أولًا.. عن التربية
بداية لابد من التأكيد على أن التربية تأتى قبل التعليم لأن التعليم بلا تربية لا منفعة منه ولا فائدة.. فالتربية هى القاعدة أو اللبنة الأساسية التى تنهض بها الأجيال ومنها يتم صقلها بالأخلاق ومن ثم يأتى دور التعليم.. وهى شكل من الرعاية يتيح للطفل الفرصة لممارسة الأنشطة المتنوعة والهادفة لتنمية مهاراته العقلية والحسية والحركية والاجتماعية قبل التعليم، فأين ذلك فى مدارسنا التى اختفت فيها التربية، وقبل ذلك فى بيوتنا حيث يجب أن تكون الأسرة هى نواة المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع واستقام سلوكه.. والأمثلة كثيرة لانعدام التربية إلى حد كبير فى ربوع مصر ومنها الفوضى العارمة فى الشارع المصرى والتى للأسف فشلنا فى كبح جماحها وما نراه للأسف فى الكثير من الأفلام والمسلسلات التى تهدف فى المقام الأول إلى جنى الكثير من الأموال على حساب القيم، وأصبحنا نطالع كثيرًا فى صفحات الحوادث ما ينذر بانحدار المجتمع وخاصة فى حوادث تعدى الأطفال والشباب على غيرهم باستخدام الأسلحة البيضاء وما ينتج عنه من كوارث داخل وخارج بعض المدارس! على الرغم من وجود قانون يعالج حالات البلطجة والترويع وهو يرجع إلى عام 1937 وتم تعديله أخيرًا فى عام 2024 من أجل حق المجتمع والحفاظ على السلم والأمن المجتمعى، وهو من أساس واجبات الدولة ومنها وزارة الداخلية والمحافظين والإدارات المحلية التى لم يتم الاتفاق على انتخاباتها منذ ما يقرب من 15 عامًا لأسباب غير مفهومة، وهى من الأسباب الجوهرية للفوضى التى تعم محافظاتنا وهناك بالقطع عوامل أخرى ساهمت فى ذلك ومنها تفريط الأسرة فى حق أولادها فى التعليم والصحة والغذاء وكثرة الإنجاب تحت تأثير السلفيين والتسرب من المدارس تحت ضغط الحاجة والبحث عن لقمة العيش ومنهم من ينفق على أسر بالكامل نتيجة ضيق ذات اليد.. فأين التربية يا وزير التعليم؟
ثانيًا.. عن التعليم
مر علينا منذ ثورة يونيو ستة وزراء تعليم كان أولهم الراحل الكبير د. حازم الببلاوى فى 2013 وكان الأخير السيد محمد أحمد عبد اللطيف فى 2024 ولم نتحرك قيد أنملة بل زادت مشكلات التعليم فى كل النواحى وهو ما لا يحدث فى كل بلاد العالم من حولنا، والمعلوم أن التعليم يساهم فى تطوير المهارات الشخصية والاجتماعية ويعزز الثقة بالنفس ويسهم فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويقضى على الفقر ويساهم فى بناء مجتمع أكثر وعيًا وعدالة، وسؤالى الصريح إلى كل المتخصصين فى التعليم وذوى الخبرة وهم كثر والحمد لله.. هل نجحنا فى تحقيق هذه الأهداف؟ بالقطع لا وخاصة مع السيد الوزير الحالى الذى كان المدير التنفيذى لمجموعة مدارس خاصة والعضو المنتدب لشركة (أدفانس إديوكيشن) لمعادلة شهادات المدارس الأمريكية وليست له خبرة كافية فى مجال التعليم، فى حين أن مجلس الوزراء قد وافق على إنشاء المجلس الوطنى للتعليم فى مايو 2024 بهدف وضع السياسات العامة للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله بعد مناقشة الفكرة فى المرحلة الأولى للحوار الوطنى، وبعد المناقشات وجدوا أنه لا يختلف كثيرًا عن المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي! وفى أكتوبر 2024 وافق مجلس النواب على تشكيل المجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار ويضم 10 وزراء!! و8 من الخبراء المتخصصين و4 من رجال الأعمال لمدة عامين قابلة للتجديد.. وبرغم ذلك فوجئنا بالسيد الوزير يطلب الموافقة من مجلس النواب على العمل بنظام البكالوريا وقال إن نظام الثانوية العامة لا يؤهل لدخول الجامعة؟! أما البكالوريا فهى تؤهل خريجًا له قدرات ومهارات لدخول الجامعة!! كما أنها ترفع الضغوط عن كاهل أولياء الأمور والطلاب وتخفف العبء النفسى والمادى!! والمعروف لدى الجميع أن الدروس الخاصة ما زالت منتشرة فى كل ربوع مصر كما أن الامتحان الأخير وصفته الوزارة بأنه يهدف إلى نجاح الطالب المتوسط! وهذه كارثة، كما أن الغش كان – ومنذ سنوات – ينتشر فى معظم الامتحانات ومنها الامتحان الأخير وتكفينا المهزلة التى حدثت فى إحدى المدارس حيث اجتمعت عدة سيدات أمهات على ضرب مدرسة تراقب الامتحان لمنع الغش وزاد الغضب حين عرفوا أنها مسيحية وهى جريمة نكراء لا تليق بمصر، ومن المذهل أن الوزير لم يتدخل ولم يكافئ المدرسة ولم يخطر الشرطة بضرورة القبض على المتهمين بالضرب فالقانون فوق الجميع وهناك مهزلة أخرى فور الإعلان عن نتيجة الامتحان الأخير حيث انتشرت الصرخات بوجود تزوير متعمد فى أوراق إجابة الكثير من الطلبة والطالبات وللأسف لم يعلق السيد الوزير حتى الآن، فإلى من يلجأ المظلوم؟.. وقد تعجبت من تصريح الوزير محمود فوزى بأن الدستور المصرى ينص على أن اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحل التعليم مواد أساسية، فى حين أن نظام البكالوريا الوافد إلينا فجأة يلغِى اللغة العربية فى السنة الثالثة! والوزير يعلم أن الكثير من شبابنا وأطفالنا لا يستطيعون التحدث باللغة الأم ولا أن يكتبوها جيدًا! أما عن التربية الدينية فالدين يوفر للإنسان إطارًا أخلاقيًا وقيميًا يوجه سلوكه والمسؤولية هنا تقع على عاتق الأسرة أولًا والمؤسسات الدينية ثانيًا، فالدين علاقة شخصية بين الفرد وربه ولا دخل له بدرجات الامتحان ويكتفى بأحد رجال الدين المسلم والمسيحى مرة واحدة أسبوعيًا، كما أن اللغة الأجنبية الثانية لابد من المحافظة عليها وضمها للمجموع.. وإذا أضفنا إلى ذلك نقص المعلمين الكفء والعمل على زيادة مرتباتهم بحكم الدستور ونقص عدد الفصول وغيرها من المشاكل المزمنة يجب أن تكون على مائدة المجلس الوطنى للتعليم مع تقليص عدد الوزراء وزيادة عدد المتخصصين البارزين فى مجال التعليم وعلى السيد الوزير مع معاونيه فقط تنفيذ الخطة الكاملة التى يعدها المجلس الوطنى، وأطالب بعدم الاندفاع فى تغييرات تزيد من هموم أولياء الأمور واستعادة التربية مع التعليم فى كل مدارسنا ومراقبة ومتابعة كل ما يحدث فى المدارس الخاصة والدولية وأمثالها فالقانون فوق الجميع حرصًا على السلم الاجتماعى والقضاء على الطبقية المقيتة فى المجال التعليمى..
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد..
