يوسف وهبي فتح لها أبواب المجد.. رحلة كاميليا من الفن إلى الوفاة في حادث طائرة
بعد رحيلها في حادث مأساوي 31 أغسطس 1950، انتقل محرر الكواكب إلى عمارة الإيموبيليا بالقاهرة، حيث كان بيت كاميليا يموج بالحياة والحركة، فيما بات كل ساكنًا وحزينًا ومغلفًا بالصمت، بعد رحيلها الذي صدم الكل.
في أحد أركان الصالون، جلست الأم المكلومة على الكرسي ذاته الذي كانت تجلس عليه ابنتها، تحدق في صورة كبيرة لكاميليا معلقة على الحائط ومجللة بالسواد، تبكي بعينين أطفأهما الحزن، ولا تنطق إلا بجملة واحدة حين تفيق من وجعها: «بُص شوف كاميليا.. حلوة إزاي؟ خلاص.. راحت!»، بينما جلس إلى جانبها، ابنها «جان» يمسح دموعها، لتشير الأم إلى نافذة الدور التاسع وتقول: «لولا الولد ده.. كنت رميت نفسي عشان ألحق بنتي».
جذور قبرصية
استرجعت الأم رحلة ابنتها وقالت لمحرر مجلة الكواكب، إنه رغم أن كاميليا وُلدت في مصر، فإن جذورها ترجع إلى قبرص، جدتها وصلت إلى الإسكندرية عام 1881 وتزوجت أولًا من وكيل بوستة العطارين، ثم من أحمد زكي باشا، رئيس ديوان الخديوي.
بينما أم كاميليا، أولجا كوهين، تزوجت أولًا من موظف مسلم أنجبت منه جان، ثم تزوجت مرة أخرى وأنجبت كاميليا، وعمّدتها في كنيسة القديس يوسف لتسير على نهجها في الديانة الكاثوليكية.
لقاء غيّر المصير
في صيف 1946، وفي ميدان سباق الخيل، لمح المخرج الراحل أحمد سالم الشابة الجميلة كاميليا، كان يبحث عن وجوه جديدة، فتعاقد معها تحت بند التجربة.
ورغم معارضة الأم، أصرت كاميليا على خوض التجربة، لكنها لم تحقق النجاح المأمول في البداية بسبب لكنتها، فهي خريجة مدارس إنجليزية وفرنسية.
يوسف وهبي يفتح لها أبواب المجد
رغم الإخفاق الأول، لم تيأس كاميليا، قررت أن تتقن اللغة العربية، وأتقنتها فعلًا، ثم جاءتها الفرصة الكبرى على يد يوسف وهبي في فيلم القناع الأحمر، فكان النجاح حليفها، وصعدت إلى القمة بسرعة مذهلة.
ليالي لا تنام
كانت كاميليا تنطلق في الحياة كما الطائرات التي كانت تفتنها، بحسب وصف أمها، التي أكدت أن يوم ابنتها كان يبدأ بمشاهدة أفلام في دور السينما، ثم تعود للمنزل، تتناول الغداء الخفيف، وتسمع أسطوانة موسيقية تحضرها معها، ثم تتصفّح الجرائد، وتجرب فستانا جديدا، ثم تنطلق من جديد إلى دار سينما، فسهرة ثم الاستوديو ففراش لا تعرف فيه النوم إلا لساعات قليلة بالكاد تكفي.
ورغم أن الأم كانت تحاول إبعادها عن تلك الأجواء المهلكة، إلا أن كاميليا تعودت أن ترد بجملة واحدة فقط: «عايزة أعيش.. عايزة أتمتع بكل حاجة وأنا صغيرة، علشان لما أكبر ما اندمش على حاجة فاتتني».
رحلة قبرص الأخيرة
ظلت الأم تتنقل بين القاهرة وقبرص لرعاية ممتلكاتها، لكنها قررت الاستقرار بجانب ابنتها للأبد قبل الحادث المشؤوم بشهور قليلة، حيث سافرت إلى قبرص لتصفية أملاكها، وباعت العزبة والبيت لتعود إلى مصر.
وفي يونيو 1950، زارتها كاميليا في آخر لقاء بينهما، يومها اتفقتا على أن تعود كاميليا إلى قبرص شتاءً لقضاء إجازة طويلة وممارسة رياضة التزلج على الجليد التي كانت تعشقها، فيما كانت الأم تجهّز كوخا جبليا صغيرا لإقامتها هناك.
لكن كاميليا لم تصبر حتى الشتاء، حيث أرسلت إلى أمها رسالة تقول فيها إنها ستُضحّي بفيلم جديد، وتسافر إلى سويسرا شهرًا كاملًا: «مشتاقة للجبل، ولا أستطيع الانتظار!»، وكعادتها، كتبت بين السطور جملتها المعتادة: «أريد أن أعيش».
الطائرة التي أنهت الحلم
كانت الأم تستعد للعودة إلى مصر بعد تصفية أملاكها، وبينما تمسك بقلمها لتكتب ردًا على رسالة كاميليا، جاءها الخبر الكارثي: «سقوط الطائرة التي كانت تقل عشرات الركاب.. من بينهم كاميليا».
ختام مأساوي لحياة قصيرة
انتهت رحلة كاميليا، النجمة التي عاشت حياتها كما أرادت، «مسرعة.. لاهثة»، ولكن النهاية جاءت أسرع من كل حساب، رحلت وهي تردد جملتها الأخيرة، التي اختصرت فلسفتها كلها: «أريد أن أعيش».