منذ عقود وهناك غموض بشأن ترسانة العدو الإسرائيلي النووية، إلاّ أنّ مختلف الجهات الدولية تقول بإمتلاكها للسلاح النووي، وأفضل دليل على ذلك هو وجود مفاعل ديمونا، ووفقاً للتقارير الاستخباراتية التي تشير إلى امتلاكها لعشرات الرؤوس النووية. وهذا السلاح الّذي لم يعلن عنه بشكل رسميّ يقلق دول الشرق الأوسط، على وجه الخصوص في ظلّ تاريخها بارتكاب المجازر بحق المواطنين العرب (دير ياسين…)، ولا سيّما الإبادة الجماعية التي قامت بها في قطاع غزّة بعد عملية طوفان الأقصى. مع انتهاكات متكرّرة لقواعد القانون الدولي، هذا ما يقلقنا من قيامها بإستخدام السلاح النووي ضدّ دول الشرق الأوسط، على وجه الخصوص بعد إستهدافها للمنشات النووية الإيراني.
لقد عرفت محكمة العدل الدولية الأسلحة النووية، وفقاً لما وردة في الفقرة (35) من فتوى محكمة العدل الدولية بشأن مشروعية استخدام السلاح النووي لسنة 1996، بأنّها: “أجهزة متفجرة ينتج عنها طاقة كبيرة تتم من خلالها تفاعلات نووية بالاندماج أو الانشطار تنبعث منها حرارة شديدة وإشعاع قوي يتسبب في تدمير العمران كلّه ويسبب أضرار للنظام البيئي ككل”.
يعدّ إستهداف المفاعلات النووية في أوقات السلم أم خلال الحروب، أحد أخطر الانتهاكات للمواثيق والعهود الدولية، خاصّة للقانون الدولي الإنساني، بسبب ما قد تسبّبه هذه الاستهدافات من تأثيرات مختلفة على الإنسانية وعلى البيئة. وفي ضوء ما يحصل من عدوان إسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما رافقه من استهداف للمنشات النووية الإيرانية، نكون أمام إنتهاكات كبيرة وخطيرة للقواعد القانونية الدولية، ويصبح هناك تأثير مزدوج. إلاّ أنّ الدافع برأينا لا يهمّ، فكلّ إستهداف للمدنيين هو شرّ مطلق.
إنّ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT ) لعام 1968، لم تحرّم بشكل صريح إستخدام الأسلحة النووية، إلاّ أنّها وضعت أسساً لمنع انتشارها واستخدامها.
وأمّا بالنسبة للقانون الدولي الإنساني فقد نصّت المادة (56 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف لعام 1977)، على موضوع حماية الأشغال الهندسية والمنشأت المحتوية على قوى خطرة ومنها المفاعلات النووية، وبالتالي حظر قصفها، ما لم تكن هذه المنشات تشكل هدفاً عسكرياً مباشراً، مع أهميّة الأخذ بمبدأ التناسب، والتنبه إلى الخسائر غير المتناسبة بين المدنيين. وهذا ما لم تفعله الولايات المتحدق الأمريكية خلال استعمالها للقنابل الذريّة على اليابان خلال الحرب العالمية الثانيّة، حيث كان الردّ الأمريكي أضعافاً مضاعفة على الهجوم الياباني على بيرل هاربر.
وبالنسبة إلى إيران فإنّ مفاعلاتها النووية مراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودائماً ما تصرّح إيران بأنّ مشروعها النووي هو لأهداف سلميّة وليست عسكرية، وأمّا بالنسبة للعدو الإسرائيلي دائماً ما يصرّح مسؤوليه بأنّ مشروع إيران هو مشروع عسكري (مع العلم أنّ الكيان الصهيوني يمتلك مفاعل ديمونا النووية، ويمتلك أكثر من سبعين راساً نووياً).
