«الفن حياة».. سلسلة سردية تسلط الضوء على حياة فنانين مصريين، يختلط فيها الحكى الإنسانى بالفن، نرسم بها ملامح عن هؤلاء المبدعين، نتعرف على جانب لا نراه من قصة إبداعهم، نحتاجها اليوم فى واقع يلزمنا فيه البحث عن الجمال والإنسانية، مروية مصرية عن فنانين فى الرسم والنحت والكاريكاتير والتصوير الفوتوغرافى والعمارة وغيرها من الفنون التى تحمل تراثنا وهويتنا وتعزز ذاكرتنا الجمعية الوطنية.

جانب من أعمال حربى حسان
علّمته الحياة أكثر مما تُعلّم المدارس، فصار ابن الزقاق ورسالته، يتجسدان فى «الرقبة الطويلة» التى صارت توقيعه الفنى، وصرخة صامتة لشموخ البسطاء، وبين حدادة المسلح وطينة النحت، كتب الرجل رحلته بصبرٍ لا يلين، ليغدو من عامل باليومية إلى صاحب أعمال تزيّن متحف محمود مختار، وسافرت منحوتاته دولًا عربية بعيدة لكنه بقى فى الفيوم كوجه من أبرز وجوهها.

جانب من أعمال حربى حسان
علَّم النحات الستينى نفسه فنيًا بالتردد على المعارض المختلفة، ولم يفرط أبدًا فى انحيازه إلى الطبقة الشعبية، بدءًا من رسومات «الحج» على المنازل وانتهاءً بتماثيله فى متحف محمود مختار.
لا يعطى «حربى حسان» ورشًا فنية لكنه لا يرفض من يلجأ إليه، قدم «حداد المسلح» أول تماثيله للناس بعد أن بلغ الخامسة والأربعين، وتوقف عن النحت لمدة تقرب من حوالى عشر سنوات، لكنه عاد ليتفوق على نفسه.

جانب من أعمال حربى حسان
عن بداياته يقول «حربى حسان»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»: «وُلدت بالفيوم عام ١٩٥٧، ولم أستطع أن أكمل تعليمى، معايا شهادة محو أمية، لألتحق بعدها بعدة مهن تتعلق بالبناء مثل نجارة وحدادة المسلح، وأعمل بها طوال سنوات عمرى».
ورغم انشغال «حربى» بتلك المهن الشاقة فإنها لم تمنع حبه للرسم على الورق، سواء أكانت لرموز أو شخصيات تجول بخاطره، حتى جاء عام ٢٠٠٢ عندما التقى واحدًا من أعلام النحت المصرى المعاصر، وهو الفنان محمد بكر الفيومى، والأخير قاده إلى عالم النحت، بل أعطاه «طينة» وطلب منه أن ينحتها، لينتج بفطرته أول منحوتة دون تعلم، ليبدأ الطريق منذ هذه الخطوة.

