يزدهر فن الشارع «الغرافيتي» في دبي، وتنتشر أمثلته الإبداعية في أغلب مناطقها وأحيائها، فترحب بالزوار بأفكارها المتنوعة، وأساليبها المتعددة، من خلال أعمال تنتشر في مساحات شعبية ومتنوعة وفسيحة ملؤها الفن والتراكيب الإبداعية.
واحتل «الغرافيتي» في السنوات الأخيرة مساحة لافتة، تعكس توجه المدينة إلى خلق مساحة حوار إبداعية مع أهلها وزوارها على حد سواء.
وهو ما تمت ترجمته من خلال رؤية جمالية توظف تنقل الفن من العشوائية إلى أداء وظيفة اجتماعية.
وتكثر الأمثلة في هذا المجال، غير أنه يمكن الإشارة إلى «لامير»، الوجهة الترفيهية العصرية، التي تتسم بكثرة الجدران التي تضم رسومات ومنحوتات ملونة واستثنائية تشعر الزائر بالجمال والإبداع، رسمت من قبل فنانين موهوبين لتضيف أجواء مفعمة من الراحة والاستجمام أثناء التجول في هذا المكان المميز.
أما «سيتي ووك»، الوجهة الأبرز في مجال فن الشارع، فتتميز بكثرة اللوحات الخاصة بفنون الشارع والنقوش الجدارية.
ومن جهة أخرى، فإن نماذج «فن الشارع» تتعدد في مناطق مثل حي الفهيدي التاريخي، ومنطقة القوز الإبداعية، وشارع «الثاني من ديسمبر»، وغير هذا الكثير.
وقد جاء هذا الحضور اللافت لفن الشارع في دبي معبراً عن توجهات إبداعية لدى الفنانين والمبدعين، ومدعوماً من الجهات المعنية مثل هيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»، التي أشرفت على تحويل فن الغرافيتي، الذي يتسم بالعشوائية في أغلب مدن العالم، إلى ظاهرة منظمة تخدم الصورة الجمالية للمدينة، وتستجيب لحاجات الفنانين المحليين والعالميين، الذين يجدون في دبي منصة عرض فني مبهرة، تكفل لأعمالهم جمهوراً متعدد الثقافات.
استراتيجيات مدروسة
وقال الفنان خليل عبد الواحد: «فن الشارع ليس ظاهرة طارئة في دبي، وإن كان نشأ عالمياً بطريقة عشوائية.
لقد تمكنت مؤسساتنا من التعامل مع هذه الظاهرة الفنية وفق استراتيجيات مدروسة ترى ممكناته على تطوير الحياة الحضرية، وخدمة النمو الحضري عموماً بكل اتجاهاته الاقتصادية والاجتماعية والروحية».
وأضاف: «ويمكن الملاحظة هنا أن دبي أضحت خلال سنوات قليلة إحدى الوجهات المهمة لفناني الشارع من المنطقة والعالم. وقد خدمتنا في هذا استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي بطبيعتها الشاملة، التي سعت إلى الالتفات إلى مختلف صنوف الإبداع والفنون».
وتابع: «وبكل المقاييس تجربة دبي في هذا المجال فريدة ومتميزة عن غيرها، من حيث إن فن الشارع لم يعد فن الهامش والارتجال والعشوائية.
بل بات نشاطاً إبداعياً منظماً، يسير جنباً إلى جنب مع بقية شؤون الحياة، ويخدم الأهداف الاستراتيجية العامة من تنمية الروح الإبداعية لدى الأجيال، وتعزيز التواصل الحضاري مع ثقافات العالم، وإبراز مفردات الهوية الوطنية».
إدارة فنية
ولفت الدكتور صالح حموري من كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية إلى أهمية ما أنجزته وتقدمه دبي في هذا المجال، قائلاً: «إن وراء هذه الظاهرة المتميزة تخطيط استراتيجي ناجح ومثمر».
وأضاف: «نبدو نحن المختصين في مجال الإدارة بعيدين عن الفن والإبداع، ولكن في حقيقة الأمر ليس كذلك تماماً؛ فالإدارة موجودة حتى في الفن، وهذا ما أنجزته دبي ومؤسساتها في هذا المجال».
وأوضح د. حموري: «فلنتذكر أن فن الشارع ظهر في المجتمعات الأخرى عشوائياً، يشوه المرافق العامة، ويحمل توجهات ساخطة وسلبية.
بينما جاءت رؤية دبي لتنظمه، وتجعله يعزز جماليات المدينة، ويغني الحياة الروحية لسكانها، ويضفي لمسة إبداعية على مرافقها العامة».
وأضاف د. حموري: «ومن الأشياء المهمة هنا، هي أنها قدمت الظاهرة محملة بالكثير من الإيجابية، والتضامن، والرغبة في التعاون مع المحيط الاجتماعي.
وهذا ما كان ليكون لو لم تكتشف دبي ممكنات هذا الفن، وتجد له مكانه في المجتمع ومرافقه، في سياق وظيفة اجتماعية.
عموماً، نحن نتحدث هنا عن إدارة ناجحة، تعرف ماذا تريد، وما يجب أن تفعل لتحقق أهدافها الواضحة.
ومن هذا الباب، فإن ظاهرة فن الشارع تهمني، بينما يلهمني نمط إدارتها المثمر».
سمات فريدة
وبهذا، فإن تجربة دبي مع فن الشارع تتسم ببعض السمات المهمة، منها الرعاية الرسمية، وتنظيم لظاهرة وتجنيبها العشوائية، واهتمام الشركات التجارية والقطاع الخاص، وتركيزها على مفردات الهوية الوطنية.
