يبحث عن حلول لربع الصوت وكيفية توزيعه على الهارموني الغربية لتخترق موسيقانا مشاعر الأوروبيين
بيروت ـ «القدس العربي»: من شاشة تلفزيون لبنان تعرّفت إلى لوكس صقر. كان يعزف على الكيبورد بفرح غامر، في حفل ليس كلاسيكي الطابع ولا المكان. بدا عاشقاً للأنغام الصادرة عن أنامله، ومبتهجاً بأصوات المؤديات والمؤدين التي بدت واثقة ومثقّفة. كانت الأغنيات المختارة من بين الأجمل وقعاً على الأذن والقلب. بحثت في أرشيفه عبر غوغل، ووجدته صاحب مشروع ويصر على تسجيل بصمة فيه. فقد قرر لوكس صقر العمل بجدية وإيمان لنشر موسيقانا وأغنياتنا في الغرب، بعد معالجة ربع الصوت. وهو على ما يبدو العقبة العصية على الفهم، أو الحاجز الذي يمنع موسيقانا من اختراق مشاعر الأوروبيين.
في هذا الحوار بين بيروت وجنيف حيث يتابع لوكس صقر تخصصه بالموسيقى الكلاسيكية في جامعة مرموقة تعرّفت إليه، وقدّرت إصراره واجتهاده لنشر موسيقانا عالمياً، وأمله الكبير بالنجاح. فبعد مشروع مزيج، تابع مع بساط الريح، وفي المقبل من الأيام من المؤكد سيولد مشروع جديد.
الحوار مع لوكس صقر:
○ لماذا مشروع «مزيج»؟ وكيف انطلقت الفكرة قبل سنوات؟
• ولد مشروع «مزيج» سنة 2016. حينها كانت وسائل التواصل تقدم موسيقى بهدف ترفيهي، فقررت أن يكون لي حضور يتخطى ذلك، ويصل للناس. وإنطلاقاً من مشروع «مزيج» كنت أختار فناناً وأعمل للوصل بين أغنياته من خلال كلمة موحدة. هو وصول إلى الناس من خلال الموسيقى والفكرة التي تتضمن انتقالاً من أغنية إلى أخرى عبر كلمة موحدّة. بدأنا، وبعد ثلاثة فيديوهات لأغنيات ثلاثة فنانين، كان تواصل من الفنانين شاكرين، ودعانا جورج وسوف لزيارته في منزله. ومن ثمّ تواصلت مع فنانين آخرين رغبة بمشاركة أغنياتهم في «مزيج» أذكر منهم جورج خبّاز، وجوزف عطية وريمي بندلي. ونفّذت «مزيج» من ضمن مشروعها «تيترات» المسلسلات، وكذلك أغنيات خاصة التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي على شاشة تلفزيون «أل بي سي». وبالمقابل تعهدت المحطة ونفّذت وما تزال عرض كافة أعمالنا على شاشتها مجاناً، كتشجيع. ولاحقاً تعَدّل هدفنا الموسيقي ليتجه إلى زيارة لتراثنا العربي، وعبر توزيع موسيقي جديد بعنوان «بساط الريح». نختار الفنان ونتنقل بين أغنياته عبر كلمة موحدة. كنا حيال إعادة إحياء الفولكلور والتراث بتوزيع معاصر، في محاولة لإيصاله لجميع المتلقين في العالم، عبر هارموني تشبه موسيقاهم.
○ هل ما قمت به في تلك المرحلة ولاقى قبولاً شكّل تحدٍيا موسيقيا أم استعراضاً للقدرات الفنية؟
• نعم هو تحدٍ موسيقي. فربع الصوت الذي تختص به موسيقانا الشرقية يصعب توزيعه على الهارموني الغربية. لهذا كان هدفي تقريب المستمع الغربي إلى موسيقانا بعد إيجاد حلول لمسألة ربع الصوت. تساعدني في ذلك دراستي المعمقة للموسيقى الكلاسيكية. وأنا حالياً في سويسرا أتابع دراسة الجاز والتأليف الموسيقي المعاصر، لأتمكن من متابعة عملي في هذه الرسالة التي أخذتها على عاتقي. وهكذا تحول مشروع «مزيج» من تكريم فنانين معاصرين، إلى العودة إلى التراث بحثاً عن إيصال موسيقانا للعالم أجمع.
