خبراء: «AI» سلاح ذو حدين ويقوض ثقة المجتمع في التكنولوجيا
فى الوقت الذى تتسارع فيه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتصبح جزءاً من الحياة اليومية، يظل الجدل قائماً حول علاقتها بحقوق الملكية الفكرية، وما إذا كانت هذه الأدوات، تمثل فرصة للإبداع أم خطراً يهدد حقوق المبدعين وأصحاب المحتوى، إلا أن عدداً من الخبراء والمتخصصين فى مجال التكنولوجيا وأمن المعلومات أجمعوا على أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، مؤكدين ضرورة وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لاستخدامه، حتى لا يتحول إلى أداة لانتهاك الحقوق أو تشويه المحتوى، وقال الدكتور محمد المغربي، خبير تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، إن الذكاء الاصطناعي ليس آلة ابتكار أو إبداع بحد ذاته، بل هو مجرد أداة تتعلم من المصادر البشرية التي يطلع عليها عبر المواقع المختلفة، موضحاً أن قيمته الأساسية تكمن في تسهيل تجميع المعلومات والبحث في وقت قصير جداً.
وأشار «المغربى» إلى أن هناك نوعين من الانتهاكات لحقوق الملكية الفكرية قد تحدث عند استخدام الذكاء الاصطناعى الأول يظهر حين يُطلب منه إنتاج نصوص أو أعمال إبداعية تحاكى أعمال أشخاص آخرين، فيرفض النظام ذلك احتراماً لقواعد الملكية الفكرية المدمجة فيه، أما النوع الثانى فيتعلق بالصور أو المقاطع المرئية، حيث يمكن رفع صورة وطلب دمجها فى فيديو دعائى، ويتابع: «هنا برامج الذكاء الاصطناعى لن تدرك أبعاد حقوق الملكية الفكرية وستكمل التنفيذ، وبالتالى تقع المسئولية القانونية والأخلاقية على المستخدم نفسه»، ويؤكد «المغربى» أن الضوابط الأخلاقية تفرض على الأفراد تجنب سرقة أعمال الآخرين أو نسبها لأنفسهم وانتهاك الملكية الفكرية، فيما تتحول المسألة إلى جريمة قانونية إذا ثبت استخدام الذكاء الاصطناعى فى انتهاك حقوق الغير، حيث يمكن أن يُحال الشخص للنيابة العامة ويُعاقب وفقاً للقانون، ويضيف: «الذكاء الاصطناعى أداة قوية جداً، لكنَّ خطأ صغيراً فى استخدامه قد يحول الهدف الإيجابى إلى كارثة سلبية».
من جانبه، قال محمد الحارثى، استشارى تكنولوجيا وأمن المعلومات، إن أدوات الذكاء الاصطناعى تشبه أى أدوات أخرى ينبغى أن تُستخدم وفقاً لضوابط محددة، مؤكداً أن المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعى لا بد أن يحترم حقوق الأفراد والمؤسسات، وأضاف: «إذا كان المحتوى المولّد يمس أى مؤسسة أو شخص، فلا بد من الحصول على موافقة واضحة وصريحة من تلك الجهة أو الشخص أو الشركة»، وشدد «الحارثى» على أن الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا ينبغى أن يكون فى إنتاج محتوى جديد، بهوية مبتكرة وسيناريو مختلف، وليس فى إعادة تدوير أو تشويه أعمال الآخرين، فيما حدد مجموعة من الضوابط التى يجب مراعاتها عند التعامل مع الذكاء الاصطناعى، أبرزها فهم الأدوات المستخدمة بشكل جيد قبل تشغيلها والتأكد من سلامة المحتوى البصرى الذى يتم إنتاجه، والإلمام التام بحقوق الملكية الفكرية وعدم التعدى عليها، وأشار «الحارثى» إلى ضرورة تعديل ميثاق خاص بالتشريعات المنظمة لتداول المعلومات والتعامل مع المحتوى الرقمى، بحيث يتواكب مع التطور السريع للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى.
وفى السياق ذاته، ركز الدكتور أسامة مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات، على جانب آخر من القضية، موضحاً أن استخدام الذكاء الاصطناعى بشكل قانونى يتطلب تنبيه النظام منذ البداية بأن المطلوب هو إنتاج محتوى لا يعتدى على الملكية الفكرية للآخرين، وقال «مصطفى»: «على المستخدم أن يكون واضحاً فى طلباته، وأن يضع قيوداً تحميه قانونياً، مثل التأكيد على أن المحتوى المطلوب يجب أن يكون أصلياً ولا يعتمد على نسخ أو سرقة أعمال موجودة»، وأضاف أن هذه الخطوة البسيطة قد تسهم فى تقليل المخاطر القانونية وضمان موقف سليم أمام أى مساءلة محتملة، لافتاً إلى أن وضع تشريعات واضحة لاستخدامات الذكاء الاصطناعى يمثل أولوية قصوى فى المرحلة الراهنة، خاصة مع التوسع الكبير فى الاعتماد على هذه التقنيات، وأوضح أن الأطر القانونية الحالية لا تكفى لمواجهة التحديات المرتبطة بالمحتوى الرقمى المستحدث، ما يستوجب إدخال تعديلات تشريعية شاملة، وشدد «مصطفى» على أن التشريعات الجديدة يجب أن تراعى حماية حقوق الملكية الفكرية، وتحدد بدقة مسئولية المستخدمين ومطورى التطبيقات، بما يضمن الاستخدام الآمن والفعال للتكنولوجيا، واعتبر أن وجود قوانين مرنة وحاسمة فى الوقت نفسه هو السبيل الأمثل لتفادى الانتهاكات وضمان الاستفادة الإيجابية.
وتابع: «الذكاء الاصطناعى برغم كونه تكنولوجيا واعدة فلا يمكن تركه دون حوكمة أو رقابة، فبدون وعى المستخدم ووجود تشريعات قوية ورادعة، قد يتحول إلى وسيلة لانتهاك حقوق المبدعين وتشويه التراث الرقمى»، مشدداً على أن المسئولية مشتركة بين الأفراد والدولة.
وأكمل: «الأفراد عليهم الالتزام بالضوابط الأخلاقية وعدم إساءة استخدام الأدوات، بينما على الدولة تحديث القوانين واللوائح بما يتماشى مع التطورات المتسارعة، وبالتالى فإن الذكاء الاصطناعى ليس عدواً للملكية الفكرية بقدر ما قد يكون ضحية لسوء الاستخدام»، ولفت إلى أنه إذا وُضعت الضوابط الأخلاقية والتشريعية المناسبة، يمكن أن يصبح شريكاً فى حماية الإبداع وصناعة محتوى أصيل ومبتكر، أما فى غياب تلك الضوابط، فإنه قد يتحول إلى سلاح يهدد الحقوق ويقوّض ثقة المجتمع فى التكنولوجيا».

