في عالم كرة القدم، لا يُعد الشعار مجرد علامة تجارية؛ بل هو حامل لذاكرة الجماهير وهوية النادي وامتداد لتاريخه، ومع ذلك، تشهد السنوات الأخيرة موجة من التغييرات في شعارات أندية كرة القدم حول العالم، ما يثير تساؤلات الجماهير: لماذا تغيّر الأندية شعاراتها؟
تُظهر الجماهير غضبها عندما تمس التعديلات رموزاً تاريخية تعتقد الجماهير أن دلالاتها عميقة جداً، أحدث مثال على ذلك هو نادي النصر السعودي، الذي كشف مؤخراً عن شعاره الجديد، حيث أزال التاج الذي كان يعلو الشعار السابق، هذا التغيير، الذي جاء في إطار تحديث الهوية البصرية للنادي، أثار استياء عدد كبير من جماهير «العالمي»، الذين عدّوا التاج رمزاً للفخر والهيبة.
موقع «فوتي هيدلاينز» المتخصص في أخبار قمصان وشعارات الأندية والمنتخبات، كتب في تقرير له، عن تغيير نادي النصر لشعاره بمناسبة مرور 70 عاماً، أن إزالة التاج جاءت تماشياً مع الاتجاهات الحديثة في تصاميم شعارات الأندية.
وقال هيدلاينز، في حديثه عن الشعار الجديد، إنه يتميز بتصميم عصري أنيق وجريء، شعار دائري باللونين الأزرق الداكن والأصفر، تتوسطه خريطة منمقة لشبه الجزيرة العربية، تظهر كلمة «نصر» في الأعلى، بينما يظهر عام التأسيس والمدينة – الرياض 1955 – في الأسفل، وتُحيط بالخريطة خطوط منحنية بسيطة، مما يُضفي على الشعار إحساساً بالحركة.
وبحسب تقرير، نشرته سابقاً، شبكة «The Athletic»، هناك خمسة أسباب رئيسية تدفع الأندية لإعادة تصميم شعاراتها، أولها، التحديث البصري لمواكبة التطورات في التصميم الحديث، حيث تتجه معظم الأندية إلى تبسيط الشعارات لتكون أوضح على الشاشات، وفي التطبيقات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.

أما ثاني هذه الأسباب، فهي الهوية التجارية والتوسع العالمي، إذ تسعى بعض الأندية إلى جعل شعارها أكثر قابلية للتسويق على المستوى الدولي، من خلال رموز أكثر بساطة وتكيّفاً مع ثقافات متعددة.
وأشارت «The Athletic» إلى أن فصل الرموز السياسية أو الدينية، ثالث هذه الأسباب كما حدث مع ريال مدريد، الذي أزال الصليب من التاج في بعض منتجاته الموجهة للشرق الأوسط احتراماً للاختلافات الثقافية والدينية، ورابع هذه الأسباب هو توحيد الهوية البصرية عبر الأقسام المختلفة للنادي، لكون بعض الأندية تمتلك فرقاً في رياضات مختلفة أو فرقاً نسائية، وتلجأ إلى شعار موحّد يسهل استخدامه في جميع السياقات.
أخيراً، فإن التحول المؤسسي أو الذكرى السنوية، قد تأتي بالتغييرات أيضاً ضمن خطة أكبر تشمل هيكلة إدارية أو احتفالاً بمرور سنوات على التأسيس، كما فعل ليفربول في شعاره الخاص بمرور 125 عاماً.وبحسب ما يُستخلص من ممارسات وكالات التصميم الكبرى مثل «بنتاغرام»، ومتابعات مواقع متخصصة في الهوية البصرية كـ «ديزاين ويك»، فإن الأندية تميل عادة إلى تحديث شعاراتها كل 15 إلى 25 عاماً، بينما يُنظر للتغييرات المتكررة في فترات قصيرة على أنها ارتباك في الهوية المؤسسية للنادي.
في السعودية، قامت الأندية الرياضية، بتغيير شعاراتها عبر التاريخ، وشهدت السنوات الأخيرة تغيرات متتالية، يأتي أحد أهم هذه الأسباب في إيجاد علامة تجارية تناسب عصر التسويق والاحتراف، وتحديداً منذ انطلاق الدوري السعودي للمحترفين، بعد أن كانت شعارات الأندية الرياضية تحمل أشكالاً تقليدية مع رموز بسيطة داخلية.

