الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال استقباله ترامب في بكين، 9 نوفمبر 2017 (فرانس برس)
قررت الصين فرض رسوم جمركية على مجموعة منتقاة من السلع الأميركية، رداً على فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفة جمركية إضافية بنسبة 10% على البضائع المستوردة من الصين، ما يؤجج الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم مرة أخرى، ويربك أسواق الأسهم والعديد من السلع الأساسية.
وأعلنت بكين، أمس الثلاثاء، أنها ستفرض رسوماً بنسبة 15% على واردات الفحم والغاز الطبيعي المسال الآتية من الولايات المتحدة، بينما ستفرض رسوماً نسبتها 10% على واردات النفط الخام والآليات الزراعية والمركبات ذات المحركات الكبيرة والشاحنات الصغيرة.
وتعد الصين سوقاً رئيسياً لصادرات الطاقة الأميركية. وبحسب بيانات بكين الجمركية، بلغ مجموع واردات النفط والفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أكثر من 7 مليارات دولار العام الماضي. لكن الرقم أقل بكثير من واردات الصين من قوى تقيم معها علاقات ودية مع روسيا التي بلغت قيمة وارداتها منها العام الماضي 94 مليار دولار.
وشكلت صادرات الولايات المتحدة من الغاز المسال نحو 6% من إجمالي واردات الصين من الوقود العام الماضي، بحسب بيانات تتبع السفن، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية. وأفادت وزارة المالية الصينية في بيان الإعلان عن الرسوم الجمركية بأنّ “فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية أحادية يُعد انتهاكاً خطيراً لقواعد منظمة التجارة العالمية.. وفضلاً عن أن ذلك لن يساعدها في حل المشكلات التي تواجهها، فإنه سيقوض أيضاً التعاون الاقتصادي والتجاري المعتاد بين الصين والولايات المتحدة”.
تحقيق مع “غوغل” وحظر معادن نادرة
وفضلاً عن الرسوم الجمركية، أعلنت الصين فتح تحقيق يستهدف مجموعة “غوغل” الأميركية العملاقة للتكنولوجيا. كانت خدمات البحث والإنترنت التي تقدمها “غوغل” غير متاحة للمستهلكين في الصين منذ 2010، مع ذلك، ما يزال للشركة أنشطة في البلاد، وتتمثل بشكل رئيسي حول نشاط الإعلانات. كما تقرر إدراج مجموعة الأزياء الأميركية “بي في إتش كورب” المالكة للعلامتين التجاريتين “تومي هيلفيغر” و”كالفن كلاين”، إضافة إلى شركة “إليومينا” العملاقة المتخصصة في مجال التقنية الحيوية على قائمة “الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها”.
وكشفت بكين أيضاً عن ضوابط جديدة على تصدير المعادن النادرة والكيماويات، بما فيها “التنغستن” و”التيلوريوم” و”البزموت” و”الموليبدنوم”، وكلها عناصر تستخدم في العديد الصناعات. وقال جانغ جيوي من شركة “بنبوينت لإدارة الأصول” في مذكرة: “أعتقد أن الرد ليس عدائياً، إذ إن الصين لا تستهدف غير بعض المنتجات الأميركية، رداً على الرسوم الجمركية الأميركية على كل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة”. وأضاف أن “ذلك على الأرجح ليس إلا بداية عملية طويلة للبلدين للتفاوض”.
وفي أمر تنفيذي صدر، السبت الماضي، دعا ترامب الحزب الشيوعي الصيني إلى وضع حد للمنظمات الإجرامية التي تسهل تدفق المواد المخدرة المحظورة. وأشار ترامب إلى أنه فرض الرسوم لمعاقبة الصين وكندا والمكسيك على فشلها في وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين والمخدرات، خصوصاً “الفنتانيل”، إلى الولايات المتحدة.
تتزامن الإجراءات التي اتخذتها الصين مع بدء سريان الرسوم الجمركية الأميركية، فيما تغير الوضع في المكسيك وكندا، حيث تمكنت الدولتان من تأجيل فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% لمدة شهر بعد التوصل إلى اتفاقين منفصلين مع ترامب.
وتعد كندا والصين والمكسيك الشركاء التجاريين الثلاثة الأكبر للولايات المتحدة. وأكد البيت الأبيض في وقت سابق إجراء “محادثات مكثّفة للغاية” نهاية الأسبوع. وقال مدير “مجلس الاقتصاد الوطني” كيفن هاسيت لشبكة “سي إن بي سي”: “هذه ليست حرباً تجارية، إنها حرب على المخدرات”، مشيراً إلى أن “الكنديين أساؤوا على ما يبدو فهم اللغة الواضحة”. لكن بيانات الحكومة الأميركية تظهر أن كمّاً ضئيلاً جداً من المخدرات وعدداً لا يذكر من المهاجرين يدخل عبر الحدود مع كندا.