○ وكم وصلت برأيك؟
• أعمل المستحيل لأتمكن من ذلك. وبعد قبولي في إحدى أهم الجامعات التي تختار سنوياً شخصين من العالم لمتابعة دراسته، وجدتهم مهتمين جداً بهذا الموضوع. حالياً أتريث لأنني بصدد التحضير لمشروع في إطار الهدف نفسه، إنما أكثر عمقاً وبمرافقة أوركسترا كبيرة، يشارك فيها عازفون عالميون لتصل الفكرة بأفضل الإمكانات، ففي عصرنا للتسويق أهميته الكبرى. لهذا أركّز على الدراسة الموسيقية، والتعمّق بأساليبها العالمية، مما يمكنني من خوض هدفي بنجاح. ورداً على سؤالك إن كانت موسيقانا تصل، فإن مشروع «بساط الريح» الذي شكّل بداية لهذه الفكرة مع أوركسترا مُصغّرة، وتوزيع سعى لحل لربع صوت والتعامل مع الألحان الشرقية، كان له دوره. والحديث بلغة وسائل التواصل، فالمشاهدات كانت عالية جداً، ووصلت الملايين. ومن خلال «بساط الريح» تلقيت اتصالات كثيرة من جامعات أوروبية لتفسير ما أقوم به، إلى طلب من العرش الملكي في الأردن لإحياء ليلة الحنّة لعروس ولي العهد. ويبقى حُلُمي الكبير أن تصل هذه الموسيقى إلى خارج العالم العربي، والمحاولات الأولى مبشّرة، وإن لم أتمكن من الاختراق الكبير فأقله يكون الباب قد فُتح لآخرين لمتابعة الطريق.
○ تلعب على الهارموني للوصل بين أغنية وأخرى. هل دائماً هذا التحدي ناجح؟
• المهمة صعبة بالتأكيد، ولدى إصراري للوصول إلى نقطة موسيقية ما بالقوة، أشعر بأنها ليست المطلوب. أرفض أي حركة موسيقية خالية من الجمالية لربط أغنية بأخرى. فالهدف بالنهاية موسيقي وجمالي.
○ وهل أقفلت الباب على مشروع «بساط الريح»؟
• ربما أعود إليه لاحقاً، فهو لم يشمل بعد كافة الدول العربية، والعودة ستكون بصيغة مختلفة. النية قائمة بتكريم كافة الدول العربية من خلال موسيقاها. موسيقانا العربية لها منابع مختلفة ولا بد من الإطلالة عليها جميعها. وبالتأكيد كل منا متأثر بالآخر. في عودتي المتجددة إلى بساط الريح التوجه لتغليب الموسيقى على الغناء. فالهدف ثقافي وليس تسويقيا وربحيا. لست أنكر الربح في الموسيقى، إنما الملح أن تنبع هذه الموسيقى من دراسة تساعد ثقافتنا الموسيقية بالوصول إلى العالم. إذاً لست مناهضاً للموسيقى التجارية وسأكون معها عندما أجد نفسي مستعداً. أما اختياري الشخصي للنوع الموسيقي الذي عُرفت به ناتج من إحساسي بقدرتي على إيصال موسيقانا العربية للعالم، وخدمة لهدفي المستقبلي، تركت لبنان فجأة وقررت العودة لدراسة الموسيقى الكلاسيكية من الصفر في سويسرا.