في البداية كانت هذه التغيرات مخصصة لفريق كرة القدم، لكن بعد مُضي عدة سنوات قامت الأندية بتغيير شعاراتها الكاملة، واستمر التغير مع تطور التقنيات وعصر مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل الأندية تستمر في إجراء تعديلات على الشعارات.
ما يميز بعض التغيرات التي حدثت، هو دخول دلالات عميقة تحمل في طياتها موروث المنطقة أو المدينة، أو رمزية للنادي، إذ أدخل نادي العلا النمر العربي لشعاره، وهو ما يميز هذه المدينة التاريخية، ويشير شعار نادي الاتحاد إلى الرقم واحد دلالة على كونه الأقدم تأسيساً في السعودية، ويرمز شعار نادي الرائد إلى برج مدينة بريدة الشهير، وأضاف نادي العروبة في مدينة سكاكا بالجوف قلعة زعبل لتكون شعاراً جديداً للنادي.
ويتميز نادي الجبلين بوجود جبلين في شعاره دلالة على الجبال التاريخية في حائل، أجا وسلمى، وهو ما استمر في شعار النادي منذ القدم، في وقت اتجهت بعض الأندية لإضافة دلالة تشير إلى ألقاب النادي مثل التعاون، وصورة الذئب التي ترمز إلى لقب «الذئاب» الذي عُرف به النادي.
ورغم ذلك، فإن هناك بعض الانتقادات تطول عدد الأندية في السعودية لعدم تقديمها لشعارات، تحمل رمزية مثالية أو موروثاً محلياً، يعزز ثقافة الإرث الرياضي الذي يعدّ أحد مكاسب التسويق محلياً وعالمياً.
أما في الأندية العالمية، فقد حضرت التغيرات كذلك بصورة مستمرة لأكبر الأندية، فنادي ريال مدريد الإسباني، المعروف بلقب «الملكي»، أجرى تعديلات على شعاره في بعض المنتجات المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط، حيث أزال الصليب من التاج احتراماً للحساسيات الثقافية والدينية في المنطقة.
أما مانشستر يونايتد الإنجليزي، فقد شهد شعاره عدة تغييرات منذ تأسيسه، أبرزها في عام 1970 عندما تم إدخال صورة «الشيطان الأحمر»، المستوحاة من لقب الفريق، ومنذ ذلك الحين، أصبح «الشيطان» جزءاً لا يتجزأ من هوية النادي، مع تعديلات طفيفة على التصميم دون المساس بالرمز الأساسي.
نادي ليفربول الإنجليزي قام بتحديث شعاره في مناسبات مختلفة، مع التركيز على تبسيط التصميم، في عام 2017، احتفل النادي بمرور 125 عاماً على تأسيسه بشعار خاص يبرز طائر «ليفربيرد» الشهير، مع الحفاظ على رموز مثل «شعلة هيلزبره» وعبارة «لن تسير وحدك أبداً»، التي تُعد جزءاً من تراث النادي.
شعار نادي آرسنال تطور بشكل ملحوظ منذ تأسيسه، في عام 2002، تم اعتماد تصميم جديد يتميز بمدفع مبسط وخطوط نظيفة، مع إزالة بعض التفاصيل التاريخية، هذا التغيير كان يهدف إلى تحديث الهوية البصرية للنادي، لكنه قوبل بانتقادات من بعض الجماهير الذين شعروا بأن الشعار الجديد يفتقر إلى الطابع التاريخي.
نادي ميلان الإيطالي حافظ على عناصره الأساسية مثل الصليب الأحمر والأبيض، لكنه أجرى تعديلات طفيفة على التصميم لتحديثه، في المقابل، قام نادي إنتر ميلان بتحديث شعاره في عام 2021، حيث تم تبسيط التصميم ليصبح أكثر حداثة، مع التركيز على الأحرف الأولى من اسم النادي.
يظل تغيير الأندية لشعاراتها، ضمن عملية توازن دقيقة بين الحفاظ على التراث وتحديث الهوية البصرية لتناسب العصر الحديث، ورغم ذلك فإن هناك انتقادات تطول الأندية من جماهيرها على التغيرات، مما يجعل بعض الأندية تتجه لطرح استفتاءات موسعة لتجعل الجماهير جزءاً من هذا التغيير، كما فعلت أندية برشلونة وأتلتيكو مدريد في مناسبات سابقة.