كتب – أحمد زكي : بين أنغام الجيتار وصدى الشغف الفني، سطّر عمر خورشيد اسمه كواحد من أبرز رموز الموسيقى الشرقية الحديثة، جامعًا بين الثقافة الغربية والروح الشرقية في تجربة فنية فريدة من نوعها. لم يكن مجرد موسيقي، بل كان سفيرًا غير رسمي للفن المصري، جال بعزفه في عواصم العالم، وارتبط اسمه بالنهضة الفنية في السبعينيات. واليوم، بعد أكثر من أربعة عقود على رحيله المفاجئ، ما زال اسمه محفورًا في ذاكرة الفن، تمامًا كما تُحفر أسماء الملوك في جدران المعابد القديمة.
المولد والنشأة .. الجذور العائلية والمواهب المبكرة
وُلد عمر محمد فؤاد خورشيد في 9 أبريل عام 1945 في القاهرة، وسط أسرة أرستقراطية لها جذور ثقافية وفنية، فهو ابن الفنانة والممثلة المعروفة هدى سلطان من زواجها الأول، ما وفر له بيئة محفزة على الإبداع منذ الطفولة. التحق بمدرسة الفرير الفرنسية، ثم درس الفلسفة في جامعة القاهرة قبل أن يتجه إلى دراسة الموسيقى في معهد الكونسرفتوار.
عزف فريد على أوتار الفن
تميز خورشيد بأسلوبه الفريد في العزف على الجيتار الكهربائي، وهو أمر غير مألوف في الموسيقى الشرقية آنذاك. استطاع أن يمزج بين الجيتار الغربي والمقامات الشرقية، مما أعطى موسيقاه نكهة خاصة جعلته محط اهتمام كبار المطربين، مثل أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، ووردة الجزائرية، وفيروز.
وقد أسهم عمر خورشيد في تقديم الموسيقى المصرية بطابع عالمي، وأقام حفلات في بيروت، باريس، لندن، نيويورك، وطوكيو. وعُرفت حفلاته في معالم أثرية مثل الأهرامات والقلعة، مما جعله أحد وجوه السياحة الثقافية المصرية في عصره، حيث كانت حفلاته وسيلة للترويج لمصر كوجهة حضارية وفنية في آنٍ واحد.
الفن السابع محطة أخرى
لم يكتفِ خورشيد بالموسيقى فقط، بل دخل مجال التمثيل وشارك في عدة أفلام سينمائية، أبرزها: “ابنتي العزيزة”، “حتى آخر العمر”، و”العرافة”. جسّد غالبًا أدوار الشاب الوسيم، الموسيقي، أو الرومانسي، وكان حضوره الكاريزمي على الشاشة امتدادًا لطبيعته الهادئة وصوته الرخيم.
حياته الخاصة: هدوء العازف وصخب العلاقات
حياته الخاصة لم تكن أقل إثارة من مسيرته الفنية. تزوّج خمس مرات، أبرزها من الفنانة ميرفت أمين، ثم اللبنانية دينا، وبعدها من الفنانة مها أبو عوف، التي كانت آخر زوجاته قبل وفاته. وقد ارتبط اسمه بعدد من القصص العاطفية التي كانت حديث الصحافة آنذاك، مما أضفى عليه طابع “نجم الروك العربي”.
نهاية مأساوية: حادثة غامضة تهز الوسط الفني
في مساء يوم 29 مايو عام 1981، تلقى الوسط الفني صدمة كبيرة بوفاة عمر خورشيد إثر حادث سير مروّع في شارع الهرم بالقرب من فندق مينا هاوس. ورغم أن الرواية الرسمية رجّحت كونه حادثًا عاديًا، فإن الغموض ظل يكتنف الحادث، وسط شائعات عن تورط أطراف سياسية أو شخصية ذات نفوذ. فقد أُشيع أنه تلقى تهديدات في أيامه الأخيرة، خصوصًا بعد مشاركته في إحدى الحفلات التي أثارت الجدل سياسيًا.
