تمثّل مصافي النفط في الإمارات إحدى أكثر منظومات التكرير تطورًا في الشرق الأوسط، إذ تجمع بين التقنيات الحديثة، والطاقة الإنتاجية الكبيرة، والإستراتيجيات المتكاملة في مجالَي الطاقة والبتروكيماويات.
وتعتمد الدولة الخليجية على هذا القطاع الحيوي لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الوقود، وتعزيز صادراتها من المشتقات النفطية عالية القيمة، ضمن رؤية اقتصادية تركّز على التنويع الصناعي وتقليل الاعتماد على النفط الخام وحده.
ووفقًا لبيانات قطاع النفط الإماراتي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بلغت قدرة التكرير الإجمالية لمصافي النفط في الإمارات بنهاية عام 2024 نحو 1.227 مليون برميل يوميًا، دون أيّ تغيير عن مستويات عام 2022، موزعة على 4 مصافٍ.
ويمثّل هذا الاستقرار مؤشرًا على نضوج القطاع وقدرته على تلبية الطلب الداخلي مع تعزيز صادرات المنتجات النفطية عالية الجودة، خاصة في ظل التطويرات المستمرة في مصافي شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وشركات التكرير الأخرى في دبي والفجيرة.
وتُعدّ الإمارات من الدول القليلة التي تحقّق اكتفاءً شبه تامّ من المنتجات المكررة، مع فائض تصديري متنامٍ إلى آسيا وأفريقيا.
وفي سياق متصل، شهد أداء مصافي النفط في الإمارات خلال عام 2024 تراجعًا طفيفًا في إنتاج المشتقات، نتيجة انخفاض معدلات التشغيل في بعض المجمعات الصناعية، مقابل استمرار القدرات التصميمية عند مستوياتها القصوى.
مصفاة الرويس
تمثل مصفاة الرويس التابعة لشركة أدنوك أكبر مصافي النفط في الإمارات، والركيزة الكبرى في منظومة التكرير الإماراتية، بطاقة تصميمية تبلغ 817 ألف برميل يوميًا، ما يجعلها رابع أكبر مصفاة في العالم بموقع واحد، وفق بيانات “أوبك”.
وتشير بيانات شركة أدنوك للتكرير إلى أن الطاقة التكريرية لمصفاة الرويس تبلغ 837 ألف برميل يوميًا.
وتقع المصفاة على ساحل الخليج العربي غرب العاصمة أبوظبي، وتضم مجمعين رئيسين: الرويس شرق الذي بدأ تشغيله عام 1982، بطاقة 140 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، و280 ألفًا من المكثفات، ومجمع الرويس غرب الذي انطلق في عام 2014، بتكلفة 12 مليار دولار، بطاقة 417 ألف برميل يوميًا.
ويشمل المجمع الغربي إحدى أكبر وحدات التكسير في العالم، إضافة إلى وحدات لإنتاج أسود الكربون وكوك النفط والبروبيلين، ما يمنح أدنوك مرونة عالية في إنتاج أنواع مختلفة من الوقود والمواد البتروكيماوية.
وتضم المصفاة 4 أرصفة بحرية لتصدير المنتجات، وتربطها شبكة أنابيب تمتد لمسافة 1600 كيلومتر لتزويد منشآت حيوية مثل مطار أبوظبي الدولي بالوقود، كما تحتوي على 36 صهريج تخزين بسعة إجمالية تصل إلى 1.3 مليون متر مكعب.
وأنجزت أدنوك في عام 2020 أضخم عملية تطوير في تاريخ المصفاة، لزيادة مرونتها التشغيلية وتوسيع نطاق أنواع الخام القابلة للتكرير، ما عزّز قدرتها على مواجهة تقلبات السوق العالمية.
مصفاة جبل علي
مصفاة جبل علي، التابعة لشركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك)، هي أول مصفاة في دبي، وأحد أهم أصولها الصناعية، وثاني أكبر مصافي النفط في الإمارات.
تأسست عام 1999 في المنطقة الحرة بجبل علي بطاقة أولية 140 ألف برميل يوميًا من المكثفات، قبل أن ترتفع قدرتها إلى 210.5 آلاف برميل يوميًا، بعد توسعة كبرى أُنجزت في عام 2019، بتكلفة تجاوزت المليار دولار.
وتنتج المصفاة مجموعة واسعة من المشتقات، تشمل النافثا ووقود الطائرات وزيت الديزل وزيت الوقود وغاز النفط المسال، مع تزايد الاعتماد على وحدات معالجة بالهيدروجين لضمان توافق المنتجات مع معايير “يورو 5” للانبعاثات الأوروبية.
وتتماشى توسعة المصفاة مع توجهات الإمارات في خفض الانبعاثات وتحسين كفاءة الوقود، إذ أُضيفت وحدات متقدمة لمعالجة الكيروسين والديزل والنافثا بالهيدروجين، ما رفع جودة المنتجات المكررة لتلبية احتياجات السوق المحلية وأسواق التصدير في آنٍ واحد.