جانب من أعمال حربى حسان
يضيف: «كنت برسم على البيوت رسم الحجاج وما شابه، الناس شافوا الشغل بتاعى قالولى روح قصر الثقافة، رسمت فلسطين على شكل جمجمة واليدين طالعين شايلين القدس، استقبلنى الأستاذ محمد بكر الفيومى قال لى شغلك ده نحت، خادنى وودانى المرسم بتاعه وجابلى طينة وقالى اشتغل، وصب لى الشغل برونز».
وعندما بلغ «حربى حسان» الخامسة والأربعين عُرض أول أعماله: «أول حتة عملتها خرجت فى معرض بدار الأوبرا عام ٢٠٠٢، كانت تتحدث عن مصر الفرعونية وارتباطها بمصر الحديثة، وبدأت أدخل العالم الفنى، وأخدت منحة تفرغ، وشاركت فى معرض (الفن الفطري) فى دورته الأولى بمتحف محمود مختار، وأخدوا منى مقتنيات، ثم قدمت معرض (الزقاق) فى دار الأوبرا».
ابتعد «حسان» بعد أقل من عامين عن الفن، ليتوقف لحوالى عشر سنوات عن ممارسة الفن، وتحديدًا حتى عام ٢٠٢٢، حين قدم معرضه الخاص فى «متحف محمود مختار» لكنه لم يكشف الكثير عن تلك الفترة واكتفى بقول «ظروف عائلية»، وعاد ليشترك فى «نقابة الفنانين التشكيليين» ليحصل على «كارنية نحت».
قبل نحو ٣ سنوات، عاد الفنان الفطرى إلى النحت، ليتفوق على نفسه، يقول: «كانت البدايات النحت على الطين، ثم اتجهت للحجر الجيرى الأرخص سعرًا، وأنتجت منحوتات من البوليستر والبرونز، لكنى أرتاح للحجر، رغم أن العمل به شاق، كما به صعوبة، فأى خطأ يؤدى إلى فشل التمثال».
أسأل «حربى» متحسسًا، هل هو ملم بالمدارس الفنية؟ أجاب ببساطة: «لدىَّ فكرة وأستطيع تنفيذها أحسن من بتاع المدارس، بدون ورقة ولا قلم أنحت تمثالى برؤية فنية وفكرة محددة، وشغلى له طابع خاص ومعروف بـ(الرقبة الطويلة)»، وقد اختار أن يتميز بين النحاتين أمثاله بتلك «الرقبة الطويلة»، «تعبيرًا عن العزة والشموخ»، حسب قوله.
لكنه رغم ذلك علَّم نفسه فنيًا بالتردد على المعارض المختلفة، يواصل: «هى التى علمتنى الفن ومدارسه، لأفهم التجريدية والواقعية وغيرهما، وهذه المعارض وسعت من أفقى، إذ أشاهد الأعمال المختلفة، كمن يقرأ فى كتاب، كما جعلتنى أقترب من ناس مختلفة يقدرون الفن، مقارنة بمهنتى السابقة، وهو ما زاد خبرتى حتى وصلت الآن إلى أن أقيم أعمال غيرى، وأبدى رأيى فيها».
ينحاز «حربى» أكثر فى نحته للحارة وللحاجات الشعبية، يضيف: «شغلى كله عن الحارة الشعبية والزقاق، اهتم بالفلاح البسيط، بالطفل اللى جاى من السوق وهكذا».
وفى ورشته الصغيرة بمحافظة «الفيوم» يعتمد على آلات مثل الصاروخ والشاكوش ذى الأسنان والأزاميل والمبارد، بينما تختلف الفترة الزمنية التى ينتج فيها قطعة فنية، فقد ينفذها فى أيام أو أسبوع وقد تطول إلى شهر.
رغم أن تماثيله منتشرة فى كل دول العربية، لم يخرج «حربى» من «الفيوم»، حاملًا إرثها الفنى، ولوحاتها التراثية المعروفة باسم «وجوه الفيوم»، ولم يستقر يومًا فى القاهرة، ولا يزورها إلا لعرض أعماله، ويواصل العيش فى مدينته الأم، لكنه يرى أن ذلك أعاقه بعض الشىء، يقول: «مكنتش هسيب معرض فى القاهرة إلا لما أحضره، وأكيد كانت هتخلينى أعمل شغل أفضل».
لا يعطى «حربي» ورشًا فنية لكنه لا يرفض من يلجأ إليه، ويواصل: «ممكن لو جالى حد بدى له ورش، ممكن حد يجيلى يقولى عاوز أتعلم بعلمه مجانى عشان يجى حد يقف مع ولادنا، خصوصا إن أول واحد وقف معايا فى حياتى وهو الأستاذ محمد الفيومى عمل ده مجانى». ويفضل لقب «الفنان الفطرى»، فيختتم حواره مع «المصرى اليوم»: «وصف سليم، لأنى شغال براحتى، مش بقيد نفسى بـ(إسكتش) ولا باحب التقليد، المهم أعبر عن البيئة اللى أنا عايشها، هى موهبة وإلهام من الله، صحيح أننى أُمّىّ لكن الموهبة أكبر منى».

