وشدد على أن اللجنة لن تعلن عن استنتاجاتها وتوصياتها «قبل انتهاء التحقيق والتقصي». ولفت إلى أن المدة التي حددها القرار الرئاسي لعمل اللجنة حين باشرت عملها في 9 آذار الماضي، هي شهر واحد ينتهي الأربعاء، «لكنها لم تُنهِ تحقيقاتها».
وأوضح الفرحان في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن اللجنة تعمل في طرطوس حالياً «وتتحرك صوب كل الأماكن التي تبلّغت فيها بانتهاكات». وأكد أنها «لن تعلن نتائج إلا إذا توصلت إلى قناعات مدعومة بالحجج والأدلة في ترجيح الحقائق وتوصيف الانتهاكات وتحديد هوية المشتبه بهم، وهذا يحتاج أولاً إلى تحليل كل الشهادات وفحصها، واستنتاج التكييف القانوني للأفعال والوصول إلى نتائج محددة وتوصيات».
وشهدت مناطق الساحل السوري (اللاذقية، وطرطوس، وبانياس) في الأسبوع الأول من الشهر الماضي جرائم دموية طالت مدنيين من الطائفة العلوية وعناصر من الأمن العام.
وحمّلت الحكومة مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد مسؤولية الهجمات على قواتها، فيما اتُهم عناصر من الجيش والأمن العام ومجموعات رديفة بعمليات القتل بحق المدنيين.
وغداة هذه الجرائم، شكلت الرئاسة السورية «اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل»، من خبراء قانونيين. وأعلنت اللجنة في 25 آذار أنها جمعت عشرات الإفادات، مؤكدةً أن الوقت لا يزال مبكراً لإعلان نتائج التحقيقات.
اللجنة «تمثل الضحايا»
وعما إذا كان في تشكيل أعضاء اللجنة من يمثل الضحايا والأهالي، قال الفرحان لـ«الشرق الأوسط»، إن «القضاة أعضاء اللجنة ليسوا موظفين حكوميين، بل هم حقوقيون مستقلون، ابتداءً ممن هم خارج سوريا وعملوا في دول أوروبا أو مناطق أخرى، أو يعملون في الشأن الحقوقي بتوثيق الانتهاكات، وبعضهم لديهم مذكرات تفاهم وتعاون مع الأمم المتحدة، واثنان منهم موجودان في سوريا وهما من القضاة، والقضاء عادةً يُنظَر إليهم على أنهم سلطة مستقلة».
وشدد على أن «أعضاء اللجنة بالضرورة يمثلون الأهالي ويعملون من أجلهم ومن أجل العدالة، وبالتالي فإن اللجنة ما من أحد من أعضائها يمثل طرفاً دون طرف، فهم محايدون، وعملهم أن يكونوا قريبين من الأهالي، ولذلك تلتقي وجهاء وقيادات مجتمعية في الساحل السوري بكل مكوناته، تستمع إليهم بكل اهتمام وتناقشهم من أجل فهم السياقات التي يطرحونها للوقائع».
اتهامات «العفو الدولية»
وكانت منظمة «العفو الدولية» (أمنستي)، قد أصدرت تقريراً، الخميس الماضي، ذكرت فيه أن المجموعات التي ارتكبت الانتهاكات مرتبطة أو تابعة للحكومة السورية، ووصفتها بأنها «جرائم حرب».
وكشف الفرحان عن أن اللجنة دعت «العفو الدولية» إلى مشاركتها ما لديها من معطيات ومعلومات «لمناقشتها بين أعضائها ولحظ مضمونها في تقريرها النهائي، ولمعرفة كيف بنت استنتاجاتها».
لكنه توقف عند وصف المنظمة ما جرى بين 6 و10 آذار الماضي بأنها «جرائم حرب»، مشدداً على أن «جرائم الحرب تتطلب – إضافةً إلى إثبات الركن المادي – إثباتاً للركن المعنوي في القصد والعلم، وبحث السياقات والظروف المحيطة بالحوادث».
وشدد على أن «المنظمة لديها سياسات ومعايير… في مناصرة الشعوب، والضغط على حكومات العالم بما يشمل دولاً ذات ديمقراطيات عريقة، وتحمّل غالباً الحكومات المسؤولية عن انتهاكات، بوصفها الجهة المعنية بتأمين سلامة مواطنيها… نحن كحقوقيين في اللجنة الوطنية، نميل أيضاً إلى الانحياز إلى الضحايا بوصفهم الطرف الأضعف، مثلما نقيّم بإيجابية إجراءات وبيان الحكومة السورية التي قطعت مع سياسات الماضي في إنكار الانتهاكات».
