كشف الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، عن خطورة ما يُعرف بالتفسير الحركي للسيرة النبوية، موضحاً كيف استغلته بعض الجماعات — أو جماعة بعينها تحديداً — لتمهيد الطريق نحو التمكين والسيطرة على مفاصل الدولة، تحت غطاء ديني ومفاهيم شرعية جرى توظيفها بشكل خاطئ.
وقال الدكتور علام، خلال حلقة برنامج “بيان للناس”، المذاع على قناة الناس اليوم الجمعة، إن توظيف مرحلة الدعوة السرية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لإسقاطها على واقع جماعة تعمل داخل مجتمع مسلم هو قياس مع الفارق، مؤكداً أن السرية في صدر الإسلام كانت لحماية الدعوة من المشركين والكفار، بينما تلك الجماعات كانت تعمل داخل مجتمع مسلم، فيه علماء ومؤسسات راسخة كالأزهر الشريف.
وأوضح أن الجماعة لجأت إلى مفهوم السرية و”العمل في الظلام” للوصول إلى أهدافها، ثم انتقلت لاحقاً إلى ما سمّته “المرحلة الجهرية”، والتي بدأ معها تجنيد الشباب وإعلان مشروع سياسي موازٍ للدولة، أشبه بما يسمى “حكومة ظل” أو “دولة داخل الدولة”، تضم جهازاً تعليمياً وتنظيمياً وأمنياً خاصاً بها.
وأشار المفتي السابق إلى أن هذه الجماعة أعلنت صراحة أن دعوتها “وصلت إلى الآفاق”، ولم يبقَ إلا الوصول إلى النخبة الحاكمة. ونقل عن وثائقهم أن الوزراء والعلماء إن أطاعوهم “كانوا في ظهورهم وردءاً لهم”، وإن لم يطيعوهم “كانوا حرباً عليهم”، في إشارة إلى صدام مباشر مع مجتمع مسلم، لا مع مشركين أو كفار.
وبيّن الدكتور علام أن هذا التوجه بلغ ذروته حين أعلن منظّرو الجماعة في الستينيات أن العقيدة في المجتمعات الإسلامية “فاسدة” وأن الإسلام “غاب”، وأنه لا بد من إعادته على أيدي “فِتية” بصفات محددة، يتبعون الجماعة وحدها. وهؤلاء — بحسب تصورهم — سيصطدمون بالواقع، ولن يستطيعوا فرض ما يسمونه “العقيدة الصحيحة” إلا بقوة السلاح، الأمر الذي أدى إلى عسكرة التنظيم وأدلجة الشباب.
وأكد المفتي السابق أن هذا الفكر اعتمد على قراءة انتقائية حركية للسيرة؛ ركزت على مراحل السرية والغزوات والقتال، وتجاهلت الجوانب الأخلاقية والعمرانية والتربوية التي أسس لها النبي صلى الله عليه وسلم. بينما تؤكد التجربة التاريخية — كما قال — أن العلم الشرعي كان دائماً لصيقاً بالدولة، داعماً للمصلحة العامة، وأنه لم تتبنَّ منطق استغلال الدين للغرض السياسي سوى جماعة واحدة عبر التاريخ، هي الخوارج، الذين انفصلوا عن الأمة ليؤسسوا كياناً موازياً.
ولفت بأن نموذج الجماعات الحركية التي تستغل السيرة للوصول إلى السلطة يمثل خطراً على المجتمع والدولة، مؤكداً أن السيرة النبوية منهج هداية وبناء، لا وسيلة للتمكين أو إقامة دولة موازية داخل الدولة.
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، إن فكرة “التفسير الحركي للسيرة النبوية” يلجأ إليها البعض كوسيلة لتمرير أمور ملتبسة تتعلق بعلاقة الدين بالدولة، موضحا أن السيرة النبوية تمثل ترجمة كاملة لحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن معظم تصرفاته كانت بوحي من الله سبحانه وتعالى أو في إطار هذا الوحي الشريف.
وأكد الدكتور علام، أن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم يبدأ من الفرد ويمتد ليشمل المجتمع بأسره، مشيراً إلى أن حياته الشريفة تضمنت علاقات متعددة: مع المشركين، والمؤمنين، وأهل الديانات الأخرى، ومع الأسرة والجيران والبيئة والواقع السياسي والحروب، مما يجعل السيرة نموذجاً شاملاً للحياة الإنسانية.
وأضاف أن كثيراً من كتّاب السيرة ركزوا على جانب الحروب والمعارك والتبليغ، بينما أهملوا الجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تمثل جزءاً أساسياً من بناء المجتمع.
وأشار إلى أن أحد المفسرين القدامى وقع في هذا الخطأ حين جعل السيرة كلها تدور حول الجهاد والدولة، متجاهلاً الجوانب الأخلاقية والتنموية.
وشرح أن آية «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة» لا تتعلق بالقوة العسكرية وحدها، بل تشمل القوة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مؤكداً أن مصر عبر تاريخها قدمت نماذج رائدة في القوة الناعمة من أدب وفقه وإعلام.
وأشار إلى أن بعض الباحثين المعاصرين استندوا إلى هذا النهج ليجعلوا من “المرحلة السرية” للدعوة نموذجاً لحركية تخدم جماعات بعينها، معتبراً أن هذا توظيف خاطئ للسيرة النبوية يبتعد عن روحها ومقاصدها، إذ إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة كانت بوحي مباشر من الله تعالى، ولا يجوز إسقاطها على واقع جماعات تبحث عن غطاء فكري لحركتها.
وأكد أن السيرة النبوية ليست مشروعاً حركياً لجماعة، بل هي مشروع حضاري شامل يوازن بين الروح والعمران، والجهاد والبناء، والدعوة والأخلاق، ويهدف إلى تحقيق الصلاح والإصلاح في المجتمع كله.

