تُعد إمارة دبي من أبرز الحاضنات الإقليمية والعالمية للفن الحديث، حيث لعبت دوراً محورياً في تعزيز المشهد الفني في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، بفضل رؤيتها الطموحة واستثماراتها المستدامة في البنية التحتية الثقافية والفنية، وباتت منصة حيوية تجمع بين التقاليد التراثية والابتكار، وتوفر بيئة ملهمة للفنانين من مختلف الثقافات من خلال تنظيم الفعاليات الكبرى مثل «آرت دبي» والمعارض الدولية والمبادرات الفنية بهدف دعم وتطوير المواهب الفنية، وتعزيز الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، ونموذج يُحتذى به في تمكين الفن الحديث.
وفي السياق تؤكد الدكتورة ندى شبوط، القيم الفني لمعرض «الفن الحديث» ضمن معرض آرت دبي: نولي اهتماماً كبيراً للكشف عن الروابط التي تربط بين غربي آسيا، وشمالي أفريقيا، والمجتمعات العربية المهاجرة انطلاقاً من مجتمعات إمارة دبي الإبداعية وفي مقدمتها «آرت دبي» ولقد سعينا إلى تجاوز الروايات التاريخية الفنية التقليدية، والتركيز على أصوات كانت ممثلة بشكل محدود داخل الخطاب الفني العالمي.
بوصلة دبي
وتضيف ندى وقع اختيارنا على أهم الفنانين والأعمال الفنية من غربي آسيا وشمالي أفريقيا للعرض في إمارة دبي التي هي بوصلة مستدامة لنشر الفنون وفقاً للعديد من المعايير الأساسية التي تدور حول استكشاف الموضوعات المشتركة، ولا سيما التجريد والتراث. وكان من الضروري أن يعكس الفنانون المختارون تنوع وتعقيد مناطقهم، وأن يكون لهم صدى عبر الجغرافيا. وتوضح: تواصلنا مباشرة مع المعارض، وأجرينا أبحاثاً أولية موسعة، ودرسنا العناصر الأسلوبية والعمق المفاهيمي. وكان من المثير أن نكتشف أن العديد من هؤلاء الفنانين، رغم اختلاف خلفياتهم الثقافية، كانوا يعالجون قضايا مماثلة تتعلق بالهوية، والاغتراب، والمقاومة. وسمح لنا هذا النهج ببناء حوار بين الأعمال، التي ربما لم تكن ستُعرض معاً لولا ذلك.
وحول أهمية إدراج الفنانين من أمريكا اللاتينية للمرة الأولى في معرض الفن الحديث، وكيف أسهم ذلك في تعزيز الحوار الثقافي من خلال فعاليات «آرت دبي»، تقول ندى: هناك تاريخ طويل وغالباً ما يُتجاهل، من التبادل الثقافي والهجرة بين أمريكا اللاتينية ومنطقة جنوب غربي آسيا وشمالي أفريقيا، وخاصة بين المجتمعين اللبناني والفلسطيني الذين هاجروا إلى أمريكا اللاتينية عبر السنين. لكن ما هو أقل مناقشة هو كيف أثرت هذه الهجرات والتبادلات على الممارسات الفنية. وتتابع ندى: من خلال إدراج أعمال الفنان الفنزويلي الحركي، دارجو بيريز فلوريس، هدفنا إلى تسليط الضوء على الروابط التاريخية، واستكشاف كيف تتجاوز اللغة الفنية الحدود الجغرافية. وفي النهاية، يعزز هذا كله الحوار الثقافي من خلال كشف التشابهات، والنضالات المشتركة، والاستراتيجيات البصرية التي استخدمها الفنانون، ما يسهم في في فهم أكثر لطبقات الفن الحديث العالمي.
وترى ندى أن الفن الحديث من غربي آسيا وشمالي أفريقيا يحتل مكانة قوية، رغم أنها غالباً ما تكون غير واضحة أو مغمورة، ضمن الحديث العالمي عن الفن تاريخياً، وكانت مساهمات الفنانين من هذه المناطق تُغَطي عليها النظرة الأوروبية المركزية، لكن أعمالهم تعكس ردود أفعال غنية ومعقدة حول قضايا الهوية، والوطنية. وتردف: أكثر ما يثير حماسي هو أن هؤلاء الفنانين، من خلال التجريد أو الرمزية، لم يكونوا يردون فقط على الظروف المحلية، بل كانوا أيضاً في حوار مع حركات عالمية أوسع، مع حفاظهم على أصواتهم الثقافية المميزة.
روابط جغرافية
وفي ما يتعلق بأبرز التحديات التنظيمية لجمع أعمال فنانين من خلفيات ثقافية مختلفة في دبي، تقول القيمة الفنية لقسم «آرت دبي الحديث» ماجالي أريولا: كان علينا أن نجري أبحاثنا الخاصة لفهم السياقات الثقافية والسياسية والتاريخية المختلفة التي شكلت ممارسات الفنانين الذين عملنا معهم. العديد من هؤلاء الفنانين ينحدرون من مناطق تميزت، بالهجرة، وهويات وطنية معقدة، وفهم تلك التفاصيل يتطلب بحثاً عميقاً وحساساً. تحدٍّ آخر خاص بالعمل ضمن سياق معرض فني هو التعاون مع المعارض، على عكس المعارض المتحفية التي يكون فيها للمشرفين السيطرة الكاملة على اختيار الأعمال، هنا كان علينا العمل بشكل وثيق مع مقتنيات المعارض. رغم هذه القيود، استطعنا أن نخلق حواراً ذا مغزى بين الأعمال المختارة، ونتج عن ذلك روابط غير متوقعة عبر الجغرافيا. وتحولت هذه التحديات إلى فرص لاكتشاف نقاط مشتركة مثيرة بين تاريخ وممارسات مختلفة تماماً.
الرمزية الثقافية
وتوضح ماجالي أن الأعمال الفنية التي تنتمي إلى فئة الفن الحديث لها أثر بالغ في رفع الوعي العام والثقافة الفنية لدى الجمهور على المستويين العاطفي والرمزي، وهو ما يصعب التعبير عنه بالكلمات. كونها غالباً ما تنبثق من سياقات سياسية واجتماعية عميقة.
وعلى الرغم من أن العديد من الفنانين الذين عرضوا في «آرت دبي الحديث» كانوا يعملون قبل عقود، إلا أن ممارساتهم لا تزال تتناغم مع القضايا المعاصرة.
على سبيل المثال، لم يكن استخدام التجريد مجرد خيار جمالي، بل غالباً ما كان رد فعل على الرقابة، أو الصراعات، أو رغبة في تجاوز الأطر الفنية.
وتضيف: فنانون مثل بيرتينا لوبس من موزمبيق أو حسين ماضي من لبنان، استخدموا لغة بصرية تعبر عن تراثهم، وطموحاتهم. تدعو هذه الأعمال المشاهدين لتجاوز الجمال السطحي، والانخراط في القصص المتعددة التي تتعلق بالهوية، والإرادة.