دفن عمر خورشيد في مقابر الأسرة بمصر الجديدة، في جنازة مهيبة حضرها كبار الفنانين والمثقفين. وبهذا، طُويت صفحة نجم لم يكن مجرد موسيقي، بل رمزًا للحداثة والانفتاح الفني.
عمر خورشيد والسياحة الفنية في مصر
شكل عمر خورشيد جسرا بين الفن والسياحة، ليس فقط من خلال تقديمه عروضًا موسيقية في معالم أثرية وسياحية، ولكن عبر تسويقه غير المباشر لمصر كدولة تنبض بالفن، تجمع بين التاريخ والإبداع. ولعل مشهد عزفه عند سفح الأهرامات ما زال حيًا في الذاكرة، دليلاً على كيف يمكن للفن أن يُعيد تقديم الأماكن السياحية برؤية معاصرة.
شهادات فنية: كلمات من القلب
حلمي بكرظاهرة فنية شاملة، عمر خورشيد كان فنانًا شاملًا نجح في السينما والموسيقى ونجح كعازف لأنه كان يحب عمله ويحب الفنانين الذين يعمل معهم ولم يكن مجرد زائر للاستديوهات أو المسارح، الجميع أحبه بداية من عبدالوهاب لأم كلثوم لعبدالحليم حافظ، ولذلك كان عبدالحليم يمنحه الوقت ليعزف منفردًا، نجومية عمر خورشيد لم تأت من فراغ
هاني شنودة نجم لن يتكرر، عمر كان متعدد الأوجه، كان منتجا سينمائيا كبيرا وناجحا ويفهم معنى الإنتاج ولا يبخل على أعماله، وكان نجمًا سينمائيًا شهد له الجميع، وبالطبع كان عازف جيتار من الدرجة الأولى، وموسيقيا موهوبا معجونا بالفن، كان (حاجة ما بتجيش كتير فى الزمن) لكن هذا هو حال الدنيا.
مها أبو عوف: كان مهنيني ومات يا حبيبي صغير، كان مهنيني في حياته، وده كان كفاية عليا، الفلوس بتروح وتيجي والإنسان هو اللي بيعمل الفلوس، وكلام فارغ، زهقت من الشائعات وعمر توفي يا حبيبي صغير، اللهم لا اعتراض، لكن مفيش كلام من ده 20 مليون وخلافات بجد محصلش.
رانيا فريد شوقي بساطة ورقي، “إيه البساطة والرقي ده، عمر خورشيد وهاني مهنا من كبار الموسيقيين والملحنين، فعلا من الزمن الجميل، قول للزمان ارجع يا زمان، زمن الفن الجميل.”
لقاءات نادرة
عمر خورشيد يتذكر عزفه لأول مرة مع عبد الحليم حافظ وأم كلثوم
كنت مرعوب، وقبل الحفلة خدت حبوب مهدئة لكن معملتش حاجة، وأول صولو عزفته ابتديت أهدى، ولما خدت التسقيف فيه ارتبكت أكتر، وكان لازم أعيده تاني مقدرتش أعيده، لكن نظرة استحسان أم كلثوم ليا طمنتني وادتني ثقة بنفسي.
خورشيد حالة فنية ثقافية متكاملة
عمر خورشيد لم يكن مجرد عازف، بل كان حالة فنية وثقافية متكاملة، تجسّد فيها التقاء الشرق بالغرب، والتاريخ بالمستقبل. وبعد أكثر من أربعين عامًا على رحيله، لا تزال موسيقاه تعزف في الخلفية، تذكّرنا بأن الفن الحق لا يموت، بل يخلد مع الزمن.
إقرأ أيضاً :
“إير كايرو” تستأنف رحلاتها بين شرم الشيخ وكوستاناي الكازاخية