دار الزمن دورته، وعاد الإخوان المسملون في العشرية الأخيرة إلى دائرة الفشل.
قبل سنوات قليلة، اعتقد كثيرون أن الجماعة ستحكم العالم العربي، فأذرعها كانت تتقدم إما في صناديق الاقتراع، أو في الشارع، أو بتحقيق الحضور الشعبي وحتى المسلح.
حينها، تحدث الإخوان المسلمون كثيرا عن الإصلاح الفكري والوسطية والاعتدال وعصرنة المنهج، لكن عندما برزت لهم بعض عوارض القوة اتضح أن أكثر الأفكار رجعية وتخلفا وتطرفا ما زالت تحكمهم.
تحالفوا مع إيران في أكثر من بلد وملف، وتحالفوا مع الدكتاتورية (دولة البشير في السودان مثال واضح).
تحدث الإخوان المسلمون كثيرا عن السلمية، لكن كلما أتيح لهم حملوا السلاح. فعلوها بشكل مباشر أو أفرزوا جماعات فعلت ذلك.
أفشل الإخوان المسلمين مشاريع إقليمية كبيرة (مشروع السلام الفلسطيني مع إسرائيل كمثال) وأصروا على العودة بالزمن إلى مرحلة “ثورية” تجاوزها التاريخ، ما حرم المجتمعات العربية من التنمية والانخراط في مشاريع التحديث والبناء التي ترافقت في العالم مع ثورة تكنولوجية غيرت كل شيء.
فهل نعيش الفصل الأخير من سيرة الإخوان المسلمين؟
وبعد أعوام تقترب من المئة على الجماعة، هل من الموضوعي أن نقول إن التنظير والمنهج والخطاب الذي أسر عشرات الملايين فاشل في عمقه وليس في معادله الواقعي فقط؟
في التأريخ النقدي للإخوان المسلمين، يبرز اسم الإعلامي والمؤلف المصري إبراهيم عيسى، الذي تحدث لـ(الحرة) عن سيرة الإخوان في مئة عام.
تنشر الحرة سلسلة من الفيديوهات يقدمها إبراهيم عيسى في نقد تجربة الإخوان، ارتأينا أن نلخصها هنا.
النص لإبراهيم عيسى لكنه هنا محرر بتصرف ليناسب النشر النصي.
https://www.youtube.com/watch?v=videoseries
التأسيس.. الأزمة بدأت مبكرا
مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، لم يكن شيخا ولم يكن عالما في اللغة ولا في الدين ولا في الفقه ولا في أي من فروع الدين.
هو مؤسس لجماعة حركية سياسية أكثر منها جماعة فقهية دينية قادرة على أن تدعي لنفسها أنها تنشر ثقافة دينية أو دعوة إسلامية، كما تظن وتعتقد وتقول. وهي تقول هذا في ميثاقها الأول على سبيل الدعاية وعلى سبيل الأكاذيب التي احترفتها منذ اللحظة الأولى.
لما تتأمل تاريخه الشخصي (حسن البنا)، له تاريخ شديد الغموض. من اللحظة الأولى، غموض في الشخصية وغموض في الجماعة. لكن عندنا وضوح شديد جدا في ما يخص النشأة.
هذا الرجل عمل مدرسا للخط في الإسماعيلية، على قناة السويس. في سنة 1928، كان فيها الجيش البريطاني، حيث الاحتلال الانجليزي لمصر لا يزال حاضرا.
أول دعم مالي قدم لهذه الجماعة كان من هيئة قناة السويس الإنجليزية (500 جنيه).
مؤسس الجماعة هو لا شك رجل يمتلك قدرات عبقرية على التنظيم لأنه بدأ بمجموعة من الأفراد القليلين جدا، البعض يتحدث عن 6 أو 7 أشخاص، ثم ينتهي بنا الحال إلى أن نتكلم عنه بعد قرابة 100 عام الآن على هذه الجماعة التي أسسها. الملكات والقدرات التنظيمية الهائلة يمكن أن تعتبر من أهم أسباب بقاء واستمرار هذه الجماعة حتى الآن.
هذا رجل قادر على أنه يقضي أسابيع وشهورا يتجول في قرى مصر حتى قيل على سبيل التعظيم من شأنه ومن قدراته إنه تجول في 4000 قرية مصرية. وإن كان هذا فيه مبالغة كبيرة، إلا أن قدرات الرجل التنظيمية والحركية ودأبه وإصراره ومثابرته كانت أمرا لا يمكن التشكيك فيه.
ونلاحظ ونحن نتأمل تأسيس هذا الرجل لهذه الجماعة تأثره الشديد جدا بشيئين: الهيكل الشيعي والتنظيم الصوفي.
التنظيم الشيعي قائم على وجود مرشد، ووجود آيات الله، ووجود الخمس لرجال الدين، وحالة التقية.
التنظيم الشيعي، لأنه مضطهد وملاحق ومطارد عبر مئات السنين، عنده ظاهر وباطن. تجده يظهر ما لا يبطن ويبطن ما لا يظهر.
التراتبية التنظيمية كلها فيها تأثر شديد جدا بالروح الشيعية في التنظيم، لأن الشيعة من اللحظة الأولى جماعة قائمة على حالة المعارضة للأحزاب الحاكمة أو الممالك والسلاطين، ومن هنا، فكرة التخفي والسرية فكرة أساسية جدا في بنائها.
كذلك استفاد (البنا) من البناء التنظيمي الصوفي، من فكرة القطب والمريدين، والسمع والطاعة. فكرة أن العضو الإخواني في يد مرشده كما الميت في يد مغسله، والذي يغسل الميت، يغسل الجثة يفعل بها ما يشاء.
الجذور التي زرعت للجماعة من البدء هي جذور عميقة مستفيدة من خبرات مئات السنين من التنظيمات التي قلبها سري وتحتي وباطني.
بين الجهل والقطيع
حسن البنا، وقدرته على الإقناع فيها مبالغات من أصحابه ومريديه. لكن هو في الحقيقة جاهل، وحتى جمهور الجماعة، الإخوان الأساسيون كانوا جهلة بالمعنى التعليمي والمعنى الديني.
وهو استطاع أن يبني على هؤلاء الجهلة أو من هؤلاء الجهلة. وهنا الجهلة لا أقولها من باب الانتقاص بل من باب التوصيف. فهو لا مقنع ولا مؤثر ولا قادر وقوي .أقنع نجارا وحدادا وناس قاعدة على القهوة. لو كانوا مثقفين ومتعلمين ما كان حسن البنا يستطيع أن يفعل بهم شيئا.
لاحقا، استطاع أن يصل للشخصيات التي تدعي في نفسها التعلم والثقافة. لكن على الأقل الكتلة الصلبة اللي بنيت عليها الجماعة هي كتلة صلبة من الجهلة.
لذلك يعلون من قيمة الطاعة لا النقاش والجدل والاختلاف في الرأي، ونتكلم عن جماعات الإخوان باعتبار أن فيها روح القطيع.
روح القطيع جاءت من لحظة التأسيس الأولى. “نحن لا نفهم في الدين. هذا الرجل هو الذي يفهم. نحن لا نفهم في التنظيم. هذا الرجل هو الذي يفهم. نحن لا نفهم في الحياة. هذا الراجل هو الذي يفهم. هو عظيمنا ومؤسسنا ومرشدنا وقائدنا ومعلمنا، وما إلى ذلك”.
أول من اختلف مع حسن البنا وانقلب عليه هو أول متعلم في الجماعة، أحمد السكري، وأظن كان مدرسا، وهو أول من اكتشف خواء حسن البنا الديني والثقافي والفكري وربما العقيدي أيضا.
أحمد السكري البعض يعتقد أنه من اللاعبين الأساسيين في التأسيس، وأن حسن البنا كان الواجهة، وأحمد السكري هو البطل الفعلي في بناء وانتشار هذه الجماعة. وهو أول من انشق.
في السنوات الأولى، كانت المعركة حول من يبقى في هذه الجماعة: الذي يناقش ويجادل ويحاور ويناور ويختلف ويقول ويحكي؟ أم الذي يطيع ويسمع الكلام ويسير كالأنعام وراء مرشده؟
وهنا أنا لست في صدد محاولة للانتقاص أو السخرية أو التهكم بل في محاولة للتوصيف. لا شك أن أي تنظيم عقيدي مغلق وسري مبدأ الطاعة فيه هو المبدأ المفصل. لو تتعامل مع عقول تفكر وتناقش وتحاور وتختلف وتجتهد فأنت عندك يعني حزب سياسي أو مؤسسة ديمقراطية، وهذا ينفي تماما فكرة التنظيم السري، التنظيم التحتي، التنظيم القائم على الطاعة.
سيرة الجماعة.. وانزياح الولاءات
لما أسست الجماعة سنة 1928 كانت الخلافة الإسلامية قد انهارت، وفي مصر تيار وطني عارم يعلن الوطنية المصرية والدولة المصرية كدولة مواطنة. والدين لله والوطن للجميع. وكل البناء الذي وضعت الأسس الأولى له ثورة 1919.
الجو الليبرالي اصبح جوا مهيمنا ومسيطرا وقائدا لمسار الأمة المصرية. وهذه الأمة تعتقد في نفسها أنها أمة مدنية، أمة حديثة، والهدف الأساسي هو التحرر من الاستعمار ومن الاحتلال الإنجليزي على صوره المتعددة، الاحتلال المباشر العسكري، ثم على شكل قاعدة عسكرية في قناة السويس، أو ارتباط القرار السياسي المصري المحلي والخارجي بالإمبراطورية البريطانية.
المجتمع المصري استقر على أنه مجتمع مدني وآمن وقضيته الحقيقية هي مواجهة الإنجليز. فلما تطلع جماعة رأيها أنه نحن لسنا مجتمعا مدنيا. وأننا لا بد أن نعود إلى دولة الخلافة وزمن الخلافة، وأننا لسنا المصريين بل بل نحن مسلمون يعيش بيننا أهل ذمة، فمشروع النهضة المصرية القائمة وقتها الذي يضرب فيه ويهزه ويشوش عليه هو المشروع الإخواني، ولا تعد القضية قضية الإنجليز ولا الاحتلال ولا تحرير الأرض، والمشروع ليس مشروعا مصريا وطنيا بل هو مشروع إسلامي عالمي.
هذه محنة حقيقية. جماعة اصطنعت كي تتحرك الأمة المصرية من مسار أجمعت عليه وتوحدت حوله إلى مسار آخر يشتت ويمزق صلابة ووحدة المجتمع المصري.
هذا المفهوم تم تصديره ونشره في مصر وفي المجتمع العربي كله، لأن المجتمع العربي كله وقتها في حالة استنهاض همم في مواجهة الإنجليز، وفي مواجهة الاحتلال والاستعمار، ومجتمعات باحثة عن الحرية والاستقلال ما بعد الحرب العالمية الأولى.
في حقيقة الأمر، حسن البنا قاد قرابة عشر سنوات في التأسيس الأول، التدريجي، الصامت ، غير المحسوس، الذي يتوج بمؤتمر سياسي يقول بوضوح إن جماعة قد تشكلت.
المحطة الأساسية لهذه الجماعة هي محطة ضرب الحالة الوطنية المدنية لمصر وللمجتمعات العربية عموما. مشروع استنزافي للمدنية والحداثة والعلمانية وكل قيم العصر.
هذه جماعة مزيفة ومزورة لتاريخها وأفكارها ورسالتها. احترفت العنف من اللحظة الأولى. على عكس أي كلام ممكن يقوله هؤلاء الذين يحاولون أن يبرروا جماعة الإخوان على الأقل في مرحلتها الأولى. يقولون لا ليست هذه جماعة حسن البنا. ليس هذا ما قاله الأستاذ حسن البنا. وكأن مشكلة الإخوان هي انحرافهم بعد حسن البنا.
حقيقة الأمر أن المنحرف الأول هو حسن البنا. المنحرف فكريا وسياسيا ودينيا هو حسن البنا. ومشروعه مشروع استعلائي. مشروع أن الجماعة هي جماعة المسلمين، ومن هم خارج هذه الجماعة ليسوا مسلمين.
هذا المشروع ليس فقط استعلائيا تكفيريا إقصائيا ولكن أيضا هو مشروع تدميري من اللحظة الأولى. قائم على هدم المجتمعات وتفكيكها. مشروع عمالة لأنه مشروع ضد فكرة الوطنية والانتماء الوطني.
فصل العنف.. الطويل
فكر الجماعة أتاح لها استحلال الآخرين: استحلال الوطن، واستحلال الدماء. هم أول من أعاد الاغتيالات من العصور الإسلامية الأولى، من اغتيال عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب، تعود الاغتيالات مرة أخرى باسم الإسلام، من أول محاولة اغتيال الخازندار المستشار المصري الشهير، واغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري.
وأول من قام بعمليات إرهابية باسم الدين في العصر الحديث هي جماعة الإخوان. فبينما كان هناك صراع بين العرب والإسرائيليين على فكرة إقامة دولة إسرائيل في 1948، صراع عسكري يعترف به الجميع ويقر به الجميع، لكن الجماعة حولته إلى عنف داخل مصر مثلا.
تذهب (الجماعة) إلى محلات يملكها اليهود المصريون ويحرقونها، ويمارسون عمليات إرهاب ضد الشوارع أو الحارة التي يقطنها مواطنون مصريون يهود، والشركات والبنوك التي يديرها أو يملكها يهود. من حول الصراع إلى صراع إرهابي على الأقل من الجانب العربي ومن الجانب المصري ومن الجانب المسلم هم الإخوان المسلمون.
فالعمليات الإرهابية التي بدأها الإخوان المسلمون، عمليات الاغتيال التي بدأها الإخوان المسلمون، ليس فقط بدأوها على طريقة حركية أو على أنه تنظيم سري عسكري هو الذي يعمل هذه العمليات، لا هو بدأها من حيث التنظير والتثقيف بمعنى أنه يمنحها الشرعية والفتاوى الدينية ويحللها ويقدمها باعتبارها جهادا في سبيل الله وقتالا في سبيل الله، ويصبح اغتيال المواطن المسلم المختلف معه هو جهاد في سبيل الله.
من عمل كل هذا هم الإخوان المسلمون، من اللحظة الأولى لا لحظة سيد قطب.
هناك من يقول لك إن الذي حول (الجماعة) هم القطبيون أو المنتمون إلى سيد قطب، وهو أديب مصري، شاعر فاشل، و(مؤلف) رواية أكثر فشلا، لكنه كان ناقدا أدبيا متميزا للغاية.
هو واحد من الأساتذة الذين قدموا لنا نقدا عظيما للروائي الأعظم نجيب محفوظ في بدايات حياته، إلا أن سيد قطب نتيجة لأسباب نفسية وأسباب اجتماعية وأسباب فكرية كثيرة، منها عدم تحققه وطموحه المجهض، يذهب بجماعة الإخوان إلى إعلان واضح لجوهرها.
الجماعة كانت طوال الوقت تخفي إرهابها. و(سيد قطب) يعلنه بقوة ويؤسس له نظريا، ويقدمه بوضوح شديد الجفاف وبلا مداورة.
لذلك نقول إن جماعة الإخوان هي الأصل والجذر لكل الجماعات الإرهابية وللإسلام السياسي.
الإخوان وداعش.. جذر وشجرة!
لكن هل الجماعات الإسلامية والجهادية الحالية تنتمي للإخوان المسلمين؟
الجماعات المتطرفة ما بعد الإخوان كلها خرجت من معطف الإخوان المسلمين، والأهداف التي أعلنها الإخوان المسلمون من اللحظة الأولى هي الأهداف التي تتبناها الجماعات الإرهابية والمتطرفة في العالم كله.
هي جماعة واحدة ولكنها بعناوين مختلفة. وهي جماعة تملك تنظيما دوليا يدير كل فروعها في العالم، وداعش والقاعدة لا يمكن مواجهتها باعتبارها الجذر، المواجهة تكون بضرب الجذر، وقطع شجرة الإخوان المسلمين، لتتساقط كل هذه الفروع.
مواجهة هذه الجماعات باعتبارها جماعات منفردة أو عنقودية أو منزوعة الصلة بالإخوان المسلمين مواجهة فاشلة كما نراها الآن. محاولة فاشلة طول الوقت. تحارب جماعة تخرج أخرى، وتضرب تنظيما يطلع لك تنظيم ثان، أو حتى ذات التنظيم يظهر مرة أخرى بشكل مختلف.
لماذا؟ لأنك طول الوقت تواجه الجزء لا الكل.
الإخوان المسلمون هي الجماعة المهيمنة والمسيطرة ليس فقط كأب روحي وبذرة الجماعات المتطرفة ، بل كحبل سري، هي الشريان الرئيسي لهذه الجماعات كلها، وكل هذه الجماعات هي فروع لتنظيم جذري اسمه الإخوان المسلمين.
والشعارات التي يقدمها الإخوان المسلمون، مثل الشعار الرئيسي انتخابيا وسياسيا، وهو (الإسلام هو الحل)، وأن لديهم مشروع ينجح في إنهاض الأمة، قل لي: الإخوان المسلمون نجحوا أين؟
هذا الشعار كذاب (بالكاف) ولكنه جذاب للبعض.
الفرصة الضائعة أم الفرصة التي لم تأت؟
كثيرا ما نسمع شعار “أعطوهم فرصة”.. لكن التاريخ يظهر لنا أن هذه الجماعة تمكنت من دول كثيرة وحكمت حكومات كثيرة سواء بصورة مباشرة أو بالمشاركة أو بالهيمنة.
خذ مثالا السودان. في السودان، حكم الإخوان المسلمون أكثر من 30 عاما. في تجارب الإسلام السياسي في أفغانستان وباكستان وإيران وتركيا، رغم الحالة المعقدة المركبة في ما يخص أردوغان، لكن في المحصلة أنه الصعود إلى مقعد الحكم يعني عدم التخلي عنه. رأينا إقصاء الآخر. رأينا تزوير الانتخابات. رأينا…
كل مشاريع الحكم والسيطرة الإخوانية فشلت. كل الشعارات التي قدمت فشلت. كل الامتحانات التي دخل فيها الإخوان المسلمون فشلوا فيها تماما وسقطوا فيها نهائيا. حصل هذا للحزب الإخواني في المغرب، للإخوان في السودان، في تونس، في مصر، في اليمن، وللإسلام السياسي الإخواني الشيعي (لو جاز التعبير) في إيران، ولصورتهم الأكثر سفورا في أفغانستان.
أين نجح الإخوان المسلمون؟
في قطاع غزة، 2 مليون مواطن وحكمته 17 سنة. كلمني عن نجاحك حتى انتهى إلى دمار وانهيار!
الإخوان جماعة عالمية. تنظيم عالمي. لا بأس! المافيا تنظيم عالمي أيضا.
الانتشار ليس بالضرورة علامة إيجابية. ليس علامة على النجاح أنك موجود في العالم. العنصرية والأفكار الوحشية، الأفكار الاستعلائية، موجودة طول الوقت. لكن أن تصل للحكم هذه هي المشكلة.
والفكرة هي أن الانتشار نفسه لا بد من النظر إليه وقراءته على نحو مختلف.
جماعة الإخوان سوف تلد مولودا جديدا كل يوم، سنيا وشيعيا، لماذا؟ لأنك لم تعالج الجذر.
ليست جماعة يمينية محافظة
الإخوان استطاعوا إقناع اليسار في الغرب، وهو على درجة من السذاجة أو المثالية أو الحماقة أو الرغبة في الاعتذار عن الاستعمار الغربي، فقرر أن الإسلام هو الإخوان المسلمون.
ومعاداة الإخوان المسلمين كأنك عندك الإسلاموفوبيا، وهذا كلام أشد ما يكون قربا إلى الغباء.
وعندنا مشكلة أخرى وهي أن الإخوان المسلمين استطاعوا السيطرة على الجاليات الإسلامية في الغرب والتحدث باسمها وتقديم مطالبها باعتبارها مطالب الإسلام ومطالب المسلمين.
مشكلة ثالثة هي أن جماعات الإخوان المسلمين أصبحت ذات ثقل انتخابي في الغرب، ومن ثم مؤثرة على الانتخابات في الغرب، ويرون الإخوان كجماعة من أنواع اليمين السياسي. لا هي جماعة عنصرية.
مثلما يجرم الغرب الأفكار العنصرية المفروض أنه يقبل ويحترم فينا أن نتعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها حزبا لا بد من منعه ولا بد من التحريم والتجريم.
المشكل الحالي أنك مطالب بالتعامل مع الإخوان المسلمين كأنهم تيار يمين محافظ يمين تقليدي. وهذا الأمر يذهب بنا إلى علاج خاطئ تماما. كأنك تعالج السرطان على أنه احد أعراض نزلة البرد.
ضياع الدين والسياسة
وعندي مشكلة حقيقية مع الأنظمة العربية. الأنظمة العربية طول الوقت في حالة منافسة مع الإخوان على التدين.
الصراع بين الإخوان والحكومات العربية جعلها تبدو وكأنها في مزايدة في سوق التدين. إذا كان الإخوان يتحدثون باسم الدين فأنا كحكومة مصرية سورية، سعودية، يمنية، جزائرية، أنا سأبدو أكثر إيمانا من الإخوان، وأكثر تدينا من الإخوان، وأكثر دفاعا عن الدين من الإخوان.
إذا كنت تقول إن القوانين لا بد أن تكون مطابقة للشريعة الإسلامية، أنا كل مادة في القانون أجيب مفتي ودار إفتاء وشيوخ يقولون هذا مطابق للشرع الإسلامي.
انتهى الأمر إلى أسلمة هذه الحكومات وتسييس الدين. وأصبح في المقابل عند الحكومات العربية تديين للسياسة.
مرشد الإخوان بالتأكيد يحفظ القرآن أكثر من أي رئيس عربي أو غير عربي، وأكيد سيتكلم في التاريخ الإسلامي وتطبيق الشريعة أكثر من أي حاكم ورئيس عربي أو أمير عربي. فالموضوع محسوم.
أنت داخل في مزايدة على ماذا بالضبط؟
الإخوان المسلمون بعد حوالي مئة عام من تأسيسها، وأنا أعتقد أنها ستعيش مئة عام أخرى، عندما تواجهها الدول والحكومات تواجه التنظيم فنحظر تنظيم الإخوان لكن أفكار الإخوان مؤسسات الدولة تتبناها في التعليم. مناهج التعليم تتبنى منهج الإخوان ومناهج الإخوان.
وبالتالي التخلي عن المدنية وعن العلمانية والأنظمة الوطنية لصالح الأفكار الدينية اللي تخدم الإخوان المسلمين. ومن هنا أي حظر قانوني سياسي لجماعة الإخوان لا يساوي الحبر الذي كتب به طالما أفكار الإخوان ما زالت موجودة وسائدة وحاضرة ومتبناة من قبل مؤسسات الدولة التعليمية والدينية والثقافية والإعلامية.
جمال عبد الناصر تحالف مع الإخوان المسلمين ثم اختلف معهم، وصراع ومزايدة على الإخوان المسلمين بأنه النظام الناصري ينشئ مساجد أكتر مما أنشأها المسلمون من عصر عمرو بن العاص. حتى جمال عبدالناصر أنشأ جامعة الأزهر، حوله من مجرد جامع وجامعة دينية إلى جامعة تضم معاهد أزهرية تنتشر في كل أنحاء مصر وطلابها بالملايين، ويؤسس الأرضية الإخوانية.
عبد الناصر مات. الإخوان المسلمون تحالفت مع أنور السادات وسيطرت على المجتمع المصري كله. نفس ما حصل في السعودية. جهيمان العتيبي اقتحم الحرم المكي. تشدد ديني. تعصب ديني. فالحكومات السعودية زايدت على العتيبي، ونحن دولة أكثر إسلاما وإيمانا منكم. فتنتنشر الوهابية وإنفاق المليارات على المراكز الإسلامية والجمعيات السلفية.
صراع الدولة والجماعات الإسلامية على من يتحدث باسم الدين يضيع الدين والسياسة ويضيع المستقبل.
الحرة