على امتداد قرية “التومة”، إحدى قرى جنوب مدينة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، تتبدل الملامح، وتنبثق من بين الرمال مشاهد حياة تنطق بالأمل والكدّ والإرادة، فمن قلب المنطقة التي كانت مسرحًا لملاحم بطولية ضد الإرهاب، تتشكل اليوم لوحة جديدة من النماء… لوحة ترسمها سواعد المزارعين بألوان الشعير الذهبية، وأخضرار الزيتون، وحمرة الطماطم ولمعة البطيخ، وصفر الشمام، في مشهد زراعي أخّاذ لا يمكن تجاهله.
قبل سنوات قليلة فقط، لم تكن “التومة” سوى اسم يرتبط في أذهان أهالي سيناء بمناطق الصراع والخطر، بعد أن تحولت إلى أحد معاقل الإرهاب التي حاولت قوى الظلام تحويلها إلى أرض خراب، لكن إرادة الدولة وأهلها كانت أقوى، ومع دحر الإرهاب وتحرير الأرض، عادت الحياة لتنبض في التومة، ليس فقط بعودة سكانها، بل بعودة المعاول والبذور والسنابل.
واليوم، بالتزامن مع احتفالات مصر بذكرى تحرير سيناء، تحتفل “التومة” بشكلها الخاص: بالزراعة، بالإنتاج، بالعمل، وبالأمل المتجدد. أراضٍ كانت بالأمس مسرحًا للصراع، أصبحت اليوم ساحة إنتاج واعدة، ومقصدًا للمستثمرين الباحثين عن بيئة خصبة لمشروعاتهم الزراعية والداجنة.
مشاهد من اللون الأخضر عمت مناطق قرية التومة جنوب غرب مركز الشيخ زويد بشمال سيناء حولت المكان لأحد اهم الواجهات الزراعية الواعدة علي أرض الفيروز، تحمل في طياتها الأمل، وتروي حكاية نهوض من رماد المعاناة. باتت مساحات من الشعير تكسو الأرض، وقد زُرعت اعتمادًا على مياه الأمطار، بينما نُصبت آبار ارتوازية في مواقع عدة، شكلت مصدرًا للمياه التي تروي الحقول.. هنا، تنمو الطماطم، وتزدهر ثمار الكانتلوب، ويُحصد البطيخ والخضروات على اختلاف أنواعها، إلى جانب زراعات الأعلاف مثل البرسيم، في مشهد يوحي بأن الأرض ما زالت معطاءة تنتظر من يلامسها بالحب والعمل، وأصبحت نقطة جذب للمستثمرين في مجال الزراعة والإنتاج الداجني، لما تتمتع به من خصائص بيئية وجغرافية فريدة.
يقول محمد أبوجرير، أحد أبناء القرية، إن مشاهد الزراعة في التومة أصبحت مصدر فخر وسعادة لأهالي المنطقة، مضيفًا: “نحن في منطقة خصبة، ذات تربة بكر تصلح لأنواع عديدة من الزراعة، منها ما يعتمد على مياه الأمطار، ومنها ما يُروى بمياه الآبار، ونحن نكافح في ظروف صعبة ونعمل بكل جهد على دفع عجلة التنمية، والدولة لم تقصر في دعمنا، فقد وفرت الكهرباء ونأمل أن يتوسع الدعم في المرحلة المقبلة”.
أما عبد المنعم أبو سمور، من المزارعين أصحاب الخبرة الزراعية لسنوات في مركزالشيخ زويد، فقد قرر توسيع نشاطه الزراعي إلى قرية التومة، ويقول: “فوجئت بخصوبة الأرض وجودتها العالية، جربت الزراعة هذا العام، وفي أقل من أربعة أشهر استطعت استصلاح مساحات من الأراضي وزراعتها بالشعير على مياه المطر، وأخرى على مياه الآبار الارتوازية”.. يضيف أبو سمور أن الجهد كبير، إذ يتطلب الأمر حفر الآبار، وتوفير الآلات الزراعية، والأيدي العاملة، لكن النتائج مشجعة للغاية.
ويتابع قائلاً: “نجحت في زراعة الشمام والطماطم والبطيخ، وأركز حاليًا على الزيتون، الذي أصبح الزراعة الأساسية في المنطقة، إلى جانب التين والكمثرى والرمان. جيراني نجحوا في زراعة الخضروات والأعلاف، والزيتون بدأ يغطي القرية، وخلال ثلاث سنوات فقط، ستتحول التومة إلى واحدة من أهم مناطق إنتاج الزيتون في شمال سيناء”.
ولم تتوقف الفوائد عند الإنتاج الزراعي فقط، بل ظهرت آثار هذا النشاط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فعودة الزراعة ساهمت في تشغيل الأيدي العاملة، ودفعت الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الزراعة، إلى إرسال خبراء ومهندسين لاستكشاف الإمكانيات، كما قدمت مراكز البحوث الزراعية عينات محسّنة من تقاوي الشعير المقاومة لقلة الأمطار، مثل شعير 138 و134، والتي أثبتت نجاحًا كبيرًا في التربة المحلية.
ويؤكد عبد المنعم أن الدعم بالمعدات الزراعية والقروض الميسرة، من شأنه أن يوسع رقعة الزراعة بشكل أكبر، ويدعو إلى مزيد من تعاون مؤسسات المجتمع المدني، خاصة في دعم شباب القرية وتمكينهم من استصلاح الأراضي، وحفر الآبار، وتحفيزهم على العمل الزراعي.
من جانبه، يقول عبد الرحمن أبورياش، أحد القائمين على حفر الآبار الارتوازية في القرية: “منذ انطلاق جهود التعمير قبل نحو ثلاث سنوات، ونحن نعمل ليل نهار لحفر الآبار التي أصبحت شريان الحياة في هذه المناطق”. ويضيف أن الأهالي رغم ملوحة المياه إلا أنهم استطاعوا التكيّف معها بزراعة أصناف تتلاءم مع طبيعتها، مشيرًا إلى أن تجربة التومة يمكن أن تكون نموذجًا يُحتذى به في باقي مناطق الشيخ زويد ورفح.
ولم تغب المشاريع المرتبطة بالإنتاج الحيواني عن المشهد، فقد بدأت بعض الأسر والمستثمرين في إنشاء مزارع دواجن حديثة ومزارع إنتاج حيواني ، وهو ما أضفى بعدًا اقتصاديًا جديدًا، يساهم في توفير الغذاء وفرص العمل.
قصة التومة ليست مجرد حكاية زراعة، بل هي شهادة على إرادة الحياة التي لا تُقهر. أرضٌ تطهرت من الإرهاب، وأناسٌ آمنوا أن البقاء لا يكون إلا بالعمل، فأعادوا الحياة إلى أرضٍ كادت أن تُنسى، وجعلوا منها مرآةً تعكس روح سيناء الحقيقية.
الفرحة بإنتاج الأرض

انتاج الشعير علي مياه المطر

إنتاج المزارع

حفر ابار لاستصلاح مساحات جديدة

حفر الابار للزراعة

خيرات االأرض_1

سنابل االشعير

غزو الصحراء

مزارع الشعير ممتدة

مزارع الشعير

مزارع الطماطم_2

مساحات زراعية

من إنتاج الأرض