع للمقاتلات. فمن المعروف أنه بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصًا في خمسينيات القرن الماضي، كانت شركات الطيران تُنتج طرازات جديدة من المقاتلات بوتيرة سنوية تقريبًا، كما حدث مع الولايات المتحدة في سلسلة مقاتلات المئة (تضم F-100 Super Sabre، وF-101 Voodoo، وF-102 Delta Dagger، وF-104 Starfighter، وF-105 Thunderchief، وF-106 Delta Dart). لكن هذا النمط من التطوير السريع لم يدم طويلًا، إذ أدت التكاليف العالية والتعقيد المتزايد في نظم الطيران والإلكترونيات إلى إبطاء وتيرة التجديد. فمقاتلات الجيل الرابع مثل Su-27 وF-15 استغرقت نحو 15 عامًا من التصميم إلى دخول الخدمة، بينما امتد ذلك إلى 20 أو 25 عامًا في الجيل الخامس.
غير أن الثورة في أنظمة الحوسبة والمهام والاتصالات داخل الطائرات، والمتمثلة في المعالجات المتقدمة والأنظمة الإلكترونية الموحدة، أعادت إحياء فكرة التحديث السريع. فإذا تم تصميم الأنظمة بطريقة معيارية تسمح بالتحديث السريع للبرمجيات أو استبدال الوحدات القابلة للإزالة، يصبح من الممكن تطوير أداء المقاتلات بوتيرة أسرع بكثير، تمامًا كما يتم تحديث الهواتف الذكية.
أما البُعد الثاني فيتعلق بأسلوب التصنيع نفسه. فالهواتف الذكية تمثل ذروة الدقة والإنتاج الضخم في الصناعات الإلكترونية، حيث تقوم مصانع مثل “فوكسكون” في الهند بإنتاج نحو 30 مليون هاتف سنويًا عبر خطوط تجميع آلية عالية الكفاءة. ويبدو أن الطيران الصيني يتجه الآن إلى تبني هذا النمط من التصنيع. فرغم أن صناعة الطائرات في الصين بدأت منذ فترة بتطبيق أسلوب التجميع المتدرج، فإن التركيز الآن ينصبّ على تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية من خلال تنظيم العمل على مستوى المواد، والمعدات، وحركات العمال، لتقليص الزمن المستغرق في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
وإذا ما عدنا إلى المصنع الجديد الذي تم الكشف عنه في شينبي، فسنجد أنه يعادل في حجمه تقريبًا مصنع شركة لوكهيد مارتن في فورت وورث بولاية تكساس، المخصص لإنتاج مقاتلات إف-35، والذي تبلغ مساحته حوالي 275 ألف متر مربع. مصنع شينيانغ الجديد ليس مجرد مبنى وحيد، بل يُتوقع أن يشمل في المستقبل عدة مبانٍ متماثلة الحجم، إلى جانب العديد من المنشآت الملحقة وخطوط التجميع المتصلة، ما يجعله من أضخم المجمعات الصناعية في العالم في مجال الطيران.
ولعل السؤال الأهم هو لماذا تحتاج الصين إلى هذا القدر من الطاقة الإنتاجية؟ الجواب بسيط، فالمهام الملقاة على عاتق شينيانغ ضخمة للغاية. إذ لا يزال إنتاج مقاتلات J-16 وJ-16D مستمرًا، فضلًا عن النسخ المطورة من J-15 البحرية مثل J-15T وJ-15D، والتي يفترض أن تكون جاهزة بأعداد كافية لتسليح أربع حاملات طائرات على الأقل. كما تُعلّق القوات الجوية والبحرية آمالًا كبيرة على الجيل الجديد J-35 وJ-35A، الذي سيوسع الأسطول الصيني بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى التوقعات بالحصول على طلبات تصديرية.
وفي مرحلة لاحقة، من المتوقع أن تدخل الصين في الإنتاج الكمي للجيل الجديد من المنصات القتالية والطائرات المأهولة وغير المأهولة التي ستعمل ضمن منظومة “الرفيق الوفي” (Loyal Wingman)، وهو مشروع يتطلب بدوره قدرًا هائلًا من الطاقة التصنيعية. ويُضاف إلى ذلك الطلب المتزايد على الطائرات المدنية، إذ تشير التقديرات إلى أن شركة “كوماك” الصينية ستصل إلى تسليم نحو 200 طائرة C919 سنويًا بعد عام 2030، فضلًا عن الطراز الأكبر C929، حيث يُتوقع أن يكون لشينيانغ دور رئيسي في تصنيع أجزائها.
من هنا، لا يبدو غريبًا أن يتبنى قطاع الطيران الصيني شعار “صناعة المقاتلات كما تُصنع الهواتف”. فسواء على المستوى العسكري أو المدني، تقف الصين على أعتاب انفجار إنتاجي قد يعيد رسم خريطة القوة الجوية عالميًا.
تسابق الصين الزمن للحاق، بل ربما تجاوز، خطوط تجميع إف-35 في أمريكا وخطوط تجميع بوينغ العملاقة، لتصبح قوة جوية وصناعية لا يُستهان بها.

