اقتصاديون يكشفون مكاسب زيارة «ماكرون»
تشهد الساحة الدولية حربًا تجارية تلقى بظلالها على الاقتصاد العالمي، وبالتزامن جاءت زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى مصر.. لتثير تساؤلات هامة حول مستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية الأوروبية ودور مصر المحتمل كمركز جاذب للاستثمارات فى ظل هذه التحولات العالمية.
واستقبل الخبراء الاقتصاديون وأعضاء الغرف الصناعية هذه الزيارة بترقب وأمل، معتبرين إياها فرصة سانحة لتعزيز التعاون الاقتصادى وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
نافذة أمل وفرص واعدة
يرى المهندس محمد السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، أن الزيارة تأتى فى توقيت بالغ الأهمية، حيث يسعى الاقتصاد المصرى إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر العملة الصعبة. ويشير إلى أن المباحثات التى جرت خلال الزيارة تناولت سبل تذليل العقبات أمام المستثمرين الأوروبيين وتقديم حوافز جاذبة لهم، وهو ما يعكس رغبة حقيقية فى تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية.
آثار إيجابية للاقتصاد
تتعدد الآثار الإيجابية المحتملة لزيارة ماكرون على الاقتصاد المصرى كما يشير الدكتور أحمد جمال الزيات الخبير الاقتصادى أولاً، من المتوقع أن تساهم الزيارة فى زيادة تدفق الاستثمارات الأوروبية المباشرة إلى مصر، خاصة فى القطاعات التى تمثل أولوية للجانبين مثل الطاقة النظيفة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتصنيع. ثانياً، يمكن أن تؤدى الزيارة إلى تعزيز التبادل التجارى بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، من خلال تسهيل الإجراءات وتخفيض التعريفات الجمركية.
ثالثاً، من المرجح أن تساهم الزيارة فى نقل الخبرات والتكنولوجيا الأوروبية إلى مصر، مما يساعد على تطوير الصناعات المحلية ورفع مستوى جودة المنتجات المصرية.
دفعة قوية لقطاع حيوي
يتوقع الخبراء أن يكون لزيارة ماكرون تأثير إيجابى على معدلات السياحة الأوروبية إلى مصر، فالزيارة رفيعة المستوى تبعث برسالة طمأنة إلى السائحين الأوروبيين بشأن استقرار الأوضاع الأمنية فى مصر وجاذبية المقصد السياحى المصري، ويشير الدكتور وليد البطوطي، خبير السياحة، إلى أن “مثل هذه الزيارات تساهم فى تحسين الصورة الذهنية لمصر فى الخارج وتشجع شركات السياحة الأوروبية على تكثيف برامجها السياحية إلى مصر”.
فرص وتحديات
فى ضوء الحرب الاقتصادية التى تقودها الولايات المتحدة، يرى الدكتور كمال الدسوقى عضو اتحاد الصناعات المصرية أن العلاقات المصرية الأوروبية تكتسب أهمية استراتيجية مضاعفة. ويمكن لمصر أن تستثمر هذه العلاقات فى تنويع شركائها التجاريين والاستثماريين وتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية، كما يمكن للتعاون المصرى الأوروبى أن يساهم فى تخفيف الآثار السلبية للحرب التجارية على الاقتصاد المصرى من خلال فتح أسواق جديدة وتوفير بدائل للمنتجات المتأثرة بالقيود الأمريكية.
ويوضح الدكتور على الإدريسي، أستاذ الاقتصاد السياسي، أن “أوروبا تبحث عن بدائل لشراكاتها الاقتصادية فى ظل حالة عدم اليقين التى تخلقها السياسات الأمريكية، ومصر، بما تملكه من موقع استراتيجى وسوق استهلاكى كبير، يمكن أن تكون شريكاً جذاباً للدول الأوروبية”.
مقومات الشراكة
يمتلك الاقتصاد المصرى العديد من المقومات التى يمكن أن تجعله شريكاً جذاباً للدول الأوروبية، فهو يوفر سوقاً استهلاكياً كبيراً ومتنامياً، وقوة عاملة شابة، وموقعاً استراتيجياً يربط بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا، كما أن مصر لديها إمكانيات واعدة فى قطاعات الطاقة المتجددة والسياحة والزراعة.
فى المقابل، يمكن للدول الأوروبية أن تساند الاقتصاد المصرى من خلال زيادة الاستثمارات المباشرة وتقديم الدعم الفنى والتقنى وتسهيل التجارة وتقديم المساعدات التنموية.
مصر والاتحاد الأوروبى
تعتبر دول الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأكبر لمصر، وفى ذلك يقول ايهاب سعيد عضو الغرفة التجارية أن الاتحاد الأوروبى يستحوذ على حصة كبيرة من الصادرات والواردات المصرية، وتتنوع المعاملات التجارية بين الجانبين لتشمل السلع الصناعية والزراعية والطاقة والخدمات، بينما تعتبر العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة أقل حجماً مقارنة بالاتحاد الأوروبي، وتركز بشكل أساسى على بعض السلع والمنتجات.
دور الصين
تعتبر الصين شريكاً اقتصادياً متزايد الأهمية لمصر. وقد ساهمت الاستثمارات الصينية والقروض فى دعم الاقتصاد المصرى خلال السنوات الأخيرة، ويمكن للصين أن تلعب دوراً هاماً فى تخفيف الأزمة الاقتصادية الراهنة من خلال زيادة استثماراتها فى مصر، وتوسيع التبادل التجاري، وتقديم الدعم المالي
“بريكس” و سيطرة الدولار
يرى بعض الخبراء أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد تساهم فى تقويض هيمنة الدولار الأمريكى على حركة التجارة الدولية، حيث تسعى بعض الدول إلى البحث عن بدائل للعملة الأمريكية فى معاملاتها التجارية، وفى هذا السياق، يكتسب تجمع دول “بريكس”، الذى انضمت إليه مصر مؤخراً، أهمية متزايدة، ويمكن لهذا التجمع أن يلعب دوراً فى تعزيز استخدام العملات المحلية فى التبادل التجارى بين الدول الأعضاء وتقليل الاعتماد على الدولار، فى ظل تصاعد التوترات الاقتصادية العالمية التى تقودها الولايات المتحدة بسياساتها الحمائية وفرض العقوبات الأحادية، يبرز تحالف “بريكس” (BRICS) بقيادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومؤخراً مصر ودول أخرى، كمجموعة تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمى نحو مزيد من التعددية القطبية والعدالة. يرى خبراء الاقتصاد أن “بريكس” يمثل قوة موازنة تسعى لتقليل الاعتماد على الهيمنة الأمريكية وتأسيس نظام أكثر توازناً يراعى مصالح الدول النامية والاقتصادات الناشئة.
وفى ذلك يؤكد الدكتور محمود محيى الدين، المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى سابقاً، أن “تحالف بريكس يمثل تعبيراً عن رغبة متزايدة لدى العديد من الدول فى تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل تعرضها للضغوط الأحادية من أى طرف كان”، مضيفا، أن “المبادرات التى يطرحها التكتل، مثل تعزيز استخدام العملات المحلية فى التبادل التجارى وإنشاء بنك التنمية الجديد، تشير إلى سعى جاد نحو بناء نظام اقتصادى دولى أكثر شمولية وعدالة”.
من جهته، يرى الدكتور فخرى الفقي، الخبير الاقتصادى والأستاذ بجامعة القاهرة، أن “موقف دول بريكس من ‘الحرب الاقتصادية’ الأمريكية يتسم بالحذر والدعوة إلى الحوار والحلول الدبلوماسية، مع التركيز فى الوقت ذاته على تعزيز التعاون الاقتصادى فيما بينها وتقوية اقتصاداتها الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية”.
ويشير إلى أن “انضمام مصر إلى هذا التكتل يمثل فرصة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع قوى عالمية صاعدة وتنويع مصادر دعمها الاقتصادي”.
وترى الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن “تحالف بريكس يسعى إلى تقديم بديل لنظام الحوكمة الاقتصادية العالمى الحالى الذى تراه العديد من الدول غير عادل ولا يعكس التوزيع الجديد للقوة الاقتصادية فى العالم”. وتضيف أن “دعوات التكتل إلى إصلاح المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وتعزيز دور العملات المحلية، هى محاولة لتقليل النفوذ الأمريكى وتأسيس نظام أكثر توازناً”.
وعلى صعيد السياسات العملية، اتخذت دول “بريكس” خطوات ملموسة لتعزيز التعاون الاقتصادى فيما بينها وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى فى بعض المعاملات التجارية.
ويشير الدكتور إبراهيم مصطفى، الخبير فى العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، إلى أن “توسيع استخدام العملات المحلية فى التجارة الثنائية بين دول بريكس، وإنشاء آليات دفع بديلة لنظام سويفت، هى خطوات تدريجية نحو تقليل الاعتماد على النظام المالى الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة”.
ومع انضمام مصر ودول أخرى إلى التكتل، من المتوقع أن يتعزز دور “بريكس” كقوة اقتصادية وسياسية مؤثرة على الساحة العالمية.
ويرى الخبراء أن هذا التوسع يمثل إشارة قوية إلى رغبة متزايدة لدى العديد من الدول فى الانضمام إلى نظام عالمى متعدد الأقطاب يتيح لها مزيداً من الاستقلالية فى صنع القرار الاقتصادى ويحميها من التداعيات السلبية للسياسات الأحادية.
يمكن القول إن تحالف “بريكس” يتبنى موقفاً حذراً ولكنه واضح تجاه ما يُنظر إليه على أنه “حرب اقتصادية” تقودها الولايات المتحدة. ويسعى التكتل إلى بناء نظام اقتصادى عالمى أكثر عدلاً وتوازناً من خلال تعزيز التعاون بين أعضائه، وتطوير آليات مالية وتجارية بديلة، والدعوة إلى إصلاح المؤسسات الدولية القائمة. وانضمام مصر إلى هذا التحالف يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز مصالحها الاقتصادية وتنويع خياراتها فى مواجهة التحديات العالمية الراهنة.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تمثل محطة هامة فى مسار العلاقات المصرية الأوروبية، وتفتح آفاقاً واعدة لتعزيز التعاون الاقتصادى والاستثماري، وفى ظل التحولات الاقتصادية العالمية والحرب التجارية المتصاعدة، تزداد أهمية الشراكة الاستراتيجية بين مصر وأوروبا، ويمكن لمصر أن تستغل هذه الفرصة لتصبح مركزاً جاذباً للاستثمارات الأوروبية وتعزيز مكانتها كلاعب اقتصادى إقليمى ودولى مهم.