في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط الحقوقية والدبلوماسية، رفضت الحكومة السودانية طلب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالسماح لبعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بالتحقيق في الجرائم التي وقعت مؤخراً في مدينة الفاشر، وذلك في الوقت الذي تطالب فيه الخرطوم المجتمع الدولي بتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية، ما اعتبره خبراء موقفاً متناقضاً يضعف حججها أمام المؤسسات الدولية.
اعتمد أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الجمعة الماضية قراراً بالإجماع يقضي بإرسال بعثة مستقلة لتقصي الحقائق والتحقيق في عمليات القتل الجماعي التي تم الإبلاغ عنها في مدينة الفاشر، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في أكتوبر الماضي. القرار شدد على ضرورة إجراء تحقيق عاجل في الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبت بحق المدنيين، وتقديم تقرير مفصل إلى المجلس في مارس المقبل.
أكد وزير العدل السوداني عبد الله درف رفض حكومته القاطع لدخول البعثة الدولية إلى البلاد، موضحاً أن الخرطوم لا تعترف بالبعثة وغير ملزمة بقرار مجلس حقوق الإنسان في هذا الصدد. وأوضح دبلوماسي سوداني رفيع، طلب عدم الكشف عن هويته، أن السودان يعتبر لجنة تقصي الحقائق غير معترف بها، وبالتالي فإن قراراتها غير ملزمة. وأضاف أن موقف الحكومة يعكس قناعة متزايدة لدى دول العالم الثالث بأن العدالة الدولية لا تتحقق في ظل هيمنة القوى الغربية على المؤسسات الأممية.
يرى خبراء قانونيون أن تحفظ الحكومة السودانية على قرار مجلس حقوق الإنسان يمثل رفضاً صريحاً وعدم التزام بالقرارات الدولية، وهو ما يعني إغلاق الباب أمام أي إجراءات لاحقة لتحقيق العدالة في أحداث الفاشر. وأوضح الخبير القانوني نبيل أديب أن عدم منح اللجنة إذناً لدخول البلاد لا يصب في مصلحة الحكومة، التي تطالب المجتمع الدولي بتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية. وأضاف أن وزير العدل خلط بين اختصاصات مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، حيث إن الأولى تتابع أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأعضاء، بينما الثانية تختص بالقضايا التي يعجز القضاء الوطني عن معالجتها.
اعترض الوفد السوداني المشارك في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بشدة على البند رقم (14) في بيان المجلس، الذي وجه بعثة تقصي الحقائق بإجراء تحقيق عاجل في الانتهاكات المزعومة في الفاشر وما حولها بعد سقوطها في يد قوات الدعم السريع. وأكدت وزارة الخارجية السودانية في وقت سابق ترحيبها بإدانة المجلس للجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، لكنها رفضت إدراج آليات محل خلاف ضمن القرار، مشيرة إلى أنها سبق أن رفضت قرارات مماثلة في الماضي.
تم تكليف البعثة الدولية بالتحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي. ويأتي هذا القرار في إطار متابعة المجلس للأوضاع في السودان، بعد تقارير عن فظائع مروعة ارتكبها مقاتلو الدعم السريع بحق المدنيين في الفاشر.
وصف خبير حقوق الإنسان في جنيف عبد الباقي جبريل الموقف السوداني بأنه متناقض وينسف دعواته السابقة بشأن ضرورة التحقيق والمساءلة الجنائية وعدم الإفلات من العقاب. وأكد أن رفض الحكومة يتعارض مع مواقفها المعلنة التي طالبت المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالتدخل للتحقيق في أحداث الفاشر. وأشار إلى أن الخرطوم طلبت أن يوجه التفويض إلى المكتب القطري للمفوض السامي لحقوق الإنسان، وهو ما رفضته أغلبية الدول الأعضاء في المجلس.
عقد مجلس حقوق الإنسان الأسبوع الماضي جلسة خاصة لمناقشة الأوضاع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب ورود تقارير عن انتهاكات واسعة بحق المدنيين. وأكدت الحكومة السودانية التزامها بالتعاون مع آليات حقوق الإنسان العاملة في البلاد، بما في ذلك المكتب القطري للمفوضية السامية والخبير المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا ومنع الإفلات من العقاب.
وكان مجلس حقوق الإنسان قد اعتمد في أكتوبر 2023 قراراً بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، مشدداً على الحاجة الملحة للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة لتحقيق العدالة وضمان عدم الإفلات من المحاسبة، وهو ما يضع الحكومة السودانية أمام اختبار جديد في تعاملها مع المؤسسات الدولية.

