اعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع أن “عمليات القتل الجماعي” خلال الحملة الأمنية في الساحل السوري تشكل تهديدًا لجهوده للم شمل البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه.
وكان الشرع يتحدث لوكالة “رويترز” أمس الأحد من القصر الرئاسي في دمشق حيث مقر إقامة الأسد حتى أطاحت به فصائل المعارضة السورية في 8 ديسمبر/ كانون الأول مما أجبره على الفرار إلى موسكو.
وفي أول مقابلة يجريها مع وكالة أنباء عالمية بعد أربعة من هجمات منسقة لعناصر نظام الأسد التي شهدتها محافظتا منطقة الساحل السوري، اللاذقية وطرطوس، ما أوقع عددًا كبيرًا من الضحايا، حمل الشرع جماعات موالية لرئيس النظام السابق بشار الأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنه أقر بأن أعمال قتل انتقامية وقعت في أعقاب ذلك.
وإثر ذلك، استنفرت قوى الأمن والجيش ونفذت عمليات تمشيط ومطاردة لعناصر النظام السابقة، تخللتها اشتباكات عنيفة، وسط تأكيدات حكومية بأن الأوضاع تتجه نحو الاستقرار الكامل.
الشرع: “القانون سيأخذ مجراه على الجميع”
وقال الشرع: “سوريا نحن أكدنا أنها دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع”.
وأضاف: “نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن تسفك هنا قطرة دم بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا. لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا”.
وفي مقابلة تناولت العديد من الملفات، قال الشرع أيضًا: إن “حكومته لم تجر أي اتصالات مع الولايات المتحدة منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه”. وكرر مناشدة واشنطن رفع العقوبات التي فرضتها على دمشق في عهد الأسد.
وطرح أيضًا احتمال استعادة العلاقات مع موسكو التي دعمت الأسد طوال الحرب وتحاول الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين مهمتين في سوريا.
كما رفض الشرع انتقادات إسرائيل التي استولت على أراضٍ في جنوب سوريا منذ الإطاحة بالأسد. وقال إنه يسعى إلى حل الخلافات مع الأكراد، بما في ذلك من خلال الاجتماع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتدعمها واشنطن منذ فترة طويلة.
وحمل الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية مسؤولية اندلاع العنف في الأيام الماضية، لكنه أقر بأن “أطرافًا عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة”.
وقال الرئيس السوري: إن ذلك “أصبح فرصة للانتقام” من مظالم مكبوتة منذ سنوات”، لكنه أضاف أن الوضع جرى احتواؤه إلى حد كبير منذ ذلك الحين.
وذكر الشرع أن 200 من أفراد قوات الأمن قتلوا في الاضطرابات.
“يضيق قلبي في هذا القصر”
وقال الشرع: “بالصراحة، يضيق قلبي في هذا القصر. في كل زاوية منه، أستغرب كيف خرج كل هذا الشر منه تجاه هذا المجتمع”.
وكانت قوات المعارضة بقيادة الشرع دخلت دمشق متعهدة بإقامة نظام حكم يشمل كل مكونات المجتمع السوري من السنة والعلويين والدروز والمسيحيين والشيعة والأكراد والأرمن.
وسرعان ما استقبل الشرع عددًا كبيرًا من الشخصيات الأجنبية الكبيرة، وقام، إلى جانب دائرته المقربة، بجولة في المنطقة لحشد الدعم.
حمل الشرع جماعات موالية لرئيس النظام السابق مسؤولية إشعال الأحداث الدامية – رويترز
وأشار الشرع إلى أن العنف الذي شهدته الأيام الماضية يهدد بعرقلة مساعيه للم شمل سوريا.
وقال الرئيس السوري: “الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على هذه المسيرة… وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع”.
ولتحقيق هذه الغاية شكل الشرع “لجنة مستقلة”، وهي أول هيئة يشكلها تضم علويين، للتحقيق في عمليات القتل في غضون 30 يومًا وتقديم الجناة للمساءلة.
وأضاف أنه تم تشكيل لجنة ثانية للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس “لأن الدم يأتي بدم إضافي”.