مصفاتا الفجيرة
تمثّل مصفاتا الفجيرة 1 و2، التابعتان لشركة “في تي تي آي الفجيرة للمحطات المحدودة” (VTTI Fujairah Terminals Limited)، محورًا مهمًا في شبكة مصافي النفط في الإمارات، بطاقة إجمالية تبلغ 200 ألف برميل يوميًا (120 ألفًا للفجيرة 1، و80 ألفًا للفجيرة 2).
تخدم المصفاتان منطقة الفجيرة التي تُعدّ مركزًا عالميًا لتخزين النفط وتجارته، ما يعزز قدرة الدولة على تصدير المنتجات المكررة بعيدًا عن مضيق هرمز.
وتوفّر المصافي مرونة تشغيلية كبيرة لشركات النقل البحري، إذ ترتبط بمرافئ قادرة على استقبال ناقلات النفط العملاقة، إضافة إلى منشآت تخزين متطورة تسهم في استقرار إمدادات الوقود للأسواق الآسيوية.
الإنفوغرافيك التالي -من إعداد منصة الطاقة- يستعرض الطاقة التكريرية لمصافي النفط في الإمارات:

إنتاج مصافي النفط في الإمارات
بلغ إجمالي إنتاج مصافي النفط في الإمارات خلال عام 2024 نحو 911 ألف برميل يوميًا، مقارنة بـ974 ألف برميل يوميًا في عام 2023، أي بتراجع قدره 63 ألفًا، بحسب بيانات منظمة أوبك.
جاء الانخفاض نتيجة تراجع إنتاج معظم أنواع المشتقات النفطية، إذ انخفض إنتاج البنزين من 95 إلى 91 ألف برميل يوميًا، وتراجع الكيروسين من 270 إلى 246 ألفًا، كما هبط إنتاج المقطرات من 212 إلى 204 آلاف برميل يوميًا، وزيت الوقود الثقيل من 39 إلى 36 ألف برميل يوميًا.
كما شهدت المنتجات النفطية الأخرى تراجعًا مشابهًا، إذ انخفض إنتاجها من 357 إلى 334 ألف برميل يوميًا، بفارق 24 ألف برميل يوميًا.

وتعكس هذه الأرقام ضغوطًا تشغيلية محتملة في بعض الوحدات، أو تخفيضًا طوعيًا في معدلات الاستفادة من الطاقة التكريرية، استجابة لتقلبات الطلب العالمي.
وخلال العام الماضي، تراجعت صادرات الإمارات من المشتقات النفطية بمعدل 158 ألف برميل يوميًا، مقارنة بعام 2023، إذ انخفضت إلى 985 ألف برميل يوميًا في 2024، من 1.143 مليونًا في العام السابق.
ومع ذلك، ما زالت الإمارات تحافظ على موقعها المتقدم إقليميًا بصفتها إحدى الدول الرائدة في تكرير النفط وتصدير المشتقات النفطية عالية الجودة.
الخلاصة:
تمضي مصافي النفط في الإمارات في مسارٍ متوازن بين الحفاظ على قدراتها التكريرية وتحديث منشآتها وفق أعلى المعايير البيئية، بما يعزز تنافسية الدولة في الأسواق الآسيوية تحديدًا، ويجعل من الرويس وجبل علي والفجيرة رموزًا لصناعة تكرير نفطية متطورة تمزج بين الكفاءة الصناعية والاستدامة الاقتصادية.
موضوعات متعلقة..
نرشّح لكم..
المصادر:
الطاقة التكريرية لمصافي النفط في الإمارات، من النشرة الإحصائية السنوية لـ”أوبك” 2025 إنتاج مصافي النفط في الإمارات 2024، من النشرة الإحصائية السنوية لـ”أوبك” 2025 بيانات مصفاة الرويس، من شركة “أدنوك للتكرير” بيانات مصفاة جبل علي، من شركة “إينوك”