○ لم تعود إلى الصفر فأنت خريج المعهد الموسقي في لبنان؟
• صحيح وكنت أستاذاً في المعهد، لكن في سويسرا عدت إلى الصفر. هنا في جنيف اكتشفت وتأكدت بعد الأسبوعين الأولين من الدراسة مدى بعدنا عن المستوى العالمي، المسافة التقريبية 60 سنة إلى الخلف.
○ هل تلقيت تعليقات عربية بعد ظهور مشروع بساط الريح للعلن؟
• أكيد، من الأردن كما سبق الذكر. وتلقيت دعوة للمشاركة بمهرجان الجاز في مصر. وخلال تصوير الفيديو شاركنا بالحضور زملاء موسيقيون من الخليج وكانوا في غاية السعادة. وعلى الصفحة الخاصة من فيسبوك وانستغرام كان الترحيب من كافة البلدان. ترحيب من فنانين يسألون عن معالجات تقنية للموسيقى خاصة ربع الصوت. كذلك سأل فنانون أوروبيون عن هوية موزع تلك الموسيقى وطلبوا التواصل. وبالوقت عينه وردت تعليقات في غاية السوء من العالم العربي، وهؤلاء ليسوا في وارد إدخال أي تطوير على موسيقانا العربية.
○ وهل إعادة توزيع الموسيقى تطوير أم تجديد أم محاولات مواءمة؟
• كثر جرّبوا من بينهم توفيق سكّر الذي علّم الجميع في لبنان كيفية كتابة الهارموني. ولن أحكي عن زياد الرحباني، فجميعنا يعرف من هو. منذ مئات السنوات نتواجد على المسرح كفرقة موسيقية ونعزف اللحن الأساسي، وهذا ليس بإشكال. شخصياً أعود إلى بيتي وأسمع وديع الصافي وأم كلثوم بصيغتهما الأصلية، وأفرح. إنما لا تبقى الإنتاجات الفنية على حالها طوال العمر. علينا إيجاد أسلوب يصل بتلك الإنتاجات إلى العالم. فإن سألنا عن الرحابنة في أوروبا لن يعرفهم أحد.
○ أليست مسؤولية دولة؟
• بل مسؤولية شعب. كثير من الموسيقيين العالميين لم يلتفت إلى موسيقاهم أحد قبل وبعد رحيلهم. إنما وجد الموسيقيون أهمية لتلك الموسيقى وتمّ تشبيهها بالإرث، فقرر المؤرخون الحفاظ عليها ونشرها. لست ضد الفن التجاري لتكن له حصة 70 في المئة من الحفلات. وليكن 30 في المئة من الفنانين دورهم في العمل على تطوير الموسيقى. في لبنان من الـ30 في المئة التي نطمح إليها نحقق 1 في المئة. في سويسرا حيث أنا موازنة تطوير الموسيقى أعلى من موازنة تطوير الزراعة. بالنسبة للبنان يفترض أن يكون الجهاز البشري مستعداً أكاديمياً إن وجدت الموازنة لهكذا مشروع. أعرف موسيقيين لبنانيين تركوا لبنان لمتابعة الدراسة في الغرب، عاشوا سنوات بالكفاف، فقط من أجل الوصول إلى ما يرغبونه للمستقبل وبعيداً عن إغراءات وسائل التواصل الاجتماعي.
○ وأنت تتابع دراستك في سويسرا وتصوّب على مشروع مستقبلي. فهل من خطوط عريضة يمكن أن نعرفها؟
• كما سبق وذكرت أتابع دراستي، وثمة مشاريع موازية أقوم بها فقط لتأمين معيشتي. وأثابر على التأليف الموسيقي، والحفاظ على حبل التواصل الوجداني والموسيقي مع لبنان. مشروعي المستقبلي لدى إنهاء دراستي هو تأليف أوركسترالي كبير يجمع بين الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة، والجاز والموسيقى العربية أي ربع صوت. وآمل أن أكون في طريق البداية لإيصال موسيقانا بشكل أوسع.
