تشهد مدينة الجنينة، الواقعة في ولاية غرب دارفور، حالة من الاضطراب الحاد في سوق العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وسط فوضى متزايدة أدت إلى ظهور نظام مزدوج لتحديد سعر صرف الجنيه. هذا التباين في الأسعار يعكس خللاً هيكلياً في السوق المحلي، ويثير مخاوف متصاعدة بشأن استقرار العملة الوطنية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تمر بها البلاد.
سعران للجنيه
بحسب جولة ميدانية أجراها مراسل “دارفور24” في سوق الكتكت، الذي يُعد أكبر مركز لتداول العملات الأجنبية في مدينة الجنينة، فإن أسعار الصرف باتت تُحدد وفق نظامين مختلفين: أحدهما للفئات الورقية من الجنيه السوداني، والآخر للتحويلات الرقمية عبر تطبيق “بنكك” التابع لبنك الخرطوم. هذا الانقسام في آلية التسعير أدى إلى حالة من التشويش في السوق، وخلق بيئة غير مستقرة للتعاملات المالية اليومية.
صعود الفرنك
من أبرز المؤشرات على تدهور قيمة الجنيه السوداني، الارتفاع المتسارع في سعر صرف الفرنك التشادي. ففي مايو 2023، كان سعر 1000 فرنك تشادي يعادل نحو 6000 جنيه سوداني، إلا أن هذا الرقم تضاعف خلال عام واحد ليصل إلى 12000 جنيه في مايو 2024. وبحلول سبتمبر 2025، بلغ سعر ذات الكمية من الفرنك حوالي 24000 جنيه سوداني، ما يعني أن قيمة العملة التشادية ارتفعت أربعة أضعاف خلال أقل من عامين، في مقابل انهيار حاد للجنيه السوداني.
تأثير اقتصادي
هذا التدهور السريع في سعر الصرف انعكس بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي في المدينة، حيث أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين، وركود واضح في الحركة التجارية، خاصة في المناطق الحدودية التي تعتمد بشكل كبير على الفرنك التشادي في عمليات تبادل السلع والخدمات. ويشير مراقبون إلى أن هذا الانهيار في قيمة الجنيه يهدد بتوسيع دائرة الفقر ويزيد من هشاشة الاقتصاد المحلي.
فجوة التحويلات
اللافت في هذا السياق أن سعر صرف 1000 فرنك تشادي بلغ 24000 جنيه سوداني عند الدفع نقداً، بينما ارتفع إلى 29000 جنيه في حال التحويل عبر تطبيق “بنكك”، بفارق يتجاوز 20%. هذا التفاوت الكبير في الأسعار أثار استياء المواطنين الذين اتهموا بعض التجار باستغلال الوضع لتحقيق أرباح غير مشروعة، ما أدى إلى تراجع الثقة في سوق الصرف وزيادة الإقبال على التعاملات النقدية بدلاً من الإلكترونية، في ظل نقص حاد في توفر الأوراق النقدية بالسوق.
ركود تجاري
خلال جولته في الأسواق، لاحظ مراسل “دارفور24” ركوداً ملحوظاً في النشاط التجاري، وتراجعاً كبيراً في القوة الشرائية، وسط حالة من الترقب والخوف من استمرار ارتفاع أسعار الصرف. هذا الجمود الاقتصادي يعكس تأثيراً مباشراً لتقلبات السوق على حياة المواطنين اليومية، ويزيد من تعقيد المشهد المالي في المدينة.
أزمة السيولة
في تطور إضافي للأزمة، كشفت معلومات حصلت عليها “دارفور24” أن إحدى المنظمات الأجنبية العاملة في المجال الإنساني ساهمت بشكل غير مباشر في تفاقم شح العملة الورقية، بعد أن قامت بسحب كميات كبيرة من الجنيه السوداني من السوق المحلي لاستخدامها في تقديم مساعدات نقدية مباشرة للمحتاجين داخل المدينة. هذا الإجراء، رغم طابعه الإنساني، أدى إلى خلق فجوة حقيقية في تداول العملة الورقية بين المواطنين والتجار، وزاد من حدة الأزمة المالية.
توجيهات رسمية
رداً على هذا التطور، أصدرت الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية في غرب دارفور توجيهات صارمة للمنظمات الأجنبية، تقضي بضرورة تقديم المساعدات النقدية بالفرنك التشادي بدلاً من الجنيه السوداني، وذلك حتى إشعار آخر. وتهدف هذه الخطوة إلى إعادة التوازن إلى سوق العملات وضبط التعاملات المالية داخل المدينة، في محاولة للحد من تأثيرات سحب السيولة على السوق المحلي.
تنظيم المساعدات
وخلال اجتماع رسمي عقد في 8 سبتمبر 2025، أكد مدير الوكالة، ضوالبيت آدم يعقوب، أن الإجراءات الجديدة تأتي في إطار تنظيم العمل الإنساني وتفادي أي تأثيرات سلبية على الأسواق المحلية. وأوضح أن سحب كميات كبيرة من الجنيه السوداني من السوق من قبل إحدى المنظمات الأجنبية ساهم في زيادة شح العملة الورقية، وأثر بشكل مباشر على استقرار السوق، ما استدعى التدخل لضبط آليات توزيع المساعدات.
رأي مغاير
من جانبه، قدم رئيس شعبة التحويلات المالية في الجنينة، حافظ الدارس، تفسيراً مختلفاً للأزمة، حيث اعتبر أن حالة الركود التجاري الحالية تُعد طبيعية نسبياً خلال شهري أغسطس وسبتمبر، نظراً لتراجع النشاط التجاري الحدودي خلال موسم الخريف، الذي يشهد انشغال المواطنين بالزراعة والأعمال الموسمية. وقلّل الدارس من تأثير سحب النقد الورقي من قبل المنظمة الأجنبية، مؤكداً أن العوامل الاقتصادية الموسمية تلعب دوراً أكبر في تحديد حركة السوق من أي تدخلات خارجية.

