شهر رمضان أحد المواسم الدرامية المهمة لصناع الدراما العربية، وربما يكون الموسم الأضخم والأكثر إنتاجا، هكذا عرف الموسم منذ نشأة الإنتاج الدرامي التلفزيوني مع ظهور الشاشة في بداية الستينيات من القرن الماضي، واستمر موسم رمضان الدرامي حتى الآن، وتنوعت المائدة الدرامية عبر سنوات طوال وتعددت جهات الإنتاج الدرامي بين مؤسسات الدول وخاصة مصر وسوريا ولبنان، ثم العراق وتونس والمغرب مع منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
كان لتلفزيون مصر السبق في هذا المجال، وأضيفت إليه شركات الإنتاج الخليجي أيضا في الكويت والسعودية، والشركات الخاصة المصرية التي بلغت قمة إنتاجها في العقد الأول من القرن الجديد، وفيما بعد 2014 حاولت جهات إنتاج جديدة مصرية وعربية احتكار الإنتاج الدرامي وصارت المواسم الدرامية خلال الأعوام الأخيرة شاهدة على هذا الاحتكار لنوعية الإنتاج، وللعاملين في المجال الذين صار أغلبهم بحاجة إلى تنازلات فنية، ووساطة لأجل العمل. فهناك مؤلفون، ومخرجون وفنيون، وممثلون كبار أصبحوا من رواد قهوة المعاشات ولا يجدون من ينتج أعمالهم، أو يقوم بتشغيلهم، وكل هذا جراء غياب الدولة وقطاعات إنتاج ماسبيرو.
نتائج احتكار الإنتاج
الواقع أن غياب مؤسسات الدولة عن الإنتاج الدرامي جعل الدراما المصرية والعربية محل انتقاد كبير وأصبحت نوعية واحدة من المضمون تقدم من خلال المؤسسات المحتكرة وغاب التنوع الدرامي الذي كان يميز الموسم الرمضاني، وصل الحال إلى غياب كامل للدراما السياسية والتاريخية والدينية في الموسم الحالي فيما عدا المسلسل الذي يقدم السيرة الذاتية لمعاوية بن أبي سيفان، أما الموسم الماضي فقدم عملا عن الإمام الشافعي وقد كان عملا مميزا في تقديري.
هذه الثنائية الدرامية في النوعية استدعت في وجدان المشاهدين ماضي الإنتاج الدرامي لمؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، ومع نهاية القرن الماضي كانت هناك ثلاث مؤسسات تابعة له تقدم نوعيات متعددة ومتنوعة منه، وهي قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة وأخيرا مدينة الإنتاج الإعلامي، وصلت الإنتاج الدرامي المصري إلى القمة طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات بقيادة قطاع الإنتاج التابع للهيئة الوطنية للإعلام (اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا)، ومع توالي السنوات أصبح الغالبية يحنون إلى تلك السنوات التي تألق فيها ماسبيرو بشركات إنتاجه.
شهدت تلك السنوات أكثر من عشرة استوديوهات مصرية تابعة للاتحاد تعمل ليل نهار من أجل تقديم إنتاج متميز ومنتوع، وهي استوديوهات القطاعات الثلاثة، إضافة إلى ما يقدمه القطاع الخاص، وقد كان العرض على شاشات التلفزيون المصري يحتاج إلى سعي من جانب تلك الشركات، فقد كان موسم رمضان الدرامي والبرامجي موسم ماسبيرو وقنواته، وسعت كل الشركات الخاصة لتحصل على مساحة عرض على شاشته سواء دراميا أو برامجيا.
سنوات الجفاف
بدأت استوديوهات ماسبيرو الستة التي تنتج الدراما، ومثلها استوديوهات صوت القاهرة في الإظلام رويدا رويدا مع بداية عام 2005 وظهر ما يسمى شركات المنتج المنفذ بديلا لقطاعات وشركات ماسبيرو وتضاءل الإنتاج مع سنوات وجود أنس الفقي وزير الإعلام قبل ثورة يناير، ثم بوجود أسامة الشيخ رئيس الاتحاد، فقد اعتمد الثنائي على شركات القطاع الخاص كمنفذة بديلة لما اعتبراه بيروقراطية ماسبيرو وقواعده سواء في جودة النص والاختيار أو في المراقبة الدقيقة في الصرف على الإنتاج، وكذلك في التخلص من الفنيين وكوادر ماسبيرو في كافة المهن الفنية، وهو الحال الذي جرى أيضا على البرامج التي أنتجت في عهد الثنائي والتي منحت لها ميزانيات ضخمة جدا كان من الممكن أن تنتج أعمالا درامية كبيرة، وكانت تلك السنوات هي بداية إهمال ماسبيرو وقطاعات إنتاجه الدرامي والبرامجي.