○ بالأساس يبدو أنك سمّيع للموسيقى العربية الأصيلة؟
• أكيد. لا يمر أسبوع من دون سماع وديع الصافي والزجل اللبناني، وبعض الطرب المصري، والأغنيات الحلبية خاصة القدود. موسيقى وأصوات تشعرني بالانتماء للمنطقة التي ولدت وعشت فيها. سؤالي الدائم لماذا نحن المولودين في الشرق العربي تطربنا تلك الموسيقى، بينما تختلف مشاعر مواطن أوروبي حيالها؟
○ وهل وجدت الجواب؟
• لا. إنما كانت لي محاضرة بطلب من المعهد الذي أدرس فيه. وبعد ساعتين بدت موسيقانا مقبولة لهم. وبعضهم عزف معي حيث كان دوزان البيانو شرقياً، وبدا عليهم الفرح. إذاً الأمل موجود إن عرفنا كيف نوصل موسيقانا.
○ وسيلتك للعزف البيانو أو الكيبورد فقط؟
• درست لخمس سنوات تشللو. وفي صغري عزفت على العود والغيتار، لكني لست عارفاً بهما. عندما وصلت إلى سويسرا واكتشفت مستوى العازفين المختصين، بت أخجل من القول بأني أعرف البيانو فقط.
○ ماذا عن السيدات والسادة الذين شاركوا في بساط الريح؟
• معظمهم ينتمي إلى كورال فيلوكاليا للأخت مرانا سعد. كنت أعزف معها وتعرّفت إلى المؤديات والمؤدين من خلال هذا الكورال، جميعهم رحبوا بالفكرة عندما طرحتها لهم، وجميعهم مختص بالغناء، ودارسين للموسيقى الشرقية، وليسوا بهواة، ولكل منهم مهنته الموازية في الحياة لسوء الحظ.
○ هل تحتاج لدعم مالي؟
• في السابق لا. الشهرة التي حققها مزيج أثمرت الكثير من الحفلات والمردود المالي، الذي كان يغذي عملاّ جديداً. تواصل معي منتجون كبار في العالم العربي، جرّبت ولم أوقع نظراً للتنازلات الفنية والإنسانية التي طُلبت مني. وكذلك فرض شروط بكيفية التعامل مع الموسيقيين. الموسيقيون أخوتي ولن أتعامل معهم بفوقية. مشروعي موّل نفسه، ولم أكن بحاجة للشركات مهما كانت كبيرة، مع العلم أن الفنان الذي يبتعد فكرياً عن المال ومتطلبات التنظيم، ويتفرّغ لفنه يكون أكثر راحة. فالأوركسترا الكبيرة لها كلفتها العالية جداً، وهي ليست بمتناول أي موسيقي.
○ وهل يحبطك هذا الواقع؟
• مُقلق صحيح، وإن وجد الممول فهذا أفضل. الإحباط الممكن مثلاً أن أقدم عملاً ولا يصل بالمستوى المطلوب لأنه كان يحتاج لـ200 ألف دولار.
○ وهل من جديد لديك؟
• انه مؤلف موسيقي للكورال سنقدمه في حفل يُعلن عنه قريباً.
○ وماذا عن العمل المشترك مع جورج خبّاز في سويسرا؟
• هي دعوة لجورج خباز إلى سويسرا حيث أعيد توزيع أغنيات كافة مسرحياته وأفلامه ومسلسلاته المشهورة. أغنيات عزفها موسيقيون أوروبيون في مسرح «الهمبرا» في جنيف. حقق الحفل نجاحاً كبيراً وبمقاعد ممتلئة. فرح الموسيقيون جداً بنصوص جورج، وبالتوزيع الموسيقي الذي نفّذته. كانوا كغربيين في غاية الجهوزية لتلقي موسيقانا، وطالبونا بإعادة الحفل. وخلال وجودي في سويسرا سأستمر بدعوة فنان من لبنان كل عام لمتابعة الرسالة.