ورفض الشرع الجزم في سؤال حول ما إذا كان المقاتلون الأجانب أو الفصائل الإسلامية المتحالفة الأخرى أو أفراد قوات الأمن الحكومية تورطوا في عمليات القتل الجماعي، وقال إن الأمر متروك للتحقيق.
وفيما تداول سوريون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مروعة لعمليات إعدام نفذها مقاتلون، قال الشرع: إن “لجنة تقصي الحقائق ستفحص اللقطات”.
وهزت أعمال القتل اللاذقية وبانياس وجبلة وهي المدن الساحلية السورية الرئيسية، مما أجبر الآلاف من العلويين على الفرار إلى القرى الجبلية أو عبور الحدود إلى لبنان.
وقال الشرع: إن موالين للأسد ينتمون إلى الفرقة الرابعة للجيش السوري التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، وقوة أجنبية متحالفة هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات يوم الخميس لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية “لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا”.
ولم يحدد القوة الأجنبية، لكنه أشار إلى الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سوريا.
“سوريا بابها مفتوح للتواصل”
وفي سياق متصل، قال الشرع: إن “الأمن والازدهار الاقتصادي مرتبطان بشكل مباشر برفع العقوبات الأميركية التي فرضت على نظام الأسد”.
وأوضح بالقول: “لا نستطيع أن نقوم بضبط الأمن في البلد والعقوبات قائمة علينا”.
لكن لم يحدث أي اتصال مباشر مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال ما يقرب من شهرين منذ بداية ولايته، وسط شكوك حول انتماء الشرع في السابق لتنظيم القاعدة، وفق وكالة “رويترز”.
وردًا على سؤال حول السبب في ذلك قال: “الملف السوري ليس على قائمة أولويات الولايات المتحدة الأميركية، وأعتقد هذا السؤال يجب أن يوجه لهم. سوريا بابها مفتوح للتواصل”.
أكدت الحكومة السورية بأن الأوضاع تتجه نحو الاستقرار الكامل في البلاد – الأناضول
في الوقت نفسه، تجري سوريا محادثات مع موسكو بشأن وجودها العسكري في القاعدتين العسكريتين الإستراتيجيتين في البحر المتوسط، قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية.
وصرّح الرئيس السوري أن موسكو ودمشق اتفقتا على مراجعة كل الاتفاقات السابقة بين الدولتين، لكن لم يتوفر الوقت الكافي حتى الآن للخوض في التفاصيل.
وأضاف: “لا نريد أن تكون هناك قطيعة بين سوريا وروسيا ولا نريد أن يكون التواجد الروسي في سوريا يسبب خطرا أو تهديدا لأي دولة في العالم ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الإستراتيجية العميقة”.
وأشار الشرع إلى أن العلاقات مع موسكو بالغة الأهمية، وقال: كنا نتحمل القصف ولا نستهدفهم بشكل مباشر حتى نفسح المجال ما بعد التحرير أن يكون هناك جلسات وحوار بيننا وبينهم”، ورفض تأكيد ما إذا كان قد طلب من موسكو تسليم الأسد.
محادثات مع قوات سوريا الديمقراطية
ولم تبسط دمشق بعد سيطرتها وسلطتها على المنطقة في ظل محادثات تجرى مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والذي قال إن أعمال العنف التي شهدتها البلاد مؤخرًا تبرر مخاوفهم من فكرة اندماجهم مع القوات الحكومية.
وقال الشرع إنه يريد حلًا عبر التفاوض وإنه سيلتقي بعبدي.
ومؤخرًا، وجه وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس انتقادات حادة للشرع ووصفه بأنه “جهادي إرهابي من مدرسة القاعدة مصمم على ارتكاب أعمال مروعة بحق مدنيين”.
ورفض الشرع التهديدات الإسرائيلية العدائية المتزايدة ووصف تعليقات كاتس بأنها “كلام فارغ”.
وقال الشرع “هم آخر من يتحدث”، في إشارة إلى قيام إسرائيل بقتل عشرات الآلاف في قطاع غزة ولبنان على مدى الثمانية عشر شهرًا الماضية.