ووصف بيان الحكومة الذي تضمن رداً على تقرير «العفو الدولية» بأنه «متوازن»، وقال إن «رئاسة الجمهورية استجابت للأحداث بإجراءات واضحة، منها تشكيل اللجنة الوطنية للتحقيق، لتعمل كجهة مستقلة غير حكومية».
وقال: «لست بصدد انتقاد تقرير (العفو الدولية)، ولكن عندي تساؤلات لم يوضحها البيان الصادر عنها… نحتاج إلى تعاون نفهم من خلاله، على سبيل المثال، كيف توصلت إلى أن المجموعات التي ارتكبت الانتهاكات مرتبطة أو تابعة للحكومة السورية؟ وما درجة الارتباط؟ فنحن نبحث في مدى السيطرة الفعلية للحكومة على هذه المجموعات؟ هل هي من بقايا الفصائل التي كانت تقاتل نظام الأسد؟ وهل انضوت في الأطر الوطنية الحكومية العسكرية، فعلياً أم شكلياً؟ وهل تلقى المتورطون تعليمات للقيام بهذه الانتهاكات؟ وبالتالي نبحث في مدى اتخاذ الإجراءات الممكنة التي كان لها أن تمنع وقوع هذه الانتهاكات».
وأشار إلى أن اللجنة «تبحث أيضاً في شهادات مجموعات عشوائية بأن سكان المنطقة المحيطة يمكن أن يكونوا قد تحركوا بدوافع ثأرية لأنهم فقدوا أحباءهم في الفترة الماضية، أو بدوافع عاطفية لفك الحصار عن عناصر الأمن العام، أو باستغلال الفوضى لتشكيل عصابات، ونهب الممتلكات وارتكاب جرائم قتل. كل هذا وغيره قيد بحث اللجنة، وتحتاج لتعرف من (العفو الدولية) كيف بنت استنتاجاتها».
«شهادات شجاعة»
وعن الإجراءات التي تتبعها لجنة التحقيق المستقلة، قال المحامي الفرحان: «في بداية عملها، قامت اللجنة بزيارات ميدانية أجرت خلالها لقاءات عامة مع مجموعات من الأهالي، متجاوزةً بذلك تحديات الخوف المحتمل للشهود بتحريضهم من جهات ما العائلات على عدم التعاون معها. لكن كثيراً من الأهالي أدلوا بشهاداتهم بحرية وشجاعة»، وفق الفرحان الذي أوضح أن «ما وجدناه أن هناك استجابة، وقد توافدت العائلات في أرياف اللاذقية، للحديث مع اللجنة».
وأضاف: «انتقلنا لاحقاً للاستماع إلى الشهادات في مركز اللجنة المؤقت من أصحاب البلاغات التي كانت تتلقاها اللجنة بشكل مباشر من العائلات التـي لم تلتقها من قبل، وكانوا يتحدثون بكل صراحة وبشكل غير مقيد، ويوجهون اتهامات مباشرة إلى من كانوا يعتقدون أنهم متورطون».
وعن إجراءات العمل على الأرض، أوضح الفرحان أنه «عند زيارتنا مواقع ميدانية، نقوم بتوصيف الحالة الراهنة وندرس كل ما تبقى من مسارح الجريمة، ويساعدنا فريق فحص أدلة جنائية، ونوثّق بالصور كل مشاهداتنا، كما كان معنا فريق لا يزال يعمل بفحص الأدلة الرقمية، واستخلص 93 مقطع فيديو حقيقياً من الممكن أن تدلنا على هوية المتورطين».
الهجمات على الأمن العام
وتقصت اللجنة بشكل رئيسي أماكن تعرض عناصر الأمن العام للاعتداءات التي أودت بحياة عدد منهم، في بداية الأحداث في 6 آذار. وزارت اللجنة، وفق الفرحان، هذه المناطق وفحصت آثار إطلاق نار عليها من أماكن وجود المهاجمين.
وذكر الفرحان أن عملية التقصي شملت «أماكن مدنية ومشافي حكومية أُسعف إليها جرحى الأمن العام ولاحقتهم فيها، وفقاً لشهادات الكادر الطبي، مجموعاتٌ مسلحة. كما عثرت اللجنة على مقبرة جماعية دفنت فيها مجموعات المسلحين بعضَ عناصر الأمن العام وهم في حالة تفاوض من خلال وسطاء، وفقاً لأقوال الشهود».