وفقاً للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، يعود للدول الحقّ في الدفاع عن النفس، مع تقييد هذا الحقّ بشروط عديدة ومنها ضرورة أنّ يكون هناك هجوم مسلّح وشيك، وأنّ تكون هناك ردود متناسبة وألاّ تكون إستباقية إلاّ بحدود ضيّقة جداً. وبالعودة إلى إيران فإنّ قصف منشأتها النووية من قبل العدو الإسرائيلي، يعتبر إعتداء على دولة ذات سيادة، وبالتالي يعتبر العمل الإسرائيلي عدوان حرب وفقاً للقانون الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ العديد من الدول ومن بينها الكيان الإسرائيلي، لم يصادق على معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW ) لعام 2017، والتي دخلت حيّز التنفيذ في العام 2021، والتي حظّرت تطوير وإختبار وتخزين واستخدام أو التهديد بإستخدام الأسلحة النووية، هذا ما ردّده أكثر من مرّة وزير التراث الإسرائيلي اميخاي إلياهو، حيث طالب بألقاء السلاح النووي على قطاع غزّة. إلاّ أنّ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في عام 1996، أشار إلى أنّ إستخدام أو التهديد بإستخدام أسلحة نووية أو أيّ فعل يؤدي إلى إطلاق إشعاع نووي واسع، يجب أنّ يخضع لمبادئ الضرورة والتناسب وعدم الإضرار المفرط بالمدنيين وبالبيئة.
بالنسبة للعدوان الإسرائيلي على المنشاة النووية الإيرانية ولا سيما في نطنز و أراك وفوردو…، دائماً ما كان العدو أنّ صرّح مسؤوليه بأنّهم سيستهدفون هذه المفاعلات بإعتبارها مفاعلات عسكريّة، بينما إيران تتعاون مع وكالة الطاقة الذريّة، وتصرّح دائماً بأنّ هدف برنامجها النووي هو لأهداف سلمية. وبالتالي قيام الكيان الإسرائيلي بهجوم مفاجئ على المفاعلات النووية الإيرانية، وهذا الأمر سيؤدي إلى تعريض المواطنين الإيرانيين وأيضاً دول الجوار (خاصّة دول الخليج العربي) إلى إشعاعات مميتة، قد تدوم أثارها إلى عقود.
وهذه الأضرار تعتبر غير مبررة وفقاُ لقواعد القانون الدولي، خاصّة بأنّه ليس هناك تهديد عسكري حتمي وفوري.
حيث يعتبر كل من الماء والهواء والتربة من أهمّ العناصر البيئية التي تتأثر بشكل كبير من استخدام الأسلحة النووية، خاصّةً أنّ البيئة قد تتأثّر لقرون أو حتى ألاف السنين ( وهذا ما قد يحصل في حال استهداف محطّة بوشهر النووية والواقعة على الخليج العربي).
ووفقاً للمادة (8) من نظام روما الأساسي، يعتبر العدوان الإسرائيلي جريمة حرب، لأنّه لم يكن هناك تهديد مباشر على الكيان، ويعلم المسؤولين الإسرائيليين الأثر الكبير الذي قد ينتج عن قصف المفاعلات على البشر والبيئة، وبالتالي وفقاً لتصريح المسؤولين الإسرائيليين كان الإستهداف عمداً. وما زال العدو يحاول تدمير هذه المفاعلات بشكل كامل، وفي حال وصل العدو إلى تحقيق أهدافه بتدمير هذه المفاعلات، أم بإلقاء السلاح النووي، ندخل في موضوع الجرائم ضدّ الإنسانية، لأنّ ذلك سيؤدي إلى قتل جماعي، وتهجير واسع للمواطنين الإيرانيين، وقد تمتدّ هذه الأثار إلى دول الخليج العربي ودول الإقليم.
لا رادع أخلاقي لاسرائيل من استخدام السلاح النووي استناداً إلى جرائم الإبادة الجماعية وضدّ الإنسانية في غزّة. مع العلم أنّ الهجوم على مفاعل نووي لا يعتبر مثل إستخدام سلاحاً نووياً، ولكنّ الأثار الإشعاعيّة التي تنتجه تجعل من قصف المفاعلات النووية الإيرانية هجوماً ذا طبيعة نووية من حيث الأثر، وبالتالي يعتبر العدوان الإسرائيلي من خلال قصفه للمفاعلات النووية الإيرانية جريمة حرب نووية غير تقليدية. فهل سيكون مصير منطقة الشرق الأوسط مثل هيروشيما ونكازاكي أم مثل حادثة تشيرنوبيل؟ أمّ أنّ الإنسانية ستتغلّب ونبقى بشراً؟