يبرز فن «الرسم بالضوء»، كواحد من أكثر أشكال التعبير الإبداعي ابتكاراً في دبي، كونه يجمع بين تقنيات الخط العربي التقليدي، وابتكارات التصوير الفوتوغرافي الحديثة، ليخلق تجربة فريدة، تأسر الأذهان وتلامس القلوب.
من خلال تجاربه الإبداعية لعصرنة الفنون الإسلامية والخط العربي، يقدم الفنان والخطاط العالمي التونسي كريم جباري، العديد من المعارض والورش لهذه التقنية في دبي، مستخدماً الضوء كوسيلة للتعبير في فضاء ثلاثي الأبعاد، بهدف جذب انتباه الأجيال الجديدة، وإلهامهم للتواصل مع التراث الثقافي الغني، وتعريفهم بجماليات الخط العربي.
العودة للجذور
وأكد الفنان كريم جباري لـ«البيان»، أن ممارسته الإبداعية لتقنيات الرسم بالضوء ودمج الخط العربي في دبي الشغوفة بتكريس الفنون الإسلامية، تحت مظلة حراكها الفني، هي وسيلته لاكتشاف طرق جديدة لتعزيز حضور واستدامة الخط العربي واللغة العربية وجذورهما التاريخية، التي تشكل حجر الزاوية للفنون الإسلامية الحرفية والإبداعية، والتي هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا العربي، متابعاً: «وبالنسبة للفنان، فهو ليس بحاجة إلى التطور وحسب، بل إلى استخدام تراثه، والمكان الذي ينحدر منه، للتعبير عن نفسه، والتأثير في تطور الفن، عبر عصرية أشكاله وقوالبه من خلال التكنولوجيا الحديثة، مثل البرمجيات، والتصوير الفوتوغرافي، والتجارب الغامرة بالفيديو.
لقد حظيت هذه الطريقة باهتمام كبير على مر السنين».
دعم المواهب
وأضاف جباري، الحاصل على المركز الثاني لجائزة الإبداع الإسلامي الأولى: «إن فن الخط العربي ليس مجرد ماضٍ، بل هو حاضر مشرق ومستقبل واعد.
في هذه الرحلة الفنية، نستكشف كيف يضيء الفنانون بإبداعاتهم سماء دبي، ويعيدون تعريف جماليات الخط العربي، من خلال ورش الرسم بالضوء، التي تنظمها هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، من خلال مهرجان سكة للفنون والتصميم، وكذلك ورش مركز «تشكيل للفنون»، لتمكين الفنانين الشباب والمواهب المحلية من تجسيد جمال الخط العربي بتقنيات معاصرة، ورؤى عالمية، تسهم في نشر ثقافة وتاريخ الهوية العربية الإسلامية».
فن الشارع
وفي ما يتعلق باستخدام برنامج حصري طوره بنفسه لإنشاء أعمال فنية بتقنية رسم الخط العربي بالضوء، قال جباري، عضو التحالف الدولي للرسم الضوئي (LPWA): «بدأت في تطويره منذ عام 2009، وكان تحدياً كبيراً بالنسبة لي، في ظل عدم وجود مرجع مرئي، ما تطلب تطوير تقنيات فريدة بأسلوب شخصي، وباستخدام كاميرا احترافية مجهزة بتقنية التصوير الرقمي بالعدسة الأحادية العاكسة (DSLR)، والوميض الضوئي، ونظام تنقية الضوء الطبيعي وضوء الغروب، لتصميم لوحات خط عربي ضوئية أخاذة، توحي بأن الصور معدلة رقمياً، في حين أنها مصممة من خلال الدمج الفوري بين التصوير الفوتوغرافي والخط العربي.
طورت هذا البرنامج لعرض عملية الخط في الوقت الحقيقي.
من خلال تحريك الضوء، يمكن عرضه مباشرة، ما يتيح للجمهور التفاعل مع التجربة، والتي قد تبدو حركات الضوء خلالها عشوائية، ولكن بالنسبة لي، فهي مدروسة ودقيقة، ما يسمح لي بتصحيح أي تفاصيل مفقودة».
وفي ما يتعلق بتجارب الرسم الضوئي وانتشاره في دبي، يقول جباري، الذي صنفته الجائزة الدولية للفن العام في عام 2015، كواحد من أفضل 30 فناناً عاماً على مستوى العالم: «لقد كنت أعلّم الخط الضوئي لأكثر من عشر سنوات، بدأت في أبوظبي، ثم قمت بإجراء العديد من ورش العمل والعروض في دبي. يسعدني أن أرى أن رسم الخط العربي بالضوء وتجاربه الفنية، تحظى بشعبية من قبل الجمهور والنقاد في دبي، وهناك اهتمام متزايد بهذا الشكل الفني.
والجدير بالذكر أنه في عام 2013، أطلقنا سلسلة من ورش العمل بعنوان «الضوء في المدينة»، حيث استكشف المشاركون مواقع مختلفة في دبي، مستخدمين الضوء والخط، لتعزيز جمال المناظر الطبيعية.
جعلني هذا المشروع أدرك الإمكانات الكبيرة للنمو في هذا الوسيط الفني».
الإبداع البشري
وحول أهمية ورش الرسم بالضوء في تطوير مهارات الفنانين والمصورين، قال جباري، الذي قدم العديد من المحاضرات في العديد من الجامعات العالمية: «تركز هذه الورش على كيفية استخدام المهارات الجسدية والمساحات المحيطة بالفنان المصور، لتعزيز تقنيات رسم الخط العربي بالضوء، بهدف التعبير عن الذات، وفهم الديناميكية المكانية، وبانوراما الفن في الشوارع العامة.
وهي عملية تتطور بتطور قدرة الفنان المصور في تحريك جسده، واستحضار اللحظة المناسبة لتنفيذ هذا العمل الفني، عبر تتبع حركات الضوء في الوقت الحقيقي، دون تدخل وسائط أخرى.
وأنا شخصياً أعارض استخدام الذكاء الاصطناعي في ممارستي الفنية، ولا أشجع الاعتماد عليه بين الفنانين.
أعتقد أنه قد يقوض الإبداع البشري.
ومن جانب آخر، فأنا ملتزم بتطوير هذا الشكل الفني، مع الحفاظ على جذوره في تقاليد الخط، لضمان استمرار هذا التقليد الجميل القادر على تقديم ارتباط أعمق مع الوسائط التقليدية، يتجاوز انتشار التجارب الرقمية والذكاء الاصطناعي كعناصر أساسية، تفتقر لروعة الإحساس والشعور بالفخر بما يمتلكه الإبداع البشري من قدرات مذهلة».