انطفأت أضواء استوديوهات الدراما في ماسبيرو وتحولت أكبر استوديوهات الدراما إلى إنتاج برامج إخبارية ومنوعات عمادها الرئيسي القادمون من الخارج، أما المعروض على شاشات ماسبيرو فقد كان من إنتاج شركات خاصة صاحبة نفوذ لدى صناع القرار، وهكذا صار على المتلقي أن يكون تحت رحمة ذوق تلك الشركات وتلاشت قواعد كانت صارمة في الإنتاج والعرض والتنوع في الموضوع وإن ظل ما أنتج حينها أفضل من الحالي.
المطلوب من المسلماني
تركة كبيرة لماسبيرو ومن يقوده فهو يملك إمكانيات كبيرة لوجستية وبشرية (من بقي منهم) ويمتلك قواعد إنتاجية تراعي الموازنة والجودة الإنتاجية والتنوع في الموضوع، يمتلك ورش إنتاج ديكور، وملابس، وحليا، ومخازن تمتلئ بتراث كبير يمكن تحويلها إلى متحف فني إن لم يمكن استخدامها.
لذا يجب على مجلس الهيئة الوطنية للإعلام أن يبدأ من داخل ماسبيرو لا من خارجه، وأن يبحث عن إمكانيات المبنى ولا يضيف عليه أعباء أكاديمية شكلية جديدة، هيئة استشارية، برتوكول تعاون، ويخلع عنه فكرة المانشيت ثم ينظر ماذا يمكن ماسبيرو أن ينتج؟
أقول لك أولا أعد استوديوهات قطاع الإنتاج الدرامي إليه من قناة الأخبار وقطاع الأخبار، فلتعد استوديوهات 3 و4 و5 و10 إلى القطاع الذي كان يملأ خرائط القنوات العربية دراميا يوما ما.
أعد تشغيل ورش إنتاج الديكور، والملابس، والإكسسوار، والحلي والمجوهرات إلى القطاع، انظر من بقي من أبناء المبنى، استدعهم لعمل موسم درامي جديد يبدأ مع الصيف، استنهض في نجوم مصر في الإنتاج الدرامي حسهم الوطني ليعيدوا ماسبيرو كما كان خلية نحل لا تهدأ طوال العام.
صدقني ستجد من يمد لك العون بالجهد، ولن يكون هذا مجانا، ولكن يمكن أن يكون بأجر أقل كثيرا من الخارج، اكسر احتكار الشركة الوحيدة للإنتاج الدرامي في مصر واجعل ماسبيرو بيتا لكل الذين لا يجدون فرصة لهم أو وسيلة للشركة المحتكرة.
تحدث وأنت تمتلك تاريخ مبنى عريق وإمكانياته البشرية والفنية، تحدث لأن هناك من أخذ تاريخك وثروتك وأدواتك للقوة، أعد تلك الأدوات، وبمناسبة الأدوات اقرأ كتاب اتحاد الإذاعة والتلفزيون لترَ ثروات ماسبيرو التي أخذوها، الترددات القصيرة المدى، والطويلة المدى داخل مصر، حق البث للبطولات الرياضية في مصر وكان حقا حصريا للهيئة (الاتحاد) لعل هذا يمدك بجزء من الاحتياجات المادية.
عليك أن توفر الحد الأدنى من الإمكانيات الفنية واللوجستية للبرامجيين في ماسبيرو للإنتاج، قديما كان هناك أجهزة تشترى لتملأ المخازن في قطاع الهندسة الإذاعية أبحث فيها لترَ هل فيها ما ينفع العصر وحداثته، فإن لم يكن فعليك أن تحاول شراء أجهزة أحدث، حاول أن تنهي فكرة برامج الأتوبيس (برنامج واحد يومي يشترك فيه عشرات من المخرجين) التي اخترعها أنس الفقي وأسامة الشيخ لدفن أبناء ماسبيرو ومواهبهم، فقد رأى كلاهما أن مشكلة ماسبيرو في أعداد العاملين به.