تعد الثورة السورية من أكثر الثورات دموية في الربيع العربي، إذ انطلقت شرارتها الأولى في 15 مارس 2011، بعد الدعوات إلى التظاهر السلمي بمطالب مماثلة لثورتي مصر وتونس. وبشكل عفوي وغير منظم، انطلقت الاحتجاجات الشعبية في سوريا في مارس 2011، عند خروج مظاهرات في مدن سورية عدة مطالبة بإطلاق الحريات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون ورفع حالة الطوارئ، ثم مع الوقت ازداد سقف المطالب تدريجيا حتى وصل إلى إسقاط نظام بشار الأسد بالكامل.
وتصاعدت وتيرة الأحداث بين المتظاهرين ونظام الأسد بعد رفع المحتجين شعارات بـ”إسقاط النظام” قوبلت بقمع أكثر ضراوة، واشتدت القبضة الأمنية عبر الاعتقالات والانتهاكات، وارتفعت أعداد الضحايا. وفي بداية جوان 2011 ظهرت الانشقاقات العسكرية عن الجيش الذي تم الدفع به للسيطرة على المدن والبلدات، وكان في طليعة المنشقين المقدم حسين هرموش، الذي أعلن تأسيس حركة الضباط الأحرار، وتبنى نصب كمائن للقوات الأمنية التي حاولت التقدم باتجاه مدينة جسر الشغور.
بعد الإعلان عن حركة الضباط الأحرار سيطر الجيش التابع للنظام السوري على جسر الشغور، وغاب الهرموش عن المشهد، حيث دخل إلى تركيا، قبل أن يقع في كمين على الحدود السورية التركية، واعتقلته قوات النظام ثم أعدم. في أواخر عام 2012، استضافت مدينة أنطاليا التركية مؤتمرا جمع أكثر من 300 شخصية معارضة سورية، بالإضافة إلى عسكريين يقودون كتائب مسلحة، وتم الإعلان عن تشكيل هيئة أركان برئاسة العميد المنشق سليم إدريس.
أصبحت هذه الهيئة مسؤولة عن استلام الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الصديقة للمعارضة السورية وتوزيعه على الفصائل العسكرية الموزعة على 4 مناطق جغرافية.
وفي عامي 2013 و2014 أسست الدول الداعمة للمعارضة السورية غرفتي تنسيق الدعم “الموك”، وهي غرفة قيادة وتنسيق وإصدار أوامر مخصصة للجنوب السوري ومقرها درعا، و”الموك”، وهي غرفة العمليات المشتركة ومخصصة لشمال سوريا. ومع هذه التطورات أصبحت الفصائل العسكرية المعارضة للنظام السوري تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الدولي.
كان لإعلان غرف الدعم العسكري تأثير على بلورة هيكلية الفصائل التابعة للمعارضة السورية المسلحة، ولكن منذ عام 2014 وقعت جملة من الأحداث التي أثرت بشكل بالغ على واقع هذه الفصائل سلبا وإيجابا، إلى أن وصلت إلى مرحلة تقاسم النفوذ الحالية على الأراضي السورية.
وفي منتصف 2013، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، ومع حلول صيف 2014 توسع نشاطه بشكل أكبر، وجرى الإعلان عن “الخلافة الإسلامية” ومبايعة أبو بكر البغدادي خليفة للتنظيم الذي استقطب الآلاف من المقاتلين العراقيين والسوريين والأجانب.
في سبتمبر 2014، أعلنت أكثر من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في العراق وسوريا. وجد هذا التحالف في المقاتلين الأكراد حليفا مهما على الأرض، فاستفاد هذا التشكيل من دعم التحالف الدولي ووسع سيطرته تدريجيا على حساب تنظيم الدولة ثم فصائل المعارضة السورية المسلحة، وبات يسيطر على مدينة الرقة وأجزاء واسعة من الحسكة ودير الزور وريف حلب.
وبعد الإعلان عن التحالف، نشرت القوات الأمريكية المئات من مقاتليها بشكل تدريجي شمال شرقي سوريا، ووزعتهم على أكثر من 9 مواقع في الحسكة ودير الزور والرقة.
وانخرطت إيران بشكل واسع في دعم النظام السوري ضد المعارضة السورية المسلحة، عن طريق إرسال خبراء من الحرس الثوري الإيراني والاستعانة بفصائل مدعومة من طهران، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي ولواءي “فاطميون” الأفغاني و”زينبيون” الباكستاني. لكن المعارضة تمكنت من الاستحواذ على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وشارفت على حسم الحرب لصالحها في مطلع عام 2015، عندما شنت فصائلها في ريف دمشق ومحافظة إدلب هجوما متزامنا على مواقع النظام في دمشق وإدلب نتجت عنه السيطرة بشكل شبه كامل على محافظة إدلب والوصول إلى أبواب محافظة اللاذقية التي تؤوي أكبر حاضنة شعبية للنظام.
كما هددت المعارضة سيطرة النظام على العاصمة دمشق، مما دفع روسيا إلى اتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر في سبتمبر 2015، فأرسلت أسراب طائرات حربية ومستشارين عسكريين لمساندة النظام السوري والفصائل المدعومة من إيران، وأسست قاعدة جوية في حميميم بريف اللاذقية، وأخرى بحرية في طرطوس.
عقدت روسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقا في فيفري 2016 يعرف باسم “كيري – لافروف”، نسبة إلى وزيري خارجية البلدين آنذاك، وتضمن تقسيم السيطرة على الأجواء السورية إلى غرب نهر الفرات وشرقه، وتقرر أن تكون المنطقة الأولى تحت سيطرة روسيا والأخرى تحت سيطرة واشنطن.
وخلال تلك الفترة، لم تكن الولايات المتحدة مهتمة بدعم المعارضة بحجة التركيز على هزيمة تنظيم الدولة، وحولت دعمها تدريجيا لصالح وحدات حماية الشعب الكردية التي أصبح اسمها في ما بعد “قوات سوريا الديمقراطية”، مع إيقاف الدعم بشكل كامل عن المعارضة السورية في بداية 2016. مهّد الاتفاق الأجواء لقيادة روسيا عمليات عسكرية عدة ضد المعارضة السورية، أولاها استهدفت تقويض سيطرة المعارضة على أحياء مدينة حلب الشرقية، وانتهت بمغادرة الفصائل هذه الأحياء في ديسمبر 2016 تحت ضغط الغارات الجوية والمجازر بحق المدنيين.
وفي أعقاب ذلك تم توقيع اتفاق أستانا لخفض التصعيد بمشاركة تركيا وروسيا وإيران، وانتشرت بموجبه نقاط مراقبة للدول الضامنة داخل الشمال السوري وفي محيطه، خاصة تركيا التي دفعت بآلاف الجنود إلى الشمال السوري.
بعد سقوط حلب نفذت روسيا عملية عسكرية مماثلة في الغوطة الشرقية مماثلة لعملية حلب، انتهت باتفاق تهجير الفصائل ومن يرغب من معارضي النظام السوري باتجاه الشمال في أفريل 2018.
في 2018 وقّعت روسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني والأردن والإمارات اتفاق القدس الأمني، وبموجبه تم إنهاء دعم فصائل المعارضة السورية الجنوبية، وإتاحة المجال أمام سيطرة قوات النظام السوري على محافظتي درعا والقنيطرة، بموجب تعهدات روسية بمنع نشاط الفصائل الإيرانية قرب هضبة الجولان المحتلة، وانتهى الأمر باتفاق التسوية صيف عام 2018، والذي أتاح المجال لمن يريد المغادرة من فصائل درعا باتجاه الشمال السوري، وبقاء من يرغب مع تسليمه السلاح الثقيل.
وفي ماي 2019، اتجهت روسيا لحسم المعركة في إدلب، وأطلقت حملة عسكرية سيطرت من خلالها على مساحة جغرافية واسعة من ريف حماة وجنوب إدلب، لكنها اصطدمت بالموقف التركي الرافض لاستمرار العمليات العسكرية، خاصة في ظل انتشار القوات التركية في المنطقة بموجب تفاهمات أستانا، وتم توقيع اتفاق مارس 2020 الذي جمد الصراع بين النظام السوري والمعارضة.
وفي مارس 2020، اتفقت روسيا، حليفة سوريا، وتركيا التي تدعم فصائل معارضة، على وقف لإطلاق النار أدى إلى إنهاء المواجهات العسكرية في آخر معقل كبير للفصائل في شمال غرب سوريا.
وتجددت الحرب في سوريا بعد توقف دام 4 سنوات، وأضعفت التطورات المتسارعة في سوريا، منذ أكثر من أسبوع، قبضة نظام بشار الأسد، بعد أن تلقى جيشه ضربات متتالية، أبرزها خروج مدينة حلب عن سيطرته واستيلاء الفصائل المسلحة على مدينة حماة. وظهر جليا تخلي روسيا عن حليفها، ما عجل بسقوط نظامه.