وأطلق الكنديون صيحات استهجان لدى عزف النشيد الوطني الأميركي خلال المناسبات الرياضية وألغوا عطلات كانت مقررة في الولايات المتحدة وقاطعوا المنتجات الأميركية. ومنعت مقاطعة أونتاريو الكندية الأكثر سكاناً الشركات الأميركية من الدخول في مناقصات على عقود حكومية بعشرات مليارات الدولارات وتخلت عن اتفاق مع “ستارلينك” التابعة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، حليف ترامب. وكثّف ترامب الضغوط أخيراً عبر الدعوة مجدداً، يوم الاثنين الماضي، إلى تحولها للولاية الأميركية الـ51.
إلحاق الضرر بالشركات الأميركية وإرسال تحذير إلى ترامب
وجاءت الرسوم الجمركية الأميركية، التي قال عنها ترامب، يوم الاثنين الماضي، إنها “ضربة افتتاحية”، بالإضافة إلى الرسوم التي فرضها خلال ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، حيث واجهت العديد من المنتجات الصينية بالفعل تعريفة بنسبة 10% أو 25%، وتضيف هذه الخطوة تعريفة بنسبة 10% إلى أكثر من 400 مليار دولار من السلع التي يشتريها الأميركيون من الصين كل عام.
وأشارت الضربات المضادة الأخيرة من جانب الصين إلى محاولة إلحاق الضرر بالشركات الأميركية بدقة أكبر وإرسال تحذير إلى إدارة ترامب، في حين تحتفظ بتدابير احتياطية يمكن أن تسبب ضرراً أكثر خطورة للتجارة بين أكبر اقتصادين في العالم. وقال بيرت هوفمان، المسؤول السابق في البنك الدولي والأستاذ المساعد في معهد شرق آسيا في الجامعة الوطنية في سنغافورة لصحيفة نيويورك تايمز: “بقدر ما أستطيع أن أرى حتى الآن، إنها استجابة محدودة نسبياً، ولا تؤثر على أكثر من 30% من الصادرات الأميركية إلى الصين.. ربما يحاولون إبقاء بارودهم جافاً، لأن الرسوم التي فرضها ترامب قد تكون مجرد الخطوة الأولى”.
وقالت لويز لو، الخبيرة الاقتصادية الصينية الرائدة في شركة الاستشارات “أكسفورد إيكونوميكس”، في تقرير، وفق صحيفة وول ستريت جورنال، إن الاستجابة المبكرة للصين للتعريفات الجمركية الجديدة من الولايات المتحدة هي “خطوة أكثر رمزية في الوقت الحالي”، مشيرة إلى فرض تعريفات تصل إلى 15% على سلع أميركية مختارة. ووفق التقرير من المرجح أن تكون هناك جولات أخرى من التعريفات الجمركية، نظراً لأن الولايات المتحدة قالت إنها ستزيد العقوبات إذا ردت الصين برسوم انتقامية. ولفت إلى إن الصين يمكن أن تضعف عملتها أيضاً وتقدم الدعم للمصدرين الصينيين لمعالجة التعريفات الجمركية.
ورغم رمزية الرد الصيني على رسوم ترامب، إلا أن ذلك أحدث ارتباكاً في أسواق الطاقة والمعادن. فقد واصلت أسعار النفط تراجعها، حيث انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى حوالي 72 دولاراً، بعد أن انخفض بنسبة 1.9% فور الإعلان عن الإجراءات الصينية، أمس، في حين اقترب مزيج خام برنت العالمي من 75 دولاراً.
وقالت تشارو تشانانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في مؤسسة “ساكسو ماركتس” في سنغافورة لوكالة بلومبيرغ إن “التقلبات في سوق النفط هي انعكاس لعدم اليقين السياسي الذي تجلبه إدارة ترامب الجديدة”، معتبرة أن عدم اليقين “يطغى على أساسيات الخام، حيث إن السوق مدفوعة بالمشاعر إلى حد كبير، وتلعب التعريفات الجمركية دوراً مهماً في تشكيل اتجاه الأسعار”.
وواجهت العقود المستقبلية بداية صعبة لهذا العام، حيث ارتفعت في بداية العام بسبب الشتاء البارد والعقوبات الأخيرة على إمدادات روسيا، قبل أن تقلص هذه المكاسب بعد تولي ترامب منصبه في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، وتهديده بفرض تعريفات شاملة يمكن أن تعيق النمو العالمي.
تظل مخاوف الطلب ذات صلة، مع انخفاض نشاط التصنيع في الصين، أكبر مستورد للخام، بشكل غير متوقع للشهر الثاني في يناير/كانون الثاني. وفي الوقت نفسه، لم يدخل تحالف “أوبك+” أي تغييرات على خطط إنتاج النفط الحالية في اجتماع المراجعة، يوم الإثنين الماضي، حتى مع طلب الرئيس الأميركي من المجموعة المساعدة في خفض أسعار النفط من خلال توسيع الإنتاج.
ومن المقرر أن يحافظ التحالف الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة “أوبك” وكبار المنتجين من خارجها على راسهم روسيا، على قيود الإنتاج خلال الربع الأول من العام الجاري، ثم يزيد الإنتاج تدريجياً على دفعات شهرية اعتباراً من بداية الربع الثاني مطلع إبريل/ نيسان.