يتفاعل الجهازان المناعي والعصبي في جسم الإنسان باستمرار مما يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج ضارة. ففي مراجعة نشرت في مجلة “نايتشر”، اكتشف علماء كلية الطب بجامعة هارفارد كيف يمكن لهذا التواصل، المعروف باسم التفاعلات المناعية العصبية، أن يغذي أمراض الدماغ.
وناقش العلماء كيف تؤثر بيئتنا ونظامنا الغذائي وأنماط نومنا على تفاعل الجهاز المناعي مع الدماغ. كما يمكن للكائنات الحية الدقيقة والملوثات والمكونات الغذائية أن تؤثر جميعها على هذا الارتباط الدقيق بين الدماغ وجهاز المناعة.
وتشير الأدلة المتزايدة إلى أن خلايا المناعة والدماغ تتفاعل بشكل وثيق، مما يؤثر بشكل كبير على صحة الدماغ والمرض. وبحسب “نيوز ميديكال”، فقد أظهرت الأبحاث المبكرة حول مرض التصلب المتعدد أن الخلايا المناعية تغزو الدماغ وتسبب الالتهاب.
كما تشير الأدلة إلى أن هذا النشاط المناعي متورط أيضًا في حالات أخرى، بما في ذلك مرض الزهايمر ومرض باركنسون.
كيف تتفاعل الخلايا المناعية والعصبية؟
فقد تم العثور على الخلايا التائية الكابحة الموسعة استنساخيًا في السائل النخاعي لمرضى الزهايمر، ومن المعروف أنها تتفاعل مع البروتينات مثل “أميلويد بيتا”. وقد لوحظ أيضًا أن هذه الخلايا تستهدف بروتينات “تاو” في النماذج التجريبية، مما يتسبب في تلف الخلايا العصبية.
ولدى مرضى باركنسون، تهاجم الخلايا التائية الكابحة خلايا “ألفا سينوكلين”، مما يساهم في فقدان الخلايا العصبية. وبالمثل، فإن أحد أنواع الخلايا المناعية المساعدة متورطة في تنكس الخلايا العصبية الدوبامينية في كل من مرض باركنسون وخرف أجسام ليوي.
ومع ذلك، يمكن للخلايا المناعية أيضًا في بعض الأحيان أن تدعم عملية الإصلاح. فقد أظهرت الدراسات أن الخلايا التائية المتفاعلة مع الجهاز العصبي المركزي ساعدت في استعادة الرؤية في نماذج إصابة العصب البصري.
ويرى الباحثون أيضًا أن بعض الخلايا التائية “المعترضة” تعمل كأجهزة استشعار لتلف الأنسجة وقد تساعد في الشفاء من خلال الاستجابة للإشارات داخل الجسم.
تأثير النشاط المناعي على السلوك
وناقش العلماء كيف يغيّر النشاط المناعي السلوك. فقد وجدت الدراسات أن الخلايا المناعية تعزز الاستجابات الشبيهة بالقلق الناجمة عن التوتر، في حين أنّ خلايا أخرى تعزّز السلوكيات المرتبطة بالخوف.
ينتج الميكروبيوم المعوي جزيئات تنتقل إلى الدماغ وتؤثر على الخلايا المناعية بشكل مباشر-غيتي
علاوة على ذلك، تم ربط الالتهابات والإجهاد المزمن بالخلايا المناعية التي يمكن أن تعطل حاجز الدم في الدماغ، مما يؤثر على دوائر الدماغ التي تتحكم في الحالة المزاجية والتحفيز. وقد يساهم هذا التفاعل في الإصابة بالاكتئاب والانسحاب الاجتماعي أثناء المرض.
وتشير هذه النتائج إلى أن النشاط المناعي يشكل صحة الدماغ وسلوكه بطرق معقدة.
تأثير الميكروبيوم المعوي
إلى ذلك، ينتج الميكروبيوم المعوي جزيئات تنتقل إلى الدماغ وتؤثر على الخلايا المناعية بشكل مباشر، عن طريق عبور حاجز الدم في الدماغ، وبشكل غير مباشر، عن طريق تغيير الخلايا المناعية التي تهاجر لاحقًا إلى الدماغ. وقد وجدت الدراسات التي أجريت على الفئران أن التغيرات في بكتيريا الأمعاء تؤثر على الخلايا التائية المشاركة في التهاب الدماغ، في حين أن المنتجات الثانوية البكتيرية تعزز إصلاح الخلايا العصبية.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب النظام الغذائي دورًا مهمًا، حيث يرتبط تناول الطعام الذي يحتوي على كميات مرتفعة من الملح بزيادة الخلايا التائية الالتهابية وضعف الوظيفة الإدراكية.
ومن ناحية أخرى، ينظم التربتوفان الموجود في الطعام الخلايا التي تلعب دورًا في توازن المناعة العصبية.
دور النوم والملوثات
وشددت المراجعة على أهمية النوم لصحة الدماغ والمناعة. فالميلاتونين يؤثر على استقطاب الخلايا التائية بينما يثبط الهيبوكريتين إنتاج الخلايا الوحيدة الالتهابية، المرتبطة بتصلب الشرايين.
ويمكن أن يؤدي فقدان النوم إلى استجابات التهابية، وتفاقم أمراض القلب، والمساهمة في أمراض المناعة الذاتية. وقد يؤدي النوم المتقطع إلى اختلال وظائف المناعة العصبية على المدى الطويل.
إلى ذلك، تترك الملوثات تأثيرات مدمرة مماثلة. فقد وجدت الدراسات أن الملوثات الكيميائية يمكن أن تنشط مستقبل “الأريل الهيدروكربوني” في خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى الالتهابن الأمر الذي يؤكد تأثير السموم البيئية على صحة الدماغ.
وتسلط هذه النتائج الضوء على دور الطعام الذي نأكله والهواء الذي نتنفسه وجودة نومنا في تشكيل التواصل بين الدماغ والمناعة بمهارة.