واجه تنفيذ حكم بـ74 جلدة ضد المغني الإيراني مهدي يراحي، الذي احتج على الحجاب الإلزامي، ردود فعل شعبية واسعة النطاق في إيران. ولجأ العديد من الإيرانيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاج على صدور الحكم وتنفيذه، معتبرين أن من غير المقبول معاقبة فنان بسبب التعبير بالموسيقى والأغاني عن آراء تتعارض مع وجهة نظر الحكومة. وبطبيعة الحال، أيد بعض أنصار الحكومة معاقبة يراحي لمعارضته السياسات الرسمية.
وكان مهدي يراحي المغني الأكثر نشاطاً وتأثيراً في حركة الاحتجاج ضد الحجاب الإجباري في إيران قبل عامين، والمعروفة باسم “حركة مهسا”. وصارت إحدى أغانيه، “سرود زين” (أغنية المرأة) إلى جانب أغنية شرفين حاجي بور “باري” (من أجل) الموسيقى الرسمية لحركة “زن زنديق آزادي” (حياة المرأة الحرة)”.
.
شعری بلند رفته به پهنای شانهات!
او را خدا زدهست که زد تازیانهات!
بادا که تا جوازِ بقا دارد این جهان
در گوش روزگار بپیچد ترانهات#مهدی_یراحی pic.twitter.com/HxtojnAqks
— Morteza Lotfi (@mortezalotfi65) March 5, 2025
واستمر في احتجاجه الموسيقي ضد الحجاب الإجباري حتى العام الماضي، عندما أنتج قطعة أخرى بعنوان “روسريتو بارادار” لدعم حرية الفتيات الإيرانيات. وتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن والجلد. ونفذ الحكم في طهران الأربعاء.
ومهدي يراحي البالغ من العمر 43 عاماً، مولود في الأهواز جنوب إيران لعائلة من أصل عربي. وبدأ باحتراف الغناء عام 2000.
ولكنه اكتسب شهرته من خلال أدائه شارة البرنامج التلفزيوني الرمضاني الشهير “قمر عسل” عام 2009، ثم قدم أغنية “عبرت الشط على مودك” للفنان كاظم الساهر، وهي من الأغاني العراقية القديمة. وقد اكتسب شعبية كبيرة في خوزستان.
واتُخذ أول إجراء قانوني ضده عام 2019 عندما صعد عمال شركة الصلب الوطنية في الأهواز الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ أشهر، على المسرح أثناء حفل موسيقي له.
در روزهایی که تمام جهان اذان #مهدی_یراحی را در ماه رمضان به عنوان زیباترین اذانی که شنیده شد پخش میکنند؛ موذن به جرم حقطلبی و حقگویی شلاق خورد.#StandWithMehdiYarrahi pic.twitter.com/wUSd5WUsZI
— Mehdi Yarrahi Media (@my_officialfans) March 5, 2025
ومُنع يراحي من العمل عندما أصدر أغنية “Pareh Sang” وهي ذات طابع مناهض للحرب لاقت انتقادات شديدة من وسائل الإعلام الرسمية في بلاده.
ولم يمضِ وقت طويل على رفع الحظر عنه، عقب الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار البنزين عام 2019، والتي أدت إلى مقتل عدد من المتظاهرين، حتى انتقد معاملة الحكومة للمتظاهرين على هامش حفلاته، ما أدى إلى حظره مرة أخرى.
ومذذاك، أصبحت جميع أعمال يراحي ذات طابع احتجاجي، وجرى نشر جميع أعماله من دون ترخيص، ومنها أغنية “الفتاة الزرقاء” التي صدرت عام 2020 تخليداً لذكرى سحر خدايري، الفتاة التي أضرمت النار في نفسها احتجاجاً على اعتقالها بعد محاولتها دخول ملعب آزادي لمشاهدة كرة القدم.
که فریاد شاید قرق را شکست
در جدال با #خاموشی
علیه فراموشی
با یادی از زنده یاد #کیانوش_سنجری
برای همه قربانیان و دربندان ستم.#khamooshi #آبان #زن_زندگی_آزادی #مهسا_امینی pic.twitter.com/h1Tj7DoZbv
— Mehdi Yarrahi (@yarrahimehdi) November 15, 2024
وأصدر يراحي بعد ذلك أغنية جديدة تخليداً لذكرى الضحايا الإيرانيين في حادث تحطم الطائرة الأوكرانية. وفي العام التالي، غنى الأغنية العربية “أهواك” دعماً لأهالي خوزستان الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على نقص المياه. ولكن لم يتمكن أي إجراء قانوني ولا منع العمل من ردع يراحي عن الموسيقى الاحتجاجية، بل على العكس من ذلك أدى إلى زيادة شعبيته.
وللموسيقى الاحتجاجية تاريخ طويل في إيران، وكانت أداة مهمة في تشكيل الحركات الاجتماعية ودفعها إلى الأمام. وتصبح الأغاني الاحتجاجية والمقطوعات الموسيقية الملحمية، عندما يتم دمجها، راسخة في الذاكرة الجماعية للشعب، ويعود تاريخ هذه الحركة الفنية في إيران إلى ما قبل 150 عاماً، عندما حصلت الثورة الدستورية في إيران في عهد القاجار.
ويعد عارف قزويني وميرزاده عشقي ومالك الشعراء بهار من أهم شعراء الاحتجاج الإيرانيين، إذ عادت قصائدهم إلى الانتشار مرات عدة على مر السنين من مطربين احتجاجيين مثل محمد رضا شجريان، وكان لها تأثير عميق على المجتمع والجماهير، بغض النظر عن الجيل أو العمر. ولم ينس الإيرانيون بعد أنه عندما أدى شجريان أغنية “مرغ سحر”، وقف الجمهور احتراماً وغنوا معه بعيون دامعة.
وبعد سنوات، أصبح مغنون آخرون خلال النظام البهلوي، مثل فرهاد مهراد، وفريدون فروغي، وداريوش إقبالي، قادة للموسيقى الاحتجاجية ولعبوا أدواراً فعالة في حشد الشباب ضد النظام البهلوي من خلال القطع الملحمية لإسفنديار مونفريد زاده.
وفي السنوات التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران، انتقلت الحركة الإيرانية للموسيقى الاحتجاجية إلى أميركا، تزامناً مع هجرة واسعة للموسيقيين إلى هناك. لكن مع مرور الوقت، ومواكبة للظروف الاجتماعية والسياسية، ازدهرت الموسيقى الاحتجاجية مرة أخرى في إيران، وبرز من داخلها مطربون مثل حسين زمان، ومحسن نامجو، ومحسن تشوشي، وكاوه يغمائي، وشاهين نجفي، وشرفين حاجي بور وياس.
أظهرت تجربة العهد البهلوي وعهد الجمهورية الإسلامية أن التدخلات القضائية والأمنية بالموسيقى الاحتجاجية لم تنجح في ردعها، بل أدت أيضاً إلى زيادة شعبية الفنانين في هذا المجال. ويصبح بعض هؤلاء الفنانين أكثر تطرفاً ويهاجرون خارج إيران، لكن بعضهم، مثل يراحي، يظلون في إيران ويتحملون آلام الجلد، لكنهم يواصلون مسيرتهم.