يعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن برنامجه الاقتصادي يفرض تحديات على المدى القصير، لكنه يؤكد أن الولايات المتحدة تسير نحو عصر ذهبي جديد، غير أن معالم هذا المستقبل تبقى غامضة، كما أن الفترة اللازمة لتحقيقه غير واضحة، ما يزيد حالة القلق في الأوساط الاقتصادية، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
وفي ظل تذبذب الأسواق المالية وقلق المستثمرين، يشدد البيت الأبيض على أن سياساته تستهدف المواطن العادي وليس «وول ستريت»، لكن حتى الآن، لم تُقنع هذه الوعود لا الرأي العام ولا الأسواق المالية، فالتخبط الحكومي والتصريحات المتضاربة تهدد استقرار الاقتصاد الأميركي، حيث بدأت توقعات النمو في التراجع، فيما تتزايد مشاعر التشاؤم لدى الأميركيين.
وبحلول منتصف مارس، تراجع مؤشر ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2022، وهو تاريخ شهد موجة تضخم غير مسبوقة منذ أربعة عقود. تزامن ذلك مع تراجع حاد في الأسواق المالية، مما زاد المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي.
مشروع طموح.. لكن
يعد ترامب بتقديم أعلى مستوى معيشة في العالم، وجعل الولايات المتحدة الدولة الأكثر ثراء وديناميكية، وفق ما صرّح به أمام الكونغرس.
إلا أن تفاصيل هذا المشروع تُركت لمستشاريه، وعلى رأسهم وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي أوضح أن خطط الإدارة تشمل تخفيف القيود المصرفية، وإعادة صياغة السياسة التجارية، وإعادة توزيع أعباء الدفاع.
وإذا نجح هذا النهج، فقد يؤدي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الأميركي بشكل جذري. إذ يمكن أن تعزز الولايات المتحدة اكتفاءها الذاتي في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والخشب، والصلب، وأشباه الموصلات، ما يقلل اعتمادها على الواردات.
كما أن تقليص الإنفاق العام، الذي يمثل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، قد يعيد مستويات الإنفاق إلى ما كانت عليه عام 2000، أي حوالي 29% من الناتج المحلي الإجمالي.
بين الجرأة والتهور
تواجه خطة ترامب الاقتصادية مشكلات حقيقية، أبرزها العجز المزمن في الميزان التجاري والإنفاق الحكومي المرتفع، والذي تفاقم خلال إدارة بايدن ليصل إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
إلا أن الحلول التي يطرحها، مثل فرض رسوم جمركية غير مسبوقة منذ قرن، تُعد جريئة وربما غير واقعية بحسب بعض الاقتصاديين.
قرارات ترامب التجارية، التي تتخذ أحياناً ثم تُلغى سريعاً، تزيد حالة عدم اليقين. فالرسوم الجمركية، التي يُفترض أن تحفز الإنتاج المحلي وتُعيد المصانع إلى الداخل، قد تؤدي في المقابل إلى رفع الأسعار وزيادة التكاليف على المستهلكين، ما يُعقد جهود الإدارة في تقليص العجز.
مرحلة طويلة ومؤلمة
حتى أكثر المؤيدين لترامب يعترفون بأن تنفيذ خططه الاقتصادية لن يكتمل قبل نهاية ولايته الثانية في يناير 2029.
بناء المصانع الجديدة وتطوير سلاسل إمداد محلية بديلة سيستغرق أعواماً ويتطلب استثمارات ضخمة.
كما أن تقليص العجز يستدعي تخفيضات كبيرة في الموازنة، ما قد يؤثر على برامج الإنفاق الاجتماعي والدفاع.
رغم تأكيدات إدارة ترامب، بيد أن الشكوك لا تزال تحيط بجدوى هذه السياسة. فوفقاً لاستطلاع حديث أجرته شبكة «سي إن إن» الإخبارية، أعرب 56% من الأميركيين عن عدم رضاهم عن طريقة تعامله مع الاقتصاد، وهي نسبة سلبية غير مسبوقة مقارنة بعهده الأول.
غياب المعارضة الداخلية
رغم الانتقادات، يبدو أن الرئيس ليس مستعداً لتغيير نهجه، فبخلاف فريقه الأول الذي كان يضم تيارات مختلفة بين الجمهوريين التقليديين والشعبويين، فإن مستشاريه الحاليين يبدون أكثر انسجاماً معه، ما يقلل من احتمال بروز أصوات معارضة داخل البيت الأبيض.
حتى مجتمع الأعمال يتجنب المواجهة العلنية مع ترامب، وفي اجتماع مغلق مع كبار المديرين التنفيذيين، أعرب البعض عن قلقه من تفكيك سريع لسلاسل الإمداد الدولية، إلا أن النقاش لم يشهد اعتراضات حادة.
وبينما يترقب الجميع تداعيات الثورة الاقتصادية التي يقودها ترامب، يراهن بعض رجال الأعمال على الزمن، معولين على أن الرئيس لن يبقى في منصبه إلى الأبد، على حد تعبير أحد التنفيذيين الجمهوريين، في إشارة إلى أن السياسات الحالية قد تكون مؤقتة وتنتهي بتغير الإدارة في غضون أربع